كي لا تتحول غزة إلى العراق: يجب الآن صوغ اليوم التالي
تاريخ المقال
المصدر
- فائض المصطلحات العسكرية في النقاش الإسرائيلي يدفع إلى وصف جزئي لإسقاطات العملية العسكرية المتوقعة في قطاع غزة. الخطوة المخطَّط لها ليست "مناورة" فقط، أو "دخولاً برياً"، إنما خطوة بحجم تاريخي، فيها إمكانات لصوغ النظام السياسي الفلسطيني وتداعيات عميقة على الساحة الإقليمية.
- لذلك، من الضروري تحليل تفاصيل التفاصيل، وليس مجرد مصطلح غامض، كـ"تفكيك حماس"، بل التفكير العميق أيضاً في اليوم التالي. دخول عسكري واسع إلى غزة من دون تخطيط كهذا، يمكن أن يسجن إسرائيل في واقع لا يقل سوءاً عن 7 تشرين الأول/أكتوبر: بدءاً من سيطرة مستمرة على القطاع، وصولاً إلى نشوء فراغ حكومي يمكن أن تملأه جهات متطرفة من مناطق مختلفة في الشرق الأوسط.
- أولاً، من الضروري معرفة القطاع بشكل عميق، فهو إحدى أكثر المناطق كثافةً سكانية في العالم، وهو مجتمع صغير يعتمد على المساعدات الخارجية بالكامل (70% منهم لاجئون)، مجتمع فتيّ جداً (67% تحت الـ30 عاماً)، مع بنى مدنية متداعية وجيش شاب تم غسل دماغه تحت حُكم "حماس" التي زرعت في الوعي كراهية كبيرة لإسرائيل، وأصبحت الحرب روتين حياة هذا المجتمع. في هذه المنطقة، من الممكن أن يتم صوغ ترتيبات سياسية جديدة، لكن لا يمكن تغيير الوعي، وهو ما فشل الأميركيون فيه خلال تجربتهم المرّة في أفغانستان والعراق. الخلاصة، أنه لا يجب الغرق في الوحل الغزي، بل وضع أهداف واقعية من دون أوهام.
- وفي إطار الخيارات بين البدائل الاستراتيجية السيئة الموجودة أمام إسرائيل، يجب التفكير في صوغ ترتيبات جديدة لها علاقة بالسلطة الفلسطينية، يبدو أن هذه الفكرة برزت في الأسبوع الأخير بين إسرائيل والمسؤولين في الإدارة الأميركية. الحديث يدور عن إدارة مدنية محلية تقوم على خراب "حماس"، وعلى الهدم المادي الواسع للقطاع. هذه الإدارة ستُشكَّل من بلديات وسلطات محلية وعشائر ومنظمات غير حكومية و"فتح" في القطاع، ويمكن أن تكون عنواناً للإدارة المدنية واستقبال المساعدات الاقتصادية.
- يجب تحليل هذا السيناريو بدقة، والشك فيه، والتذكر أنه البديل الأقل سوءاً بين البدائل الموجودة أمام إسرائيل. سيكون هناك عوائق كثيرة أمامه: أشك في أن يكون لدى السلطة وأجهزتها القدرة، أو الرغبة في الانتشار في القطاع؛ من غير الواضح ما إذا كان الجمهور في غزة سيستقبلها بالترحاب؛ ومن المرجح أن تعمل جهات محلية ضدها بالقوة، ومن ضمنها "حماس"، ومن غير الواضح الحافز الذي سيكون لدى مَن يترأس مثل هذه الإدارة المحلية - المدنية.
- الأمر يحتاج إلى استعدادات منذ الآن. بدءاً من رصد الجهات المحلية التي يمكنها الاندماج في الإدارة المحلية، مروراً بإجراء اتصالات بالسلطة الفلسطينية منذ الآن، وصولاً إلى حوار مع جهات خارجية ضرورية من أجل الدفع قدماً بالفكرة، وعلى رأسها الإدارة الأميركية ومصر ودول أُخرى، كالسعودية والإمارات، وهي جهات يجب أن تكون مؤثرة ومستثمِرة في القطاع، بدلاً من قطر، المقربة من "حماس".
- في جميع السيناريوهات، سيكون من الضروري صوغ ترتيب معين، وسيطرة ورقابة جديدة على الحدود المصرية - الغزية (محور فيلادلفي) الذي كان الوريد المركزي لتعاظُم قوة "حماس" العسكرية والأدوات التي حولتها من تنظيم "إرهابي"، أو تنظيم "عصابات"، إلى جسم لديه قدرات عسكرية كبيرة. هذا أيضاً درس مهم لكل حوار مستقبلي في الضفة: من الضروري أن تسيطر إسرائيل في كل سيناريو على غور الأردن، وبذلك، تمنع تهديدات عسكرية كتلك التي تطورت في غزة.
- عدم وجود خطة منظمة وتحضيرات مسبقة مفصلة بشأن اليوم التالي، سيشير إلى أن إسرائيل لم تتعلم شيئاً من الفجوات الحادة التي كانت موجودة في كل ما يخص رؤية "حماس" والتعامل معها حتى اندلاع الحرب، والأسوأ - عودة متوقعة إلى أخطاء الماضي.