سبب انهيارنا من الداخل
تاريخ المقال
المواضيع
فصول من كتاب دليل اسرائيل
مهند مصطفى
أسامة حلبي, موسى أبو رمضان
أنطوان شلحت
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- "إن إسرائيل هذه التي تملك سلاحاً نووياً ومقاتلات جوية هي الأقوى في الإقليم؛ واللهِ، إنها أوهن من بيت العنكبوت". هذا ما قاله الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطابه الشهير بـ"خطاب بيت العنكبوت" في سنة 2000. لقد توقّع نصر الله في خطابه انهيار إسرائيل من الداخل، نتيجة تفكُّكها المجتمعي. وبحسب نصر الله، فإننا مجتمع من المهاجرين المتنازعين والمتحاربين، نفتقر إلى الوحدة اللازمة لكي ننتصر في المواجهات الإقليمية؛ الإسرائيليون مدللون، وحسّاسون للخسائر في الأرواح، وهم غير مستعدين للقتال والتضحية بحياتهم من أجل حماية مصالحهم القومية.
- من الصعب أن نضع إصبعنا على اليوم الذي بدأ فيه الانهيار الداخلي الإسرائيلي. أعتقد أن الإجابة عن مثل هذا السؤال تتعلق بمنظور المرء السياسي. سيقول البعض إن اغتيال رابين ونهجه السياسي، نهج السلام، يمثل نقطة الانهيار هذه، في حين سيقول آخرون إن توقيع معاهدات أوسلو يمثل هذه النقطة. في المقابل، سيسعى آخرون للإشارة إلى حرب الأيام الستة واحتلال المناطق، بصفتها نصراً باهظ الثمن (بما إن "الاحتلال يخلق الفساد"، ولذا، فإن إسرائيل تنهار). وهناك أيضاً مَن يؤمنون بأن سنة 1948 (وجرائم النكبة) هي أم الخطايا كلها (المشروع الصهيوني مشروع نهب استعماري، إلخ). ومهما يكن من أمر، فإن انهيار إسرائيل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقضية الفلسطينية.
- مهما كانت الأرض التي نقف عليها، فمن الصعب أن نتجادل في حقيقة أن إسرائيل، وعلى وجه الخصوص منذ سنة 2018، تعيش حالة انهيار داخلي متسارعة: قانون القومية، خمس دورات انتخابية في أقل من أربعة أعوام، انطلاق الجنّي الفئوي من قمقمه، تبلوُر الحركة الداعمة لنتنياهو، احتجاجات شارع بلفور [الاحتجاجات أمام مقر رئيس الوزراء]، تطبيع الحركة الكاهانية، تعزُّز قوة المستوطنين وانتشار الصهيونية الدينية، الإصلاحات القضائية (أو لنقُل، الانقلاب على نظام الحكم)، والنضال المدني ضدها، حركة "إخوة في السلاح" الاحتجاجية [منظمة أسّسها ضباط احتياط إسرائيليون في إطار الاحتجاجات المناهضة لـ"الإصلاحات القضائية" التي بادرت إليها حكومة نتنياهو]، التهديدات برفض الأوامر العسكرية، وجود قيادة معزولة عن شعبها، وتقوده نحو الكارثة، وغيرها.
- في ظل نبوءة نصر الله المرعبة، الآنفة الذكر، وفي ضوء انهيارنا الداخلي المستمر منذ أعوام، هناك ما يرفع روحنا المعنوية، وهو كامن في الروح القتالية والتضحية التي يبديها مقاتلونا وضباطهم في غزة. ها نحن نرى إسرائيليين مستعدين للقتال وغير مدللين. من السهل أيضاً أن نتماهى مع الحاجة العامة إلى إبراز الوحدة في صفوفنا، وإدراك الجهد المبذول لرفع الروح القتالية. لا يتحقق هذا كلّه، فحسب، كردّ على خطاب نصر الله، بل إنه يتحقق من حيث كونه غريزة صحية. لقد بات واضحاً للجميع أن تفكيك المجتمع أضعفنا، وأن قوتنا كامنة في وحدتنا.
- من هذه النقطة، ينبثق الغضب على كل مَن يجرؤ على وضع العقبات أمام وحدتنا، أو مَن يشكك في حتمية انتصارنا. المشكلة هنا هي أنه علينا، لكي نحقق الانتصار، أن نتحدث عن اليوم الذي يتلو الحرب، وعلينا أن نحسب حساباتنا لذلك اليوم. نحن بحاجة ماسة إلى زعيم يؤمن بأنه قادر على ترسيم رؤيا لذلك اليوم، وبحاجة ماسة إلى حكومة قادرة على التوافق على هذا اليوم. بينما نحن لا نملك، في الواقع، شيئاً من هذه الحاجات. إن الاستخدام الوحيد لكلمة "معاً" ظاهر بصورة اشتراطية في شعار "معاً ننتصر" [الشعار الذي ترفعه الحكومة الإسرائيلية في هذه الحرب]، لكننا لسنا معاً أصلاً لكي نتوافق على السبب الذي سنقاتل من أجله، أو لكي نرسم للجيش هدفاً سياسياً، لأن التناقضات تنخرنا حتى العظم.
- هذا فعلاً، مصدر انهيارنا الداخلي. إنه ضُعفنا الذي أدى، ظاهرياً، إلى اندلاع هذه الحرب، هذا الضعف يتمثل في انعدام قدرة المجتمع الإسرائيلي على صوغ رؤية مشتركة للمسألة الفلسطينية. حسناً، نحن فعلاً "سنقاتل معاً"، لكن كيف ننتصر، إذا كنا لا نعرف الصورة التي يبدو عليها الانتصار؟