مقابلة - إسرائيل تتوتر، وتتخلى عن إحدى أهم مصالحها في الحرب
تاريخ المقال
المصدر
- بعد مرور نحو شهرين على اندلاع الحرب، يبدو أن إسرائيل تقترب من نقطة الحسم في خانيونس خصوصاً، وفي قطاع غزة بأسره عموماً. ما الذي على إسرائيل فعله في هذه النقطة من الزمن؟
- آيلاند: علينا، في هذا الشأن، أن نتطرق إلى 3 ثوابت زمنية: اللحظة الراهنة، واليوم الذي يتلو الحرب، وإلى اليومين التاليَين للحرب. التمييز مهم هنا، لأنه يمثل جزءاً من الارتباك السائد بيننا وبين الأميركيين، عندما يتعلق الأمر بالمخططات المستقبلية.
- هذه الحرب طويلة وصعبة، وقد كان هذا متوقعاً. هناك أمل بأن يكون الجيش الإسرائيلي تقدّم إلى خانيونس، وهي المعقل الأساسي لحركة "حماس" في جنوب قطاع غزة، بحيث يؤدي تحقيق نجاح عسكري هناك إلى تلافي الحاجة إلى القتال، لاحقاً، في رفح، أو مخيمات وسط قطاع غزة، لكن طبعاً، لا أحد يمكنه ضمان حدوث ذلك. علينا أن نتذكر التالي: لقد مرّ شهران، ولم نتمكن بعد من إنهاء الحرب في شمال قطاع غزة. إن جزءاً كبيراً من قتلى الجيش الإسرائيلي الذين سقطوا خلال الأيام الماضية، سقطوا في شمال قطاع غزة، في معارك لا تزال دائرة هناك. الجانب العسكري من المعارك يُدار كما ينبغي للمعارك الطاحنة أن تدار، وليس هناك ما يدعو إلى الاستغراب في هذا الشأن.
- على الرغم من هذا، فإن إسرائيل تواجه مشكلة استراتيجية. إذ تأمل بأن يحدث انهيار حركة "حماس" من خلال تراكُم الإنجازات العسكرية الإسرائيلية، بمعنى: علينا قتل مزيد ومزيد من "المخربين"، وتدمير مزيد ومزيد من الذخائر، والقضاء على مزيد من المعدات، وهكذا يمكننا تحقيق أثر تراكمي كمّي يؤدي إلى نتيجة استراتيجية تفقد حركة "حماس" فيها قدرتها على السيطرة. صحيح أن هذه الطريقة ممكنة التحقق، لكن المشكلة هي أن هذه الطريق طويلة جداً، كما أنها باهظة التكلفة، سواء من ناحية أرواح جنودنا، أو من نواحٍ أُخرى.
- فما هي الطريقة الصحيحة هنا إذاً؟ علينا، بادئاً ذي بدء، أن ننظر إلى الوضع كما هو. هناك توصيف للحالة، وهو منفصل عن الواقع، مفاده بأن المعركة الدائرة بين إسرائيل وحركة "حماس" في قطاع غزة علق فيها مليونا فلسطيني غير مذنبين، يجب علينا الاهتمام بهم والالتزام بألا يحدث لهم أي سوء. طبعاً، هذه المقولة لا علاقة بينها وبين الواقع.
- إن إسرائيل تحارب دولة، وقطاع غزة يتصرف كما لو كان دولة شديدة التماسك... ففي السابع من تشرين الأول/أكتوبر المواطنون الأبرياء، والنساء المساكين في قطاع غزة، هم أمهات وأخوات وزوجات "القتَلة" التابعين لحركة "حماس". كان يكفينا أن نرى الفرحة على وجوههن، وهتافات التشجيع الفظيعة التي أطلقها كثيرون في الشوارع، بمن فيهم النساء...
- إذاً، لا، هؤلاء ليسوا مدنيين مساكين. من ناحية تاريخية، وإذا ألقينا نظرة عبر الزمن إلى تاريخ الحروب، فنرى أن على الشعوب تحمُّل قرارات زعمائها. لقد قررت قيادة الغزيين خوض عملية عسكرية، وهذا أمر يترتب عليه ثمن باهظ جداً يجب على السكان أيضاً دفعه.
- منذ البداية، كان هدف إسقاط حركة "حماس" يتطلب تشغيل ذراعين إسرائيليتين، وليس واحدة. الأولى هي الذراع العسكرية، وكما نرى جميعاً، فإنها تعمل بكامل قوتها. أما الذراع الثانية، فهي الذراع المدنية. دعونا نتساءل: ما هي نقطة ضعف قطاع غزة؟ إنها عدم توفُّر الموارد إطلاقاً. لا يفتقر قطاع غزة إلى طعام يزرعه هو، أو غاز خاص به، أو وقود خاصة به، لا توجد في قطاع غزة مياه خاصة به. كل شيء في قطاع غزة يأتي من الخارج، وهذه هي نقطة ضُعف القطاع وحركة "حماس". الطريقة الأصح والأنجع لتقويض منظومة الخصم تتمثل في عدم السماح بإدخال هذه المواد إلى القطاع.
- إن تساءلنا عمّا يحدث في إسرائيل اليوم، فإن الإجابة هي أن هناك مَن يضغط علينا. إن حركة "حماس" معنية جداً بدخول الإمدادات إلى قطاع غزة. لقد أصرّت الحركة في اتفاقية إطلاق المخطوفين على 3 أمور: وقف إطلاق النار، السجناء الفلسطينيون، والإمدادات التي لم تصل إلى حركة "حماس" قبل الاتفاقية. بعد جولات التبادل، تقوم "حماس" بخرق الاتفاقية، لكن إسرائيل تواصل السماح بإدخال الإمدادات. إن الضغوط الممارَسة على إسرائيل تعمل على هذا النحو: ترغب حركة "حماس" في دخول الإمدادات، فتتوجه إلى الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، وهي منظمة فلسطينية 100%، وتعمل في خدمة "حماس"، باسم الأمم المتحدة. يتلقى هؤلاء الطلب، ويقومون بتحويله إلى الأميركيين. تتوتر الإدارة الأميركية، فتقوم بتوتيرنا. ما من سبب في العالم يدعونا إلى الاستجابة لهذا المطلب.
- لو تصرّفت إسرائيل كما ينبغي لدولة تحت الحرب أن تتصرف، وقامت بمنع إدخال أي إمدادات إلى القطاع، فما الذي سيحدث؟ ما من شيء يتسبب بمزيد من الضغط والخوف على القيادة أكثر من عشرات، أو مئات الآلاف، من الجياع في الشوارع، وقد بدأنا نرى بعض ملامح هذا المشهد في قطاع غزة، إذ إن القطاع يشهد ضائقة على الرغم من كل شيء. هذه الضائقة هي إشارات بسيطة إلى وجود تذمُّر شعبي من حركة "حماس". كان يجب أن يكون هذا التذمر أكثر اتساعاً. في الحالة الراهنة، حيث لا وجود لعناصر حركة "حماس" فوق الأرض، بسبب وجود الجيش الإسرائيلي هناك، بل في الأنفاق، فإن هذا يجعل "حماس" تفقد، بصورة طبيعية، جزءاً من سيطرتها على الناس، وعلينا أن نعرف كيف نستغل هذه الحالة من أجل خلق ضغط حقيقي على حركة "حماس". لكننا لا نقوم بهذا الأمر.
- تخوض إسرائيل اليوم أيضاً معركة لكي تكسب مزيداً من الوقت الذي يتيح لها تحقيق جميع الأهداف التي حددتها لنفسها. ومن أجل الحصول على الوقت، يبدو أن على إسرائيل السماح بإدخال الإمدادات والوقود، كرمى للأميركيين. ومن أجل الحصول على شرعية من الأميركيين، يجب زيادة المساعدات الإنسانية.
- هذه الأسطورة المتعلقة بوجود ضغط أميركي هي أسطورة مألوفة، لكن لا أساس لها من الصحة. المسألة هنا هي ما إذا كانت إسرائيل تقبل، منذ اليوم الأول من الحرب، السردية الأميركية الخاطئة التي تقول أنه يجب التمييز بين "حماس" وبين المدنيين الطيبين في قطاع غزة. كان يجب علينا مسبقاً عدم الموافقة على هذا المبدأ. فعلى مدار السنوات السابقة، خاضت إسرائيل مواجهات صعبة جداً بين رؤساء حكومة إسرائيليين ورؤساء أميركيين: رابين في مواجهة فورد؛ بيغن في مواجهة ريغان؛ شامير في مواجهة بوش الأب؛ فضلاً عن غولدا مائير في مواجهة نيكسون. أمّا الحالة التي نعيشها اليوم، فهي أن رئيس الحكومة الإسرائيلي يهمه جداً أن يُظهر أنه منسجم مع رئيس الولايات المتحدة، على الرغم من أن بايدن نفسه لا يحب نتنياهو، ولا يصدقه.
- يتعين علينا أيضاً أن نوضح التالي: إن المساعدات الأميركية التي تُرسَل إلينا اليوم ليست مساعدات غير مسبوقة كما يدّعي البعض، وخصوصاً مقارنةً بما حصلنا عليه في حرب يوم الغفران [حرب أكتوبر 73]. لم توقف الولايات المتحدة قط، ولن توقف، مساعداتها العسكرية لإسرائيل. لقد قامت الولايات المتحدة بتمرير المساعدات لإسرائيل حتى خلال حرب لبنان الأولى، عندما كانت المواجهة أخطر بكثير. إن وقف المساعدات الأميركية لإسرائيل لم يحدث، ولن يحدث قط، نتيجة اعتبارات أميركية خاصة.
- الوضع الآن هو كالتالي: لقد توقفت جولات إطلاق المخطوفين بسبب الخروقات التي اقترفتها حركة "حماس"، بينما يطلب الأميركيون منا، بوقاحة، مواصلة توفير ما طلبته حركة "حماس" في الاتفاقية. ما نحن بصدده الآن، مسألة شديدة البساطة: ما الذي يمكنه أن يوتّر "حماس" أكثر، وربما يقربنا من استعادة المخطوفين، هل عندما يكون لدى "حماس" إمدادات وفيرة، ووقود وفير، ومدنيون هادئون؟ أم الحالة التي تعاني فيها حركة "حماس" ضائقة في هذا الشأن؟ ما الذي سيوتّر "حماس" أكثر؟
- هناك مسألة إنسانية واحدة، ولا يوجد غيرها: المواطنون والمواطنات الإسرائيليون والإسرائيليات المخطوفون في قطاع غزة، بعضهم يتعرض هناك لتعذيب، لا بل أكثر. هذه هي المشكلة الإنسانية الحقيقية الوحيدة لدى إسرائيل. في هذا الشأن، ترمي إسرائيل مصلحتها في سلة القمامة. وعندما يعودون إلى التذكير بمسألة الوقت: فلو كانت الدولة تعمل، كما قلت قبل قليل، لكانت هذه الحرب انتهت منذ وقت.