الهدف: تدويل جنوبي القطاع
تاريخ المقال
المصدر
- بعد ثلاثة أسابيع وثلاثة أيام، حصلت إسرائيل للمرة الأولى على أخبار جيدة، حقاً جيدة. نفَس عميق وجيد وحر، في قلب الكابوس الذي يرافقنا جميعاً. عملية تحرير الجندية أوري مجيدوش ليست تحولاً في الحرب، أو تطوراً جيو - استراتيجياً مهماً. أهميتها بالأساس إنسانية: إعادة المخطوفة إلى عائلتها. إلا إن ما يضاف إلى هذه الأهمية، رمزية قوة الجيش. الثقة به وبقدراته.
- يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، تلقى المجتمع الإسرائيلي ضربة قاسية. ليس فقط بسبب عدد الإصابات و"الجرائم" التي قامت بها "وحدات الموت" التابعة لحركة "حماس" والفشل الاستخباراتي. بل لأن الشعور الذي سيطر هو أن الجيش فشل - على الرغم من القتال الشجاع- في الوصول إلى البلدات المحاصرة والمحتلة. ولم يمنع سقوط جنوده، أو يعرقل أسر المئات، أغلبيتهم مدنيون. العملية الذكية لتحرير جندية واحدة من غزة ذكّرتنا بأن الجيش الذي نذكره ونعتمد عليه، لا يزال هنا. نهض، ولا يزال يعمل.
- الإسقاطات على "حماس" واضحة. إسرائيل نجحت في الإبقاء على تحرير الجندية سراً. وفي الوقت نفسه، قدّرت أن "حماس" تعلم بعملية الإنقاذ. في جميع الأحوال، شاهدت قيادات التنظيم "الإرهابي" الاحتفالات في إسرائيل، بعد ساعات من إرسال الفيديو الذي تظهر فيه 3 رهينات تتوسلن لتحريرهن (في الوقت الذي كانت فوهات بنادق ’حماس’ في الغرفة). من المؤكد أن "حماس" استخلصت العبرة أنه، ومنذ الآن، يجب تخبئة المخطوفين والمخطوفات بشكل أفضل، وعددهم 238. كان من الصعب ألا يفكر الإنسان في مئات العائلات التي شاهدت الفرحة في بيت عائلة مجيدوش، بعد ليالٍ طويلة من الانتظار والصلاة من أجل لحظة أُخرى كهذه.
- الرسالة من عمليات الجيش يمكن أن تساعد في الدفع بـ"حماس" إلى صفقة. فهي تدرك أن إسرائيل تتحرك في غزة، ومن الممكن أن تخسر بعض أوراق الضغط نتيجة العملية البرية وفقدان السيطرة العملياتية على جزء من المنطقة. الصفقة الجزئية التي تشمل النساء والأطفال، ومن الممكن أيضاً، المواطنين الأجانب، لم تُلغَ على الرغم من أن المفاوضات لم تنضج، بحسب مسؤول إسرائيلي.
- النشرات الإعلامية الدراماتيكية أول أمس، أوضحت أجزاء من صورة القتال في القطاع نفسه. يوجد الجيش الآن في خضم توسيع المناورة البرية. ويعمل بحسب خطة منظمة، ويحاول أن يصل أقل ما يمكن منها إلى الإعلام الإسرائيلي والأجنبي. ويتوقعون في الجيش مقاومة متصاعدة من "المخربين" ومعارك ضارية، ويشددون على أن ما رأيناه ما هو إلا البداية.
- لكي تتحول هذه البداية إلى خطوة جدية، يجب منحها الوقت. والوقت المطلوب لعملية عسكرية هو أشهر. هذا هو سبب رغبة أجهزة الأمن فعلاً في توسيع وصول المساعدات الإنسانية إلى سكان قطاع غزة. الجهات المهنية في إسرائيل تفهم أنه لكي يستطيع الجيش العمل وقتاً طويلاً، سيكون هناك حاجة إلى بناء نوع من أنواع روتين الحياة في جنوبي القطاع، في الأساس في رفح. وفي إطارها، سينفّذ الجيش ضربات محدودة في المنطقة، بالإضافة إلى أنه ستتم معالجة المصابين الذين وصلوا من الشمال في المستشفيات التي تسمح بها إسرائيل ومصر، وسيتم بناء حلول سكنية لمئات الآلاف من الفلسطينيين، التي من شأنها منع كارثة إنسانية.
- الشرعية تساوي الوقت، هذه المعادلة توصلت إليها المؤسسة الأمنية؛ الأميركيون أدّوا دورهم. وبحسب المؤسسة الأمنية، لكي يكون لدى الجيش الوقت والشرعية للعمل، يجب إدخال الأدوية والغذاء والماء؛ آلية دولية بقيادة مصر وأميركا. معنى ذلك تحويل المسؤولية عن جنوبي القطاع إلى منظمات دولية - في الوقت الذي تطرد إسرائيل "حماس" من شمالي القطاع ووسطه. وفي الوقت نفسه، تبذل جهوداً عملياتية ودبلوماسية لإعادة أكبر عدد ممكن من المخطوفين، بأسرع وقت ممكن.
- كي تتم هذه الأمور الجيدة، على الحكومة التغلب على طبيعتها الضارة والمتطرفة. أفضل مثال على ذلك رسالة كتبتها وزارة الاستخبارات والوزيرة غيلا غملئيل و"تسربت"؛ الرسالة تعبّر عن مجموعة مجنونة تريد إقامة المستوطنات في شمالي القطاع من جديد. وتطرح الوثيقة إمكان طرد الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، وهو ما يُعتبر جريمة حرب - ويؤدي إلى نهاية اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر، فضلاً عن انهيار الحلف الإقليمي المعتدل.
- لا أحد يتعامل مع هذه الورقة بجدية في إسرائيل. إلا إن المجتمع الدولي لا يفهم أنه عندما يقال "وزارة الاستخبارات"، فإن الحديث يدور حول "وظيفة لناشطي الليكود". ومنذ نشرها، حصلت الورقة على اهتمام واسع من كارهي إسرائيل، وتم التعامل معها على أنها "خطة منظمة" و"نيات حقيقية" للحكومة. خبراء في القانون الدولي في العالم، أصدروا وجهة نظر بشأن جرائم الحرب التي تخطط لها إسرائيل.
- ولمَ هذا كله؟ بسبب عدم المسؤولية، والشعبوية، ومحاولة اليمين المتطرف تسجيل النقاط. هذا نموذج واحد. هناك أيضاً نموذج بتسلئيل سموتريتش المصمم (وهو لا يزال يحوّل الميزانيات الائتلافية إلى الحريديم) على تفكيك السلطة الفلسطينية، التي تصمد بصعوبة أصلاً، بسبب الضغوط عليها. وهناك أيضاً مَن يحاول صبّ الزيت على نار علاقات العرب واليهود في داخل إسرائيل. بنيامين نتنياهو - الضعيف سياسياً وشخصياً- هو مَن كان يُفترض به أن يكبح هذه المسارات الشعبوية. وهو مشغول، كما هو معروف، بمصلحته الشخصية.
- منع الأخطاء الغبية ضروري الآن جداً، لكي ينجح المجتمع والجيش في تركيز القوات على هزيمة "حماس". إمكان الانجرار إلى حرب في الشمال وحرب إقليمية، لم يتضاءل، بحسب ما تبيّن الأسبوع الماضي.
- في الأمس، لدينا شعاع من النور، لكن يوجد كثير من الظلام الذي يجب علينا تبديده.