نقطة تحوّل إسرائيلية – عودة إلى التفكير بصورة مستقلة
تاريخ المقال
المصدر
- ذات مرة، ذكرت دراسة علمية معروفة بأنه عندما يجلس إنسان في غرفة انتظار، ويرى دخاناً يتصاعد، ينهض بسرعة من مكانه، فيجمع أغراضه، ويسارع إلى الابتعاد عن الموقع. في المقابل، عندما يجلس إلى جانب هذا الشخص أشخاصٌ آخرون يتجاهلون الدخان، فإنه سيواصل هو الآخر، المرة تلو الأُخرى، الجلوس براحة نسبية، متجاهلاً الخطر. يقف خلف هذا السلوك الغريب ما يُطلق عليه، سيكولوجياً، اسم "الجهل الجمعي"، والذي يعني أن سلوك المجتمع المحيط بنا يؤثر فينا بصورة سيئة في كثير من الأحيان. وهكذا، نتحول إلى "جهَلة" بسبب المعتقدات الاجتماعية الخاطئة.
- يتميز "الجهل الجمعي" بثلاث سمات أساسية: عدم تطابُق سلوك الشخص مع مشاعره، فهو يخشى، إذا ما كشف عن موقفه الحقيقي، أن يشعر بالحرج، وهو مقتنع بأن "الآخرين" يعرفون أمراً لا يعرفه هو، على ما يبدو، أو بأنهم يعرفون الوضع أفضل منه، ولذا، فهم لا يتصرفون بصورة تتوافق مع ما يشعر بأنه يجب القيام به فعلاً.
- لقد عمل اليمين الإسرائيلي، على مدار سنوات عديدة، بموجب هذا "الجهل الجمعي". حدث هذا، المرة تلو الأُخرى، حتى عندما كان هذا اليمين ممسكاً بصولجان القيادة، بل حدث هذا عندما حاول التعبير عن احتجاجه، ليواجه ثلة من الخبراء الذين أيدوا، بالإجماع، تشكيلة من المواقف التي كانت تبدو لليمين شديدة الغرابة، بوحي من حاسته الطبيعية: لقد أيّد هؤلاء اتفاقيات أدخلت "الإرهابيين" إلى إسرائيل، وادّعوا أن منح هؤلاء "الإرهابيين" سلاحاً سيساهم في حفظ الأمن. وادّعى هؤلاء الخبراء، بالإجماع، أن "الانسحاب من قطاع غزة يصب في مصلحة البلد"، ولاحقاً، واصلوا التوضيح أن تعزيز "حماس" يساعدنا في الحفاظ على الهدوء.
- لم يكن أيٌّ من هذه الأفكار مناسباً لنا، كيَمين. لقد شعرنا بأنها غير صحيحة، وبأنها تعرّضنا للخطر، ويجب عدم الموافقة عليها. لكن الموقف القاطع لجميع الجهات الأمنية، والجهات السياسية الرفيعة المستوى التي انضمت إليها والإعلام الذي قال إن أي تفكير آخر مختلف هو بمثابة هذيان، انتصرت، المرة تلو الأُخرى.
- لكن هذا الأمر انتهى الآن، مرة واحدة وإلى الأبد! لقد استيقظ الشعب. لقد أدرك الشعب أن هذا الجهل أوصلنا إلى حالنا الراهنة. لقد تعلّمنا، ودفعنا الثمن بأصعب الطرق المحتملة؛ إن ما نشعر به، بغرائزنا الصحيحة، لا يقل صحةً عن تقديرات "الخبراء". لا أعني هنا أن علينا الاستخفاف بهؤلاء، لا سمح الله، فهم أشخاص أذكياء، ومخلصون للدولة وأمنها، ومن المهم الاستماع إلى وجهات نظرهم، لكن علينا أن نواجه تفكير هؤلاء بوجهات نظر إضافية تعارضها، لأنه في الأماكن التي أتى منها هؤلاء وجهات نظرنا هذه، أقل قبولاً.
البدء بتعلم دروس الحرب
- دار نقاش هذا الأسبوع في صفوف الحكومة بشأن إدخال عمال فلسطينيين إلى إسرائيل، قدّم خلاله كلٌّ من الجيش وجهاز الشاباك موقفاً موحداً داعماً للسماح لهؤلاء العمال بالدخول، شاركهم في هذا الموقف رئيس الحكومة ووزير الدفاع. لقد أوضح هؤلاء أيضاً أن الأمر سيساعدنا في ظل الوضع الراهن. هذا ما جرى أيضاً في مسألة تحويل أموال المقاصّة من إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية. لقد عُقدت المداولات في صفوف الحكومة، وتم الاستماع إلى جميع الآراء، ولأن أغلبية الوزراء عارضت هاتين الخطوتين، لم يتم إجراء تصويت، وبالتالي، لم تُتّخَذ قرارات في هذا الشأن.
- ما حدث، هو أمر غير مسبوق، يدل على أن ما كان في السابق، لن يكون في المستقبل. كفى للجهل الجمعي. ها نحن نعود إلى التفكير باستقلالية، وإلى المنطق السليم: في وقت الحرب، علينا أن نحارب!
- يشكّل هذا التصويت نقطة تحوّل إسرائيلية، وهي نقطة تثبت أن العبر المستفادة من الحرب بدأت بالتغلغل في نفوسنا. بات المستوى السياسي يدرك أن عليه التفكير بصورة مستقلة، والاستماع إلى توصيات الجيش وقوات الأمن بإمعان وتمحيص، ومع ذلك، فإن القرار النهائي يجب أن يبقى في يد القيادة السياسية. علينا أن ندرك أننا نعيش في دولة لديها جيش، وليس جيشاً لديه دولة، وعلى هذا النحو فقط، أي بفضل التنوع في التفكير من أطراف متعددة، تفكر معاً بالطريقة الصحيحة للتصرف في أي موقف، سنحقق النصر. نعم. هكذا، معاً، سنحقق النصر.