لا دليل على تورُّط روسيا في هجوم "حماس" لكنها بالتأكيد مستفيدة من المواجهة
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- موجة هائلة معادية لإسرائيل وللسامية تجتاح في هذه الأيام وسائل الإعلام الروسية، التي لم تكن متعاطفة مع إسرائيل حتى في الأيام الجيدة والهادئة، وخصوصاً بعد بداية الحرب في أوكرانيا في شباط/فبراير 2022.
- "إسرائيل ستزول من الوجود". هكذا تحدّث سياسيون وباحثون وشيوخ محترمون عن هذا "الموعد الرهيب"، وبهذه الطريقة، وصفت القناة الروسية تشارجراد، التي تلتزم بالخط القومي - الديني، "نبؤات الغضب" فيما يتعلق بزوال إسرائيل. في منشور للقناة على تيليغرام، حيث نُشر المقال، نُشرت أيضاً ردود القرّاء الكثيرة التي عبّروا فيها عن أملهم بزوال إسرائيل من على سطح الأرض؛ كما كتبت في تيليغرام قناة أُخرى تحمل اسم Reasdovka، المعروفة بمواقفها المعادية لأوكرانيا والمؤيدة للكرملين: "إسرائيل أقلية، المسلمون أكثرية، وهم مستعدون للانضمام إلى القتال إلى جانب ’حماس’"؛ أولغا سكفيفا المذيعة في القناة الأولى، والتي تُعتبر بوقاً من أبواق الكرملين، سخرت من مجندات الجيش الإسرائيلي اللواتي خُطِفن إلى غزة، خلال نقاش في الأستديو عن الجنديات الأسيرات واستعداد الجيش الإسرائيلي للحرب.
- تأرجحت ردات فعل وسائل الإعلام الروسية على الحرب بين "حماس" وإسرائيل بين الفرح العظيم ("الظاهر أن إسرائيل ضعيفة أكثر مما اعتقد الجميع، فهل في إمكانها الصمود؟) وبين الإدانات الحادة لعملياتها في غزة ("إسرائيل تسيء معاملة الفلسطينيين، وترتكب جرائم حرب مرعبة.") لكن تخطى هذا كلّه صانع العناوين الأولى في الدولة، الرئيس فلاديمير بوتين، الذي قارن الوضع في غزة بالحصار الذي فُرض على لينينغراد واستمر 872 يوماً.
- حتى الآن، لم تُصدر روسيا إدانة للهجوم "الإرهابي" الذي شنّته "حماس" على جنوب إسرائيل، على الرغم من مقتل 16 مواطناً روسياً على الأقل في هذا الهجوم، ووجود ثمانية مفقودين، بحسب السفارة الروسية في إسرائيل. علاوةً على ذلك، أعلنت وزارة الخارجية في موسكو أن روسيا ستحافظ على علاقاتها مع "حماس"، سواء "من أجل المساعدة في إعادة الأمن، أو من أجل الدفع قدماً بالمفاوضات بشأن الأسرى." لا يوجد نفاق أكثر من ذلك؛ في التسعينيات من القرن الماضي، وفي سنة 2000، شنّت روسيا حربين ضد المتمردين في الشيشان الذين أرادوا إقامة دولة مستقلة والانشقاق عن الاتحاد الروسي. جرى تدمير العاصمة غروزني تماماً، وارتُكبت "جرائم" مخيفة ضد الإنسانية خلال هاتين الحربين ضد السكان المدنيين، لم يتحدث عنها أحد.
- في سنة 2003، وعندما كنت صحافية في القناة 9 الناطقة باللغة الروسية، كنت أغطي الأحداث في قطاع غزة، ورأيت في أحد أسواقها قرصاً مضغوطاً [CD] بعنوان "الجرائم الروسية ضد الشيشان"، فاشتريته وشاهدت فيه صوراً مخيفة جداً عن تعذيب الأسرى وفظائع أُخرى. والمفاجىء أن حركة "حماس" لم توضع على قائمة التنظيمات "الإرهابية" في روسيا، على الرغم من أن الكثيرين من المواطنين الروس قُتلوا على أيدي مقاتليها، قسم منهم في الهجوم الذي وقع في حزيران/يونيو 2001 في الدولفيناريوم [نادٍ ليلي في تل أبيب].
- بعد وصول "حماس" إلى السلطة في القطاع في سنة 2006، استُقبلت الحركة استقبالاً ملكياً، ودُعي زعماؤها إلى لقاء في وزارة الخارجية الروسية. غطيت هذه الزيارة، وسألت أحد كبار المسؤولين الروس عن سبب استضافة زعماء "حماس" في موسكو، على الرغم من كونها تنظيماً "إرهابياً"، فأجابني أن الأمر مختلف، و"من المهم لروسيا أن يكون لها علاقات طبيعية مع اللاعبين المهمّين في الشرق الأوسط." وفعلاً، في تلك الفترة، تحولت "حماس" وحزب الله إلى لاعبيْن مهمّيْن في الشرق الأوسط، الأمر الذي برّر، من الناحية الدبلوماسية، إقامة علاقات وثيقة معهما.
- هل يؤمن بوتين فعلاً بأن الوضع في غزة صعب ويشبه الحصار الذي فُرض على لينينغراد؟ من شبه المؤكد كلا. لكن في ضوء العلاقات الوثيقة التي تقيمها روسيا مع إيران، ومع دول إسلامية وعربية أُخرى، لا يتغير شيء إذا كان كلامه مطابقاً للواقع، أم لا. فهذه هي روسيا التي غزت أوكرانيا، والتي تواصل تدميرها القرى الأوكرانية والمسّ بالمدنيين الأوكرانيين منذ عامين، تعِظ إسرائيل كيف عليها أن تتصرف في غزة. العديد من المقالات في وسائل الإعلام الروسية تقول إنه بسبب القتال في غزة، ستضطر الولايات المتحدة إلى مساعدة إسرائيل أكثر، وسيكون هذا على حساب أوكرانيا، وهذا التوجُّه يمكن أن يتيح لروسيا الانتصار بسهولة أكثر (وفقاً لرأي هؤلاء).
- في هذه الأيام، يتساءل كثيرون في إسرائيل وفي أوكرانيا: هل لروسيا علاقة ما بالهجوم الذي شنّته "حماس"؟ وهناك شائعات كثيرة تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي. في هذه المرحلة، لا توجد دلائل قاطعة تدل على تدخُّل روسي، لأن لدى "حماس" الكثير من المساعدين – بدءاً من إيران وتنظيم الدولة الإسلامية داعش. لكن يمكن القول إن روسيا هي الرابح الأكبر من أي طرف آخر. فالعالم اليوم يركز على غزة وإسرائيل، وليس على الوضع في أوكرانيا. هذا لا يعني أن التأييد الغربي لكييف توقّف، لكن من الواضح أن أوكرانيا اليوم ليست في مركز الاهتمام. كما تأمل روسيا أيضاً بأن تكون وسيطة بين إسرائيل و"حماس"، لكن ليس من الواضح ما إذا كان لديها الأهلية والمال الذي تملكه قطر.
- في أي حال، فإن الموجة المعادية لإسرائيل، والمعادية للسامية، القادمة من روسيا، لا ينبغي أن تفاجىء أحداً. فمثل هذه الأمور حدثت في سنة 2018، عندما أسقط سلاح الجو السوري [عن طريق الخطأ] طائرة استخبارات روسية فوق البحر المتوسط. وروسيا لها موقع راسخ في المعسكر المعادي لإسرائيل مع إيران وحزب الله و"حماس". نأمل من كل الذين يريدون تعلُّم الدرس وإعادة النظر في العلاقة مع روسيا وأوكرانيا، أن يقوموا بذلك بسرعة.