غزة في اليوم التالي: الحذر من "روابط القرى 2"
تاريخ المقال
المصدر
- الأخبار الجيدة هي أن إسرائيل بدأت بنقاش "اليوم التالي" في غزة، ولو كان هذا متأخراً، وبضغط أميركي. هذا الأمر يتطلب تطوير استراتيجيا للمدى البعيد، وانتقالاً إلى التركيز على ما هو أبعد من المعركة العسكرية. أما الأخبار السيئة، فهي أنه في إطار هذا النقاش، تُطرَح أفكار من الصعب تطبيقها، وبعضها يعكس طريقة التفكير التي كانت سائدة في إسرائيل عشية 7 تشرين الأول/أكتوبر، أو أفكار تقودها جهات دفعت سابقاً بعقيدة "الترتيبات الاقتصادية"، وتستمر حتى اليوم في التأثير في صوغ "اليوم التالي".
- محاولة الوصول إلى قيادة محلية في غزة تكون مسؤولة عن القضايا المدنية هي أمر جيد في الأساس، إلا إن هذه الأفكار التي تُطرَح، هي في أغلبيتها، تتضمن تحديات كبيرة لإسرائيل. فعلى سبيل المثال، تُطرَح فكرة البحث عن عائلات وحمولات مسلحة تلعب دور "حماس" في ضبط الجمهور. الحديث هنا يدور حول إعادة إنتاج أفكار فشلت إسرائيل في تطبيقها سابقاً، وكانت تقوم على أساس عائلي - قبلي، بدلاً من عنوان وسلطة فلسطينية مركزية. المحاولة الأبرز كانت "روابط القرى" التي أقامتها إسرائيل، بمبادرة من شارون في أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وتم التنكر لها في الجانب الفلسطيني حتى انهارت الفكرة.
- من المتوقع أن تواجه هذه الحمولات المدعومة من إسرائيل المصير نفسه، فضلاً عن أنها ستواجه صعوبات كبيرة من المجتمع الغزي، ويمكن أن تواجه هجمات من "حماس"، حتى بعد أن تتوقف عن كونها السلطة الحاكمة في القطاع. وفي السيناريو الأسوأ، ستتحول هذه الحمولات المحلية إلى ميليشيات تسيطر على غزة، مثل النمط السائد في ليبيا والصومال وسورية. في هذه الحالة، يمكن حتى أن تشتاق إسرائيل إلى واقع السلطة الواحدة المركزية، ولو لم تكن صديقة، بدلاً من واقع الفوضى الذي سيسود حدودها.
- فكرة أُخرى سيكون من الصعب تطبيقها، هي تأسيس إدارة محلية غزية على نمط "اللجان المدنية"- وهي جسم سيمثل السلطة في غزة اليوم، كما يبدو، لكنه سيكون من دون أي تأثير، ومن الطبيعي ألّا يكون قادراً على تحمُّل مسؤولية السيطرة على 2.2 مليون إنسان يعيشون في منطقة مدمرة كلياً. هذا الأمر يطرح أيضاً السؤال الصعب عن فكرة عودة السلطة بصورتها الحالية إلى غزة. وهذا في الوقت الذي تعاني، جماهيرياً، بسبب الفساد والقمع السياسي المنتشر فيها، وسيكون عليها حُكم المجتمع الغزي الذي تربى، على مدار 15 عاماً، على فكرة أن أبو مازن "متعاون" ومسؤول عن أزمة القطاع.
البديل الذي يجب نقاشه: بناء حُكم مدني فلسطيني محلي آخر
- البديل الذي يجب على إسرائيل نقاشه هو بناء حُكم مدني فلسطيني محلي آخر في غزة: من جهة، يكون له مركز حُكم واحد، بما معناه، أنه لا يستند إلى مراكز قوة محلية، بعضها وهمي؛ ومن جهة أُخرى، لا يستند إلى افتراض أن السلطة يمكن أن تعود إلى غزة. الحديث يدور حول حكم يمتد على طول القطاع، وتحته تندرج مراكز قوة في كل محافظة، تتكون جميعها من جهات غير مرتبطة بـ"حماس"، كرؤساء البلديات والحمولات واللجان المهنية والجامعات، وأيضاً من رجال أعمال ومسؤولين من "فتح". هؤلاء سيزودون غزة بالخدمات ويضبطون المجتمع، في الوقت الذي تكون إسرائيل مسؤولة عن البعد الأمني، وضمنه إحباط التهديدات الأمنية التي ستنشأ.
- من المفضل أن يكون لهذا الحكم علاقة بالحكم في رام الله، حتى إنه يمكن تعريفه بأنه جزء من سلطة رام الله، بعد أن تمر الثانية بتغييرات عميقة، وفي أساسها تطهيرها من الفساد والتحريض. ومن الضروري أيضاً أن تحافظ إسرائيل على شرطين خلال تأسيس هذا الحكم: السماح لجهات إيجابية فقط بالدخول (بصورة خاصة الإمارات، السعودية، مصر، البحرين)، وعدم السماح لجهات ثبت أنها ضارة (قطر)؛ وأيضاً في جميع الأحوال- إقامة سلطة دائمة، غير فلسطينية، على الحدود بين مصر وغزة- سلطة دولية، أو إسرائيلية، أو كلاهما.
- نقاش "اليوم التالي" يتطلب البدء بالعمل منذ الآن، وبصورة خاصة إزاء كل ما يخص بناء العلاقات مع الجهات المحلية وتجنيد الدعم الخارجي للخطوة. وعلى الرغم من ذلك، فإن على هذا النقاش أن يكون خالياً من الرؤى التي انهارت في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وفي أساسها الافتراض أن الاقتصاد يمكن أن يكون سبباً للاستقرار الاستراتيجي. ولعملية الترميم المدني الواسع في غزة، يجب أن تُبذَل جهود لتغيير الوعي في أوساط الفلسطينيين، وتحديداً، في الأنظمة التي صيغَ الوعي فيها، كنظام التعليم والإعلام والمؤسسة الدينية.
- لا تستطيع إسرائيل وحدها تطبيق هذا الهدف. سيكون هناك حاجة إلى ضغط خارجي أيضاً، وضمنه اشتراط المساعدات الخارجية بتغييرات على صعيد الوعي، وخاصة ضغط داخلي فلسطيني يكون مصحوباً بمراجعة الماضي وتغيير القيادة الفلسطينية الحالية. هذه الاتجاهات غير موجودة حالياً، ولم يتبقّ إلا أن نأمل بأن تتطور بعد الحرب، عندما يستوعب الفلسطينيون إسقاطات المواجهة الأكثر صعوبة التي شهدوها.