منظومة الاحتياط في 7 تشرين الأول/أكتوبر- تحديات على طريق إدامة الحرب
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- لطالما كانت منظومة الاحتياط مكوّناً أساسياً من مكونات قدرة الجيش الإسرائيلي على الصمود والعمل. لقد تبنى بن غوريون هذا المفهوم عندما أنشأ المنظومة، وبقي المفهوم سارياً، منذ ذلك الحين، وعلى مدار 75 عاماً، وخصوصاً في أوقات الحروب. بينما على الصعيد نفسه، عانت منظومة الاحتياط طوال سنوات جرّاء قلة الاهتمام، وهو ما أدى إلى استياء مستمر، وأضرّ بكفاءتها.
- إن جنود التشكيل الاحتياطي ملتزمون تجاه رفاقهم في الوحدة، وتجاه المنظومة، والجيش، والدولة، ويبدو أن المؤسسات المختلفة "استغلت" هذه الحالة بصورة غير مقصودة، حين كانت تعلم (وهو أمر تم إثباته مرات كثيرة) بأن جنود الاحتياط سيمتثلون بعديدهم التام وكامل الجهوزية في حالات الطوارىء. يميل كبار ضباط الجيش الإسرائيلي، وجميعهم جنود نظاميون، إلى التعامل مع رجال الاحتياط على أنهم مورد بديهي ومفروغ منه. وبرز هذا التعامل بصورة واضحة أكبر في الوقت الراهن، أي في الوقت الذي تعيش الدولة وجيشها في حالة تعبئة كاملة.
- لقد شهد نطاق تدريبات منظومة الاحتياط ومعداتها الحربية (وكذلك حالة مخازنها الاستراتيجية)، وما يُبنى على ذلك من مستوى كفاءتها، حالات صعود وهبوط على مدار السنوات. ووفقاً لتقديرات دقيقة أجريَت مساء السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كانت منظومة الاحتياط في حالة مقبولة ومتوسطة، مقارنةً بالفترات السابقة.
- هناك موضوع مهم آخر في هذا السياق، يتمثل في انعدام ثقة كبار ضباط الجيش (الذين لم يخدموا في الاحتياط [كونهم جنوداً نظاميين]) بقدرات منظومة الاحتياط. بل إننا سمعنا في فترات معينة مقولات تفيد بانعدام الحاجة إلى منظومة الاحتياط، وخصوصاً سلاح البر، وعدم أهميته في المناورة البرية. إن هذه المقولات، مع ما أثارته من عدم ارتياح في نفوس رجال الاحتياط، أدت إلى تقلّص الثقة المتبادلة بين الاحتياط وقادة الجيش.
- من القضايا الحاسمة الأُخرى، ازدياد عبء التوظيف التشغيلي على المنظومة العسكرية، مع تدهور الحالة الأمنية. وهكذا، ونتيجة الحاجة إلى نشر أعداد كبيرة من القوات في الضفة الغربية، إلى جانب الحاجة إلى التمرين والتأهيل للقوات النظامية، قرر الجيش، في بداية سنة 2023، استدعاء كتائب الاحتياط لفترتَين تشغيليتَين خلال 3 أعوام. من هنا، نبعت مشاعر الاستياء، وازدادت الشكاوى جرّاء عدم إنصاف توزيع العبء على المجتمع الإسرائيلي، وعدم كفاية المكافآت الممنوحة لرجال الاحتياط.
- خلال سنة 2023، اندلعت الاحتجاجات ضد مخططات الانقلاب القضائي الذي روّجته الحكومة، وشملت منظومة الاحتياط، وقام بعض المتطوعين في الاحتياط بوقف تطوُّعهم، ونتيجة ذلك، وقعت منظومة الاحتياط في الجدل الساخن الاجتماعي السياسي في البلد، كما أن الشرخ الذي ضرب الشعب، أصاب هو أيضاً النسيج الحساس لمنظومة الاحتياط.
- هكذا، جاء تاريخ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ومنظومة الاحتياط تتمتع بقدرة متوسطة على الأداء، ونقص في المعدات. لم تكن مخازن الطوارئ التكتيكية الخاصة بهذه المنظومة في المستوى المطلوب. أما رجال الاحتياط، فشاركوا في التدريبات، وخدموا في المهمات العملياتية في الضفة الغربية، من دون تلقّي مساندة كافية من ضباط الجيش والمجتمع الإسرائيلي.
التجنيد في السابع من تشرين
- صبيحة السابع من تشرين الأول/أكتوبر، صدر قرار تجنيد منظومة الاحتياط بكاملها، إذ صدر القرار الحكومي بشأن تجنيد 360 ألف جندي وجندية، بينما تم، عملياً، تجنيد نحو 220 ألفاً منهم. من المهم الإشارة إلى أنه تم استدعاء جنود الاحتياط فوراً، من دون منحهم فرصة لتنظيم أمورهم على المستوى الشخصي، أو العائلي، أو الدراسي، أو الوظيفي. وانشغلت وحدات الاحتياط المقاتلة، حتى بداية التحرك البري في نهاية تشرين الأول/أكتوبر، بتنظيم نفسها والخضوع للتدريبات، بهدف رفع مستوى كفاءتها المتدنية.
- جرى تجنيد جنود الاحتياط وهم في أعلى مستوى من الحافزية. لم يتطلب الأمر حاجة إلى إقناعهم. ومع ذلك، شعروا هم أيضاً، كما هي حال سائر المواطنين، بالإحباط وفقدان الثقة بالنظام الحكومي، وبالجيش الإسرائيلي نفسه. وما ساهم في فقدان الثقة هذا، أن العديد منهم فوجئ بانخفاض مستوى المعدات، والنقص الكبير في وسائل الحماية (السترات الواقية من الرصاص، مثلاً)، والمعدات القتالية (الخوذات والبزات العسكرية)، وغيرها مما يلزم للخدمة. إن هبوب المجتمع المدني في إسرائيل والخارج لتوفير النقص في المعدات، إلى جانب الدعم الغذائي من كثير من الجهات التطوعية، خفف الضغط المادي، لكنه لم يخفف الإحباط وخيبة الأمل في نفوس جنود الاحتياط.
- يخدم كثيرون من الاحتياطيين في القتال منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ويُسمح لهم بإجازات قصيرة من وقت إلى آخر. في هذا السياق، يجب علينا التمييز بين أولئك الذين يقاتلون في داخل القطاع، أو في الجبهة الشمالية، أو الضفة الغربية، وبين أولئك الذين يخدمون في الخطوط الخلفية، وفي قيادة الجبهة الداخلية، وداخل المقرات المختلفة.
تقدير لحجم قوات الاحتياط المطلوب في سنة 2024
- وفقاً لتصريحات قادة الجيش أنفسهم، من المتوقع في كانون الثاني/يناير 2024 حدوث تحوُّل في سير الحرب، بحيث يتم الانتقال من مرحلة القتال المكثف، بما يشمل المناورات البرية الواسعة النطاق في القطاع، وأقصى مستويات التأهب على الحدود اللبنانية، وفي الضفة الغربية، إلى مرحلة استمرار العمل في القطاع بصورة مخففة تتطلب منسوباً أصغر بكثير من القوات المقاتلة. من المفترض أن تستمر هذه المرحلة ما بين 6 و9 أشهر (وربما حتى نهاية السنة). وبعدها تأتي "مرحلة الترسيم"، التي سيتم في إطارها بناء خطوط دفاعية جديدة في منطقة النقب الغربي، وترسيم التصور الدفاعي الجديد على الجبهة الشمالية. وكل ذلك، بافتراض أن نطاق القتال في الشمال لن يتسع ليصبح حرباً ذات كثافة نارية عالية.
- لقد تمكن الجيش الإسرائيلي، خلال الفترة الماضية، من ترسيم شكل بياني للعمليات القتالية والتوظيف العملياتي الخاص بمنظومة الاحتياط في سنة 2024. ويبدو أن التقديرات المتعلقة بحجم الاحتياط المطلوب، بناءً على الجداول الزمنية، هي تقديرات متفائلة، (ولعلّي أقول إنها متفائلة أكثر من اللازم). فحتى في ظل الشكل المنخفض الكثافة النارية للحرب في القطاع، فإننا سنظل بحاجة إلى عدد كبير من القوات للدفاع والسيطرة على المواقع التي احتلها الجيش (وخصوصاً في شمال القطاع)؛ سيكون طول خط الدفاع الجديد، بما يشمل المنطقة الأمنية العازلة، عملياً، ضُعف طول الخط الدفاعي السابق، وسيكون معززاً بكثافة أعلى بكثير من الجند؛ وفي موازاة ذلك، سيستمر التوتر في الشمال، وهو ما يتطلب استمرار تكثيف القوات على الحدود. ولو تم التوصل إلى تسوية ما بشأن الحدود الشمالية، فإن نسبة القوات التي ستكون مطلوبة للعمل هناك آنذاك، ستكون أعلى مما كانت عليه في الماضي، كشرط لإعادة الشعور بالأمان إلى سكان المنطقة، وعودتهم إلى منازلهم. يجب الافتراض أيضاً أن التوترات في الضفة الغربية ستستمر، على الأقل بالوتيرة السائدة الآن.
- كل ما سبق، سيكون له تأثير ملحوظ في مستوى الاحتياط المطلوب، ليس فقط من أجل تشغيل التشكيلات العسكرية، بل أيضاً من أجل إفساح المجال للقوات النظامية، التي خاضت قتالاً شديداً على مدار شهور، لترتاح وتعيد تنظيم نفسها.
- وفقاً لهذه الطريقة، سيكون العمل غير مسبوق على مدار العقود الماضية، وهو يشكل عبئاً، لا يذكر أحد مثيلاً له، على الأقل، منذ حرب يوم الغفران، وهي الحرب الأخيرة التي جرى فيها استدعاء كامل قوات الاحتياط. (أما في جميع الحروب التي تلت تلك الحرب، أي في حربَي لبنان الأولى والثانية، والعمليات في قطاع غزة والضفة الغربية، فلم يتم سوى استدعاء جزء من منظومة الاحتياط، ولذلك، كان هناك في مثل هذه الحالات دائماً مَن يتقاسم العبء الحربي، ويحل محل الذين تم تجنيدهم أولاً).
- إن التغيير الكبير الذي طرأ منذ الحروب الماضية، يتمثل في الارتفاع الحاد في العبء النسبي على مجنّدي الاحتياط. إن نسبة الذين يخدمون في منظومة الاحتياط منخفضة (نحو 2 أو 3% من التعداد العام للسكان)، وهو ما من شأنه مراكمة المصاعب على جنود الاحتياط، من حيث التوظيف والأعباء الأسرية.
- وحتى بعد استقرار الأوضاع على جميع الجبهات، وهو أمر، بحسب تصريحات الجيش والمستوى السياسي، لن يحدث إلا بعد أكثر من سنة (في أقل تقدير)، فإن الجيش سيكون بحاجة إلى عدد كبير من رجال الاحتياط، يفوق المطلوب في الأوقات العادية. إن المجتمع الإسرائيلي، على الأقل في الوقت القريب، لن يكون مستعداً لافتراض أن "المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية كفوءة، وستُنذره في الوقت المناسب". إن الشعور بالأمان في المجتمع الإسرائيلي، بعد الهجوم المفاجئ الذي نفّذته "حماس"، والاستعدادات المنخفضة في قيادة الجبهة الداخلية في حماية سكان "غلاف غزة"، سيكون مرتبطاً أيضاً بالحضور المادي الكبير (الأكبر من المعتاد) خلف الحدود، إلى جانب حجم القوات الذي سيكون، من الآن فصاعداً، مطلوباً على حدود الدولة المختلفة. إلى جانب ذلك، سيكون هناك حاجة إلى قوات لحماية البلدات والمدن، داخل الدولة نفسها، من أجل بث الشعور بالأمان في نفوس المواطنين.
- من أجل ضمان الجهوزية المستقبلية للقتال على جبهتَين متوازيتَين، بكثافة نارية عالية، سيتعين على الجيش الإسرائيلي أن يكون أكبر. وإلى أن يتكيف الجيش النظامي وفق الحال الجديدة، فسيكون مطلوباً من منظومة الاحتياط بأسرها ملء الفراغات في عديد القوات. وسيكون النطاق الواسع للقوات مطلوباً، ليس فقط في سنة 2024، بل في السنوات القادمة أيضاً.