هل كان السابع من تشرين الأول/أكتوبر "هولوكوست"؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • قبل نحو أسبوعين من أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، نشرت منظمات يهودية وإسرائيلية تعمل على تخليد ذكرى المحرقة النازية في البلد، وعلى رأسها مؤسسة "ياد فاشيم"، إعلاناً مشتركاً، عنوانه: "لا تقارنوا أيّ شيء بالمحرقة النازية." وقد عبّرت المنظمات عن معارضتها الشديدة للمقارنات المتكررة بين الأطراف المتناحرة، من يمين ويسار الخريطة السياسية الإسرائيلية، والتي تقارن بين أفعال جهات في الشعب اليهودي، وفي دولة إسرائيل، بأفعال النازيين والمحرقة. ويمكننا أن نضيف أن مثل هذه المقارنات تكررت بصورة أوسع في الجدل الجماهيري.
  • لقد شدد الإعلان المذكور على أن النازية كانت ظاهرة فريدة في نوعها، وكان في قلب أيديولوجيتها العنصرية هدف واضح: إبادة الشعب اليهودي، بثقافته وقيَمه. وكل مَن يطلق توصيف "نازيين" على المعسكر الذي يعارضه؛ كل مَن لا يميز بين العنصرية، مهما تكن مدانة، أو بين جدل سياسي محتدم في الصورة التي ينبغي لمؤسسات الدولة أن تكون عليها، وبين النازية، لا يتسبب فقط بالمساس بذكرى المحرقة النازية ومشاعر الناجين منها، بل هو، وبكل بساطة، لا يفهم ما هي النازية، وما هي المحرقة.
  • بعد نحو أسبوعين من إصدار ذلك الإعلان، اقتحم مقاتلو "حماس" الجدار الفاصل بين غزة وبين قرى غلافها، وقد دفعت أعمال القتل والنهب، والخطف، الناس فوراً إلى مقارنة ذلك بالمحرقة والمذابح التي سبقتها. كانت المقولة الأكثر انتشاراً هي أننا نعيش أخطر مراحل حياتنا، كشعب، منذ المحرقة. فهل هذا يشبه المحرقة والنازية؟ وهل يجب إصدار بيان عام آخر ضدها. في رأيي، لا.
  • يبدو أن ما يحدث هنا ظاهرة واسعة الانتشار، أساسها الربط بين ما جرى في هجوم "حماس"، بما حدث في المحرقة، من دون الانتباه إلى أن زمن المحرقة النازية كان زماناً تقف فيه المجتمعات اليهودية عاجزة، بلا حماية، بلا جيش أو دولة، وتعاني جرّاء نزع شرعيتها بين السكان الذين تعيش في أوساطهم، والذين كانوا في الأغلب (وليس دائماً) يساعدون في ملاحقة وقتل اليهود. وكل هذا حدث أمام قوة حشدت قوتها الهائلة لكي تقضي على اليهود، حرفياً.
  • التشديد، في إطار هذه الظاهرة التي سادت على مدار الأيام الماضية، وهي ظاهرة يبدو أنها ستظل ترافق الخطاب العام لاحقاً، هو على مَواطن الشبه بين أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر وبين أحداث المحرقة. إن ما حدث في المحرقة والقضايا المرتبطة بها، كامن دوماً في الوعي الشخصي والجمعي للإسرائيليين، ولكثيرين من اليهود في أرجاء العالم، ويتم الإتيان على ذكرها في البلد، عبر وسائل الإعلام.
  • لقد عرّفت الشاعرة الإسرائيلية داليا رابيكوفيتش المحرقة بصفتها قنبلة يدوية انفجرت، وكل واحدة وواحد منا يحمل شظية منها: أمّ اختبأت مع طفلتها الرضيعة على مدار 27 ساعة من دون ماء ولا طعام، ترجو لله ألّا تبكي الطفلة كيلا يُفتضح أمرهما؛ عائلات كاملة تم ذبحها؛ الشعور بالعجز في مواجهة قوات متفوقة. إذاً، ليس من المستغرب إطلاق اسم "المحرقة" على ما حدث خلال هذا الأسبوع. فالمحرقة هي تعبير توراتي يعني "قوة طبيعية تسقط على رأسك من دون أن تحضّر نفسك لها. أماكن تحترق، ويتم محوها حرفياً، حماية وحدود كان المرء يظنها آمنة، تنهار." أما تعبير "حدود آوشفيتس" الذي أطلقه آبا إيبان في حرب الأيام الستة، فقد عاد ليظهر من جديد.

......

  • إن مقولات على غرار "إننا نعيش محرقة أُخرى"، أو "ما يحدث لنا هو، ببساطة، محرقة"، تعبّر عن القلق والغضب مما حدث يوم السبت الأسود، وهو لا يعني حقاً أن المحرقة النازية عادت. فنحن الآن نعيش في دولة ذات سيادة، قادرة على حماية نفسها. وروح العطاء والتطوع توحّد الشعب، وهذا يمثل الفارق الحاسم، بين ما حدث في الماضي وما يحدث اليوم، وما حدث هناك، وما يحدث هنا.