إسرائيل تمر في أيام حاسمة والجيش ينتظر الأوامر لتنفيذ العملية البرية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • الانتظار الطويل للعملية البرية في قطاع غزة يوتّر أعصاب الجمهور والجيش والحكومة. التأخير في اليوم الثامن عشر للحرب، والطلب الأميركي بإفساح المجال أمام فرصة ضيقة لصفقة تحرير المخطوفين، تطرح أيضاً التخوف من المزيد من التدهور في مواجهة حزب الله وإيران، كما تطرح شكوكاً في طبيعة المناورة البرية المطلوبة والنتائج التي يمكن تحقيقها. وفي الوقت الذي لا تزال الشرعية الشعبية لعملية برية في غزة، مع ما تتضمنه من خسائر، في ذروتها، في ضوء الهجمات "الإرهابية" المريعة لـ"حماس"، تتفاقم الأزمة بين المستوى السياسي والجيش، وكذلك في داخل الحكومة.
  • فيما يتعلق بقضية المخطوفين، كان هناك أمل كبير في الأمس. لقد جرى إطلاق مخطوفتين متقدمتين في السن، عبر مصر. وبذلك، يرتفع عدد المحرَّرين إلى أربعة. تحاول قطر، بدعم أميركي، بلورة صفقة لإطلاق نحو 50 مخطوفاً آخر، من الذين يحملون جنسيات مزدوجة، إسرائيلية وأجنبية. وفي الوقت عينه، هناك محاولة لتحرير نساء وأطفال إسرائيليين. "حماس" معنية بإطلاق سراح جزئي للمخطوفين، بهدف كسب الوقت وعرقلة الغزو الإسرائيلي. كما تحاول الحركة التنصل (ونأمل عبثاً) من تشبيهها بداعش. لقد قامت إسرائيل، البارحة، بخطوة مهمة عندما عرضت فيديو يوثّق هجوم "حماس" بدقة كبيرة، كما صوّرته كاميرات خوذ "الإرهابيين". عشرات الصحافيين الأجانب الذين شاهدوه خرجوا مصدومين.
  • صفقة جزئية لإطلاق سراح المخطوفين تناسب "حماس" لأنها ستخفف قليلاً من الضغط الدولي عليها. كما أن إسرائيل أيضاً قلقة من الرسالة القاسية التي سترافق عملية إطلاق حمَلة الجنسيات المزدوجة فقط، لأن معنى هذا أن حياة مواطنيها (من دون الحديث عن حياة جنودها المخطوفين) أقل من حياة الذين يحملون جنسيات مزدوجة، وطبعاً، تستغل "حماس" ذلك في حربها النفسية. ومع ذلك، فإن توقعات الجمهور بشأن سماع أخبار إيجابية في هذا المجال كبيرة جداً. من الصعب رؤية كيف يمكن للحكومة رفض مثل هذه الصفقة، إذا جرى التوصل إليها في وقت قريب.
  • انتظار الصفقة أدى إلى تأجيل العملية البرية، لكنها ليست هي السبب الوحيد. اختلاف الآراء بشأن العملية يخلق توتراً بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت. فوزير الدفاع الذي جرى تسريب تأييده لتوجيه ضربة استباقية لحزب الله في نهاية الأسبوع إلى النيويورك تايمز، يتموضع كممثل لليمين الصقري في إدارة الحرب. ونتنياهو غاضب عليه منذ الخلاف بينهما بشأن معالجة الاحتجاج على الانقلاب الدستوري، ويحاول العثور على شخص يحمّله فشل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وهذا ليس جيداً من أجل أداء صحيح للقيادة في أوقات الطوارىء.
  • بحسب المحيطين به، نتنياهو يؤيد العملية البرية، لكن القرار النهائي بشأن موعدها وخطتها لم يُتخذ بعد. ومن المهم، هذه المرة ودائماً، الانتباه إلى الأبواق. منذ أيام، تقوم عدة حسابات على شبكة التواصل الاجتماعي، متعاطفة مع نتنياهو، بحملة تطالب فيها بقصف "غزة التحتية" أي الأنفاق، قبل الدخول البري. والهدف هو الحفاظ على حياة المقاتلين، وفي الواقع، يقوم سلاح الجو بقصف غزة بصورة دراماتيكية جداً، لكن النية الحقيقية هي إفساح المجال أمام نتنياهو لهامش أكبر من المناورة.
  • في جميع المعارك السابقة لإسرائيل في العقود الأخيرة، في الضفة الغربية، أو في قطاع غزة، أو في جنوب لبنان، هناك دائماً فترة من المراوحة. هذه المرة، كان يجب عدم حدوثها.  فالضرر والصدمة اللتان أحدثتهما "حماس" كانا كبيرين، وكذلك حاجة إسرائيل إلى الرد، ولم يكن المطلوب أكثر من فترة زمنية قصيرة من أجل تنظيم خوض عملية برية. هذا لم يجرِ فعلاً، بسبب ضغوط داخلية وخارجية.
  • في هذه المرحلة، وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي يمكنه استغلال بضعة أيام أُخرى من القصف الجوي، قبل المناورة، يبدو أنه ليس هو مَن يؤجل القرار. لقد قال الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، علناً، إن الجيش مستعد للدخول البري، وينتظر الأوامر من الحكومة؛ لكن يبدو أن هذا الكلام لم يأتِ عبثاً. فعلى الجيش والحكومة الأخذ في الاعتبار العواقب المترتبة على نقطة الانطلاق: مئات الآلاف من جنود الاحتياط الذين تجندوا ينتظرون العملية، بينما يعاني الاقتصاد ضرراً خطراً، من المتوقع أن يزداد، وأن يتسبب بمشكلات في الأعوام المقبلة.
  • أمس، قدم مسؤولون كبار في الجيش تقريراً بشأن المستجدات إلى الصحافيين، الهدف منه إرسال رسالة إلى الجمهور، مفادها أن الجيش مع المناورة البرية، ومستعد لتنفيذها. والرسالة موجهة أيضاً إلى آذان نتنياهو نفسه. ملخص رسائل هيئة الأركان العليا هي: لا يوجد أي شبه بين ما يجري حالياً وبين الجولات السابقة، من "الجرف الصامد"، وصولاً إلى "حارس الأسوار". هذه الحرب لا خيار فيها، وهي حرب دفاعاً عن وجود هذا البلد. ومنذ اللحظة التي أُعطيت الأوامر لنا بتدمير القدرات العسكرية والتنظيمية لـ"حماس"، لا يوجد سبيل آخر غير التوغل البري الكثيف. لا شك لدينا في قدرتنا على القيام بهذه المهمة، لكن يتعين على الجمهور أن يعرف أننا سنتكبد خسائر.
  • إلى جانب هذه التصريحات، جرى عرض القدرات الهجومية للجيش الإسرائيلي من الأرض بحذر، فضلاً عن استخدام نيران جوية غير مسبوقة، وإعداد الدخول، بعدها مرافقة القوات من الداخل. ومع ذلك، فإن الظروف معقدة. كما أن تصريحات الوزراء والجنرالات والمعلّقين في الاستديوهات تخلق سقفاً عالياً من التوقعات لدى الجمهور بشأن اقتلاع سلطة "حماس" من غزة. غالانت والضباط يتحدثون عن أشهر من العمل العسكري المتواصل إن لم يكن سنوات.
  • يجري هذا كله، في الوقت الذي ينتظر الجمهور الإسرائيلي انتصاراً عسكرياً. الأداء الفاشل للجيش والأجهزة الاستخباراتية والمفاجأة المطلقة وضُعف الاستعداد على الحدود مع غزة، خلق أزمة ثقة كبيرة لدى المواطنين، ازدادت حدةً بسبب الأداء الفاشل لوزارات الحكومة منذ بدء الحرب، وفشل عملية هجومية على قطاع غزة، يمكن أن يشكل ضربة معنوية كبيرة جداً.
  • تتضمن الخطة الهجومية للعملية، التي يقودها قائد المنطقة الجنوبية العميد في الاحتياط تشيكو تامير، تحركاً كثيفاً وساحقاً للقوات إلى داخل القطاع. في الماضي، تحدّث قادة عسكريون عن حركة طوابير المدرعات وسلاح البر، التي تشبه حركة قافلة من الفيلة التي تقتلع كل ما في طريقها. لكن الجيش يأخذ في حسابه أن مثل هذا الهجوم في داخل منطقة حضرية، سيجعلها مدمرة (في الأمس، جرى الحديث عن دمار نحو 7% من المباني في القطاع بالقصف، وهي في معظمها، في الجزء الشمالي، وتضرّر 42% من الوحدات السكنية هناك).
  • ... في الجبهة الشمالية، القوات الكبيرة للاحتياطيين المنتشرة هناك مضطرة إلى مواجهة تحدٍّ معقد: هي تتلقى الضربات، وترد عليها بنيران المدفعية، وتستعين أحياناً بسلاح الجو، لكنها لا تقوم بعملية هجومية. هذا هو مغزى قرار المجلس الوزاري المصغر والجيش، بأن لبنان الآن هو جبهة ثانوية في القتال، وقطاع غزة هو الساحة الأساسية.
  • لا يزال الجنود الأكبر سناً يتذكرون أيام الحزام الأمني في الجنوب اللبناني، وفترة تلقّي الضربات، ويتذكرون أياماً مخزية. من ناحية أُخرى، هناك أهمية كبيرة لمحاولة عدم إشعال جبهة ثانية يمكن أن تجرّ الشرق الأوسط إلى حرب إقليمية.