في هذه الحرب سيكون على الجيش عكس الانتصار ميدانياً وليس عبر الشعارات الرنانة
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف
  • تلخيص الأسبوع الماضي للحرب الذي تركز في المعركة البرية في قطاع غزة ينضج، والصورة تبدو أوضح: الحرب في غزة تغدو صعبة ومركّبة أكثر. القوات في الميدان تفهم هذا جيداً، وهو ما اتضح خلال الأسبوع الأول من القتال في المدينة.
  • حتى بعد المرحلة الأولى والطويلة التي تركزت على ضرب الأهداف من الجو، وعلى الرغم من الضرر الكبير واغتيال القادة الميدانيين في المستوى المتوسط - قادة كتائب وقادة ميدانيون آخرون مسؤولون في مجال الصواريخ المضادة للدروع وإطلاق القذائف - فإن "حماس" لا تزال تنظيماً عسكرياً فاعلاً، وبعيداً عن الانهيار.
  • الجيش يركز الآن كل الجهود في المعركة على مدينة غزة ذاتها. المعركة على غزة لا تنحصر في الجهد المهم للكتائب والألوية للوصول إلى إنجازات عملياتية حقيقية، كجزء من الوقوف على الأهداف التي عرّفها الجيش - هزيمة "حماس"، عسكرياً وسلطوياً، والعمل على إعادة المخطوفين إلى البيت - الحرب على غزة هي أيضاً حرب على الرمز. ومن المتوقع أن تكون صعبة، وأن تجعلنا ندفع أثماناً ثقيلة. علينا دائماً إعادة تقييم التوقعات، كجزء من الحصانة القومية التي نحتاج إليها في هذه الأيام.
  • أغلبية قوات "حماس" في خط الدفاع الأول انسحبت لكي تتجهز في المناطق السكنية ذات الكثافة العالية، التي لا يزال يوجد فيها مدنيون تستغلهم "حماس". قوة وحجم القوات التي دخلت إلى القطاع - وقبل ذلك قوة الضربات الجوية المسبقة، كان الهدف منها خدمة بدء المناولة - سرّعت في انسحاب خط الدفاع الأول لـ"حماس". في الأيام الأولى، دخل الجيش بصورة جيدة إلى المناورة البرية، ووصل بسرعة نسبية إلى أبواب غزة.
  • إلا إن انسحاب كتائب الجبهة التابعة لـ"حماس" من شمالي القطاع، ومئات "المخربين" الذين قتلهم الجيش، لا يُعتبران بمثابة رفع راية بيضاء من طرف "التنظيم الإرهابي". الحديث يدور عن تحدٍّ لمقاتلي الجيش الذين يثبتون حتى اليوم أنهم شجعان بشكل استثنائي - وهذا بدأ من قصص البطولة في بداية الحرب، ويستمر الآن في داخل غزة.
  • يوجد لدى الجيش كتائب وألوية تعرف جيداً كيف تقاتل في المعركة. مهمات القوات واضحة، ويبدو أنه يوجد كثير من المجالات التي استخلصوا العبر منها سابقاً. خلال جولة هذا الأسبوع في بعض مراكز القتال المتقدمة للقوات المناوِرة، يمكن القول إن الحديث كان يدور عن إدارة جيدة للمعركة في الميدان وخبرة كبيرة لدى ضباط الاحتياط الذين يديرون فعلاً غرف العمليات المتقدمة للألوية والكتائب. أصحاب الخبرة يعرفون جيداً أنه عندما يستعمل الجيش قدرات تكنولوجية كبيرة في الحرب، ويحسّن التعاون ما بين القوات المناوِرة وسلاح الجو، فهذا لا يكفي. ومع كامل الاحترام لهذا كله - فإن مستوى المهنية الذي برز لدى القوات في الميدان خلال أغلب وقت المعركة على صعيد روح القتال، هو ما سيحسم حتى في المعارك التي تبدأ بمفاجأة العدو، وبضربة موجعة منه، كما جرى ليلة أمس في  المعركة التي قُتل فيها ضابط الكتيبة 53، سلمان حبقة، البالغ من العمر 33 عاماً.
  • يجب التعامل مع "حماس" كـ"تنظيم "إرهابي" نفّذ جرائم حرب صعبة، وأن الناشطين في الحركة "مخربون". لكن على الجيش أيضاً الاعتراف بأن الحديث يدور عن تنظيم يقاتل في حرب شوارع، لديه قدرات عسكرية، ويعرف كيف يعمل في أطر كبيرة ومنظمة ونظريات قتالية، ولديه ممارسات منتظمة ومقاتلون مدرَّبون.
  • يقول ضباط شاركوا في جزء من القتال إن هناك ممارسات منتظمة تكرر نفسها في المعركة من "حماس" التي تخرج من داخل منظوماتها الدفاعية وفتحات الأنفاق وتحاول مهاجمة قوات الجيش. يبدأ أولاً بإطلاق مسيّرة انتحارية، وبعد ذلك إطلاق كثيف للقذائف على القوات، ثم إطلاق صاروخ مضاد للدروع، وخروج من فتحات الأنفاق - في محاولة لنصب أفخاخ لقوات الجيش.
  • ما حدث أمس خلال القتال مع الكتيبة 13 التابعة للواء "غولاني" يشير إلى طريقة القتال ميدانياً. ففي إطار القتال، شخّصت "حماس" كما يبدو، نقطة ضعف لدينا في الميدان - قوة تابعة لـ"غولاني" كانت في حالة انتظار الأوامر للاستمرار. وبعد إرسال طائرات مسيّرة انتحارية وإطلاق قذائف وصواريخ مضادة للدروع على القوة، خرج عشرات "المخربين" من داخل الأنفاق، وفتحوا معركة مباشرة من مسافة صفر. استمرت المعركة بضع ساعات، ووصل الدعم والمساندة والإنقاذ لقواتنا. وفي السطر الأخير، انتهت المعركة بأكثر من 10 قتلى من "المخربين"، والكثير من التقدير لمقاتلينا في معركة كانت افتتاحيتها سيئة لقواتنا، وانتهت بنصر مهم في الميدان في مقابل إطار منظم تابع لـ"حماس" في منطقة تحت مسؤوليتها.
  • لكن وصف هذه المعركة يشير جيداً إلى حقيقة أنه لو لم يحالفنا الحظ، لكانت ستنتهي بشكل مختلف كلياً، إذ كان سيقوم جزء من "مخربي حماس" بالوصول إلى مدرعات القوة. وحتى لو كان هناك بعض الإصابات، فإن النتيجة واضحة، و"المخربون" قُتلوا - أو هربوا.
  • في جميع الأحوال، من الواضح أن قوات الجيش تتعامل مع عدو منظّم ينوي الاستمرار في القتال، حتى لو كان تحت ضغط عسكري وقصف جوي منذ شهر تقريباً. لا شك في أن الطريق إلى مركز عصب "حماس" في مدينة غزة ستمر بكثير من منظومات الدفاع المنظمة، وعدو من غير المتوقع أن يستسلم أمام قوات الجيش، وسلوكه في الميدان يعكس سنوات طويلة من التجهيز.

استخلاص العبر

  • البشرى السارة هي أن الأغلبية المطلقة من الاشتباكات في الميدان تنتهي بنتيجة واضحة لمصلحة قواتنا. الخبر السيئ هو أنه في هذا النوع من القتال، سيكون أمامنا كثير من الأحداث الصعبة والأخطاء وحالات الفشل، وكثير من الإصابات. لذلك، من المهم جداً استخلاص العبر ونشرها للقوات، وملاءمة الخطط القتالية.
  • في جميع المحادثات التي أجريتها مع الضباط، هم يكررون الحديث نفسه، أن "المخربين" يستعملون شبكة الأنفاق التابعة لـ"حماس" بشكل واسع. يحاول "المخربون" إلحاق الضرر بقوات الجيش عندما يخرجون من داخل الفتحات، مع تغطية يحصلون عليها من المناطق السكانية، ومن "مخربين" يتمركزون في البنايات، ومن هناك يحاولون قنص القوات.
  • المدينة السفلى لغزة حية وموجودة. ولاحقاً، سننشغل بإسقاطات ضرب "مترو الأنفاق" خلال "حارس الأسوار" في سنة 2021، بنظرة إلى الحرب الحالية. النقاش في سؤال عمّا إذا كان تفعيل الخطة بشكل مهمل هو عبارة عن تضييع أداة مهمة في الحرب الحالية بسبب عدد القتلى القليل لـ"حماس"، هو سؤال هامشي. في الجيش ادّعوا أنه على عكس ما نُشر في "معاريف"، على الرغم من أن عدد "المخربين" الذين قُتلوا في العملية كان منخفضاً، فإن القيمة الاستراتيجية لتفعيل الخطة كان لها إسقاطات كبيرة، وستؤثر في صورة القتال لدى "حماس" في السنوات القريبة.
  • أمام الواقع الموجود الآن في الميدان، فإنه من الواضح أن هذا كان خطأ. الجيش أضاع كمية رهيبة من الأسلحة خلال ضرب الأنفاق الفارغة. الادّعاء، حينها، كان أن ضرراً كبيراً لحِق بـ"مترو الأنفاق"، وقال الضباط الكبار في الجيش إن الضربة ستؤدي إلى تغيير في الوعي لدى "حماس"، وأنها ستتخوف من تفعيل هذا المشروع الذي استثمرت فيه كثيراً من الأموال. لقد اعتقدوا أن التخوف من أن تتحول الأنفاق إلى مصيدة موت في المعركة المقبلة، سيدفع بناشطي "حماس" إلى التنازل عن القتال داخل البنية التحت - أرضية. هذا ما شرحه بجدية ضباط كبار جداً في الجيش على أنه المنطق وراء تفعيل خطة "المترو"، بعد الانتقادات التي طرحناها في هذا المجال.
  • بعد اغتيالات جرت بالتزامن مع حملة "حارس الأسوار"، واستهدفت مسؤولين كباراً كانوا في الأنفاق، قال رئيس هيئة الأركان، حينها، أفيف كوخافي، إن القدرة على إصابة "المخربين" خلال وجودهم في داخل الأنفاق انكشفت، ولذلك، كان من الصواب تنفيذ الحملة لتدمير "مترو الأنفاق". أما قائد سلاح الجو خلال الحملة، الجنرال عميرام نوركين، فكان تقريباً الصوت الوحيد في هيئة الأركان الذي قال إنه لا يجب استعمال أداة استراتيجية تم بناؤها على مدار 5 أعوام بهذه السهولة، وأنه لا يجب استعمال هذه الأداة، بحسب ما نشرناه في "معاريف".
  • وعلى الرغم من هذا كله، فإن الحملة خرجت إلى حيز التنفيذ، وكان يمكن عدّ "المخربين" القتلى على أصابع اليد الواحدة. أما الجيش، فسوّق للحملة بشكل مبالغ فيه، وبحملة علاقات عامة، وصور ضرب "مترو الأنفاق" كحملة ناجحة. هذا، بدلاً من الاعتراف بالخطأ خلال اتخاذ القرار وإجراء الحسابات.
  • المشكلة الأساسية تنبع من أن قيادة الجيش تمسكت بالرؤية الخاصة بها. وبدلاً من الاعتراف بالخطأ، رأوا في الجيش أن تفعيل خطة "المترو" كان نجاحاً مذهلاً. مَن كان يؤمن بأنه نزع عن "حماس" قدرة المناورة في الأنفاق بسبب التخوف من أن تتحول إلى مصيدة موت، يمكن أيضاً أن يجهز الجيش بشكل أقل كفاءة ليوم صدور الأوامر بالتعامل مع تهديد الأنفاق في غزة.
  • حالياً، ما يمكن فهمه أنه فقط بعد تبديل قائد هيئة الأركان، ومع تسلّم هرتسي هليفي المنصب، تم تغيير طريقة العمل، وبات هناك شكوك فعلية في حجم الضرر الذي لحِق بالأنفاق خلال ضرب "المترو". المواد الاستخباراتية أيضاً قالت إن "حماس" منشغلة بترميم الأنفاق الخاصة بها وتنوي استعمالها.
  • كفاءة المقاتلين في المعركة في مقابل الأنفاق، هي أحد الامتحانات المركزية للجيش في هذه المعركة. في هذه المرحلة على الأقل، واستناداً إلى الأخبار من الميدان، يبدو أنه إلى جانب هذا التحدي، يوجد لدى القوات العسكرية قدرات وأدوات أكثر للتعامل مع التهديد مما كان سابقاً. في الجيش، هناك مَن يقول إنهم دربوا القوات على القتال في غزة مع تهديد الأنفاق، وفي مناطق آهلة.
  • حتى هذه النقطة، يجب القول إن الجنود في الميدان يتعاملون مع القتال المركّب في منطقة آهلة بشكل لافت، حيث يقوم "المخربون" باستعمال شبكة "المترو". ويضيفون أنه خلال الحملة، تم إلحاق الضرر بالأنفاق وقتل الكثير من "المخربين" تحت الأرض. وحدة "يهالوم" التابعة لسلاح الهندسة، وصلت جاهزةً للتعامل مع الأنفاق، وتحصل على كثير من الإطراءات على عملها. يبدو أن هذه الوحدة لم تقتنع فعلاً برؤية هيئة الأركان خلال حملة "حارس الأسوار"، وبحسبها، ضرب "المترو" غيّر طريقة قتال "حماس" في قطاع غزة، جذرياً.
  • قضية الهجوم على "المترو" خلال "حارس الأسوار"، يمكن أن تكون قضية مركزية سيتم نقاشها في اليوم التالي. على الإعلام أيضاً أن يستخلص العبر لأنه كان شريكاً، من دون قصد، في الرؤية الخاطئة بشأن نجاح "عملية المترو". السبب المركزي وراء انشغالنا بهذه الرؤية هو خطورتها. فمن كان يؤمن بأنه قام بحل مشكلة الأنفاق، لم يكن عليه أن يدرب الجنود أيضاً.
  • في هذه الحرب، تفصيل الإنجازات وضجيج العلاقات العامة لن يكون كافياً. يجب على الجيش أن يُظهر انتصاراً في الميدان، بدلاً من المقولات الرنانة. حالياً، الخط الذي يتبناه الجيش أكثر تواضعاً بكثير، وهذا نابع من أن القتال الطويل المتوقع سيكون صعباً، وخلال أيام ليست جيدة. على الجمهور أيضاً أن يكون لديه المزيد من الحصانة والفهم أن الحرب على غزة لن تنتهي بنتيجة 0-100، وأنه يجب هزيمة "حماس" على الأرض، وليس عبر الإقناع الذاتي بالإنجازات، كما حدث في "حارس الأسوار".

ماذا ينتظر الشمال؟

  • خلال نهاية الأسبوع، العيون ستتجه شمالاً. في أجهزة الأمن يعتقدون أنه كان لدى حزب الله الكثير من الفرص للانضمام إلى المعركة ضد إسرائيل. حتى الآن، الدفاع في قيادة الشمال جاهز. وعلى الرغم من عدوانية حزب الله، فإنه لا يزال يتلقى ضربات ليست بسيطة في مجال اغتيال خلايا إطلاق الصواريخ المضادة للدروع واستغلال الفرص من طرف سلاح الجو لاستعادة حرية الحركة الجوية التي لحق بها الكثير من الضرر خلال الأعوام الماضية.
  • وعلى الرغم من ذلك، فإن الضغط من "حماس" على شركائها في المحور الإيراني لانضمام أكثر جدية، وتحركات الميليشيات في المنطقة، يعززان عدم الوضوح بشأن سياسة حزب الله. لذلك، على إسرائيل أن تتجهز جيداً لإمكان التصعيد الجدي أكثر في الجبهة الشمالية. التصعيد، وفي حال تطور إلى حرب، سيحول جبهة القتال المركزية لإسرائيل.