الانتقام ليس استراتيجيا، والاجتياح البري يجب أن يكون الملاذ الأخير
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • هذا الانتظار الطويل الذي دام 16 يوماً (حتى تاريخ اليوم، الموافق 22 تشرين الأول/أكتوبر)، الذي يسبق الاجتياح البري المتوقع لغزة، يشير إلى أن المستوى السياسي الإسرائيلي، وبدرجة أقل، دوائر صُنع القرار العسكري، في حالة من التخبط والخوف. التردد مبارك هنا؛ فهو لا يشير إلى الضعف بالضرورة، بل إلى الحكمة والقوة. من الجيد أن إسرائيل لن تسعى لمعركة برية كما يطالب بعض الأبطال المختبئين خلف شاشات الحواسيب، والمحللين الشهيرين في استوديوهات قنوات التلفزة. وقد ورد في إثر ذلك، أن البطل هو الذي يتمكن من الانتصار على رغباته، وهذا يشمل غضبه على المجزرة والوحشية التي أظهرها مقاتلو "حماس" خلال "السبت الأسود"، والبطل أيضاً هو الذي يتمكن من التغلب على رغبته في الانتقام.
  • إن الاجتياح البري، الذي تقول الأغلبية إنه لا مفر منه، والذي يسعى له ضباط الجيش، سيتسبب بسقوط كثير من القتلى، فـ"حماس" محصّنة جيداً في أنفاقها وخنادقها، وهي على أتم الجهوزية للمعركة التي ستتخذ صورة حرب عصابات من باب "اضرب واهرب". وهذا سيضيف إلى عدد ضحايانا الذي فاق الـ 1400 قبل أسبوعين، المئات ممن سيسقطون، في حال قام الجيش باجتياح القطاع.
  • يجب أن نضيف إلى ما تقدم الخوف المتصاعد من انضمام حزب الله إلى المعركة، إذا ما قام الجيش الإسرائيلي باجتياح غزة، وهو ما يهدد بفتح جبهة ثانية على إسرائيل. قد يحدث هذا الأمر، سواء أكان بتوجيهات من طهران، أم بناءً على قرار صادر عن حزب الله نفسه، أو كنتيجة للتصعيد وتدهور الوضع.
  • دخول حزب الله في الحرب، سيؤدي إلى دمار غير مسبوق في الأملاك في جميع أرجاء البلد؛ ضرب محطات توليد الطاقة، والمطارات، والقواعد العسكرية. فالحزب يملك نحو 150 ألف صاروخ، وبحسب السيناريوهات التي أعدّتها قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، فإن هذه الصواريخ قد تتسبب بموت الآلاف من المواطنين في كل زاوية من أراضي إسرائيل.
  • كل هذا، ونحن لم نبدأ حتى بالحديث عن الأضرار الهائلة، والتي بدأت علاماتها تظهر فعلاً على الاقتصاد. لقد طلبت الإدارة الأميركية من الكونغرس المصادقة على رزمة مساعدات متمثلة في مئة مليار دولار، مخصصة، في معظمها، لأوكرانيا، ومن أجل الحؤول دون تسلُّل المهاجرين عبر المكسيك، وبعضها مخصص لإسرائيل. إذا لم يحبط الجمهوريون هذا المقترح، فمن المتوقع أن تتلقى إسرائيل نحو 14.5 مليار دولار. نحو عشرة مليارات من هذا المبلغ مخصص لشراء المعدات العسكرية من مصانع الولايات المتحدة، لإعادة ملء مخازن ذخائر سلاح الجو والصواريخ الاعتراضية. لذا، فإن مساهمة هذا المبلغ في الاقتصاد المحلي، هي مساهمة هامشية.
  • تبلغ المساعدات المدنية التي تقدمها الولايات المتحدة نحو أربعة مليارات ونصف المليار من الدولارات. هذا التبرع بالغ الأهمية، لكنه لن يعيد الاقتصاد إلى نِسب النمو التي سادت قبل الحرب (وهي، بحد ذاتها، لم تكن عالية).
  • بدأ العديد من أرباب العمل، الذين يواجهون المشاكل، بتسريح موظفيهم في إجازات غير مدفوعة الأجر. وحتى قبل الحرب، في الأشهر التسعة التي تمحورت حول محاولة الانقلاب على النظام القضائي الإسرائيلي، الأمر الذي نتناساه الآن، على الرغم من أن هذا الانقلاب كان جزءاً من أسباب الإخفاق الذي أدى إلى هجوم "حماس"، لقد انخفض سعر الشيكل بنسبة 15%. ومنذ "السبت الأسود"، تدهور سعر الشيكل إلى حد بات فيه سعر صرفه في مقابل الدولار 4.05، وهو الانخفاض الأكبر منذ 11 عاماً. إذا قام الجيش باجتياح غزة، فسينخفض سعر الشيكل أكثر في مقابل الدولار واليورو، وسائر العملات، وسيتدهور، بالتالي، الاقتصاد الإسرائيلي.
  • في ظل مثل هذه الظروف، من الأفضل مواصلة استخدام سلاح الجو في تدمير المنظومة العسكرية التابعة لـ"حماس"، والقضاء على زعمائها الكبار والعاملين في وحدات النخبة التابعة للحركة. ففي كل يوم يمرّ في هذه المعركة، ينخفض مخزون صواريخ "حماس".
  • يجب على الجيش الإسرائيلي، بالتعاون مع جهاز الشاباك، بذل جهود فائقة، وأنا أفترض أن هذا يحدث الآن، في محاولة قتل يحيى السنوار، زعيم التنظيم في غزة، إلى جانب "وزير دفاعه" محمد ضيف، الذي نجا من عدد غير قليل من المحاولات الإسرائيلية لاغتياله. يمكننا أن نفترض أن جهاز الموساد يعمل، من دون كلل أيضاً، من أجل الحصول على معلومات استخباراتية دقيقة وموثوق بها من أجل التوصل إلى قيادة "حماس" التي تعيش في نعيم قطر، وقتلها، مثل خالد مشعل وإسماعيل هنية وموسى أبو مرزوق. سيمثل اغتيال هؤلاء ضربة نفسية مؤلمة تحطّ من معنويات التنظيم، المنخفضة أصلاً، إلى قدر كبير، وقد تشكل صورة نصر لإسرائيل.
  • لا داعي للاستعجال. فالجبهة الداخلية الإسرائيلية تبدي صموداً، حتى الآن. ومجنّدو الاحتياط يدركون عظمة المهمة. يجب علينا أن نتحلى بالصبر، وأن نمتلك أعصاباً من فولاذ، فالعجلة من الشيطان، كما يقول العرب.
  • يجب علينا القيام بكل ما يمكننا القيام به للحؤول دون الاجتياح البري. في هذه الأثناء، يمكننا أيضاً بذل كل الجهود الممكنة من أجل التوصل إلى صفقة تبادُل أسرى. ينبغي لنا أن نعض على نواجذنا وكرامتنا، وأن نعترف بأن إسرائيل تعرضت للإذلال، يجب إطلاق سراح "مخربين" من السجن في مقابل إطلاق سراح المخطوفين. يجب السعي لتحقيق تسوية سياسية، تشارك فيها دول الغرب والعالم العربي والسلطة الفلسطينية. ربما تبدو هذه الوسائل غير ممكنة التحقق في هذه الأيام، لكن علينا أن نفعل المستحيل من أجل التوصل إلى النتيجة المرجوة: كسر القوة العسكرية لـ"حماس" ونزع سلاحها، من دون مرحلة الاجتياح البري. يجب أن تكون الحرب دائماً الملاذ الأخير. لا مكان هنا للرعونة والذكورية. والانتقام ليس استراتيجيا، ومن يشير إلى ضرورتها، فهو مستشار سيئ.