بالتوفيق مع محكمة العدل الدولية
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- مَن يرى استمرار الحرب التي لا جدوى منها؛ ومَن يرى أحجام القتل والدمار في غزة؛ ومَن يريد إنهاء معاناة أكثر من مليون إنسان؛ يجب أن يأمل، على الأقل في قرارة نفسه، بأن تُصدر محكمة العدل الدولية في لاهاي، يوم الخميس المقبل، أمراً موقتاً علنياً بوقف الحرب. ليس من السهل على إسرائيلي أن يؤيد صدور أمر ضد دولته، ويمكن أن يؤدي هذا إلى اتخاذ خطوات عقابية ضده، لكن هل هناك طريقة أُخرى لوقف الحرب؟
- ليس من السهل أن تتم مقاضاة دولتك من دولة تعرف أنظمة الظلم والشر، وكان زعيمها قدوة أخلاقية في العالم كله. ليس سهلاً أن تتم مقاضاتك من جنوب أفريقيا، وليس سهلاً أن نكون متهمين بإبادة جماعية ارتكبتها دولة تأسست على أنقاض أكبر إبادة جماعية في العالم.
- ليس سهلاً أن نتجاهل الشكوك التي تحوم فوق إسرائيل بارتكابها أفظع الجرائم ضد الإنسانية، وضد القانون الدولي. لم يعودوا يتحدثون عن احتلال، بل عن أبارتهايد، وعن ترانسفير وتطهير عرقي، وعن إبادة جماعية، وما هو أخطر. ويبدو أنه لا توجد اليوم دولة أُخرى في العالم متهمة بهذه التهم.
- لا يمكن دحض هذه التهم بأي شيء، ولا حتى بالعداء للسامية، حتى لو كان البعض منها مضخماً وغير صحيح، فاللامبالاة التي تُستقبل بها هذه التهم في إسرائيل، والذهاب إلى حد اتهام الضحية، ربما هي الطريقة الأفضل للإنكار والرفض، لكن هذا لا يكفي لتبرئة اسم إسرائيل، أو للإصلاح، أو الشفاء.
- أكثر من 20 ألف قتيل خلال 3 أشهر، بينهم آلاف الأولاد والأطفال، دمار هائل لمحافظات كاملة، لا يمكن إلا أن يثير شبهة وقوع إبادة جماعية. التصريحات المنافية للعقل، الصادرة عن شخصيات مركزية، بشأن الحاجة إلى "تطهير" غزة من سكانها، أو القضاء عليهم، تثير شبهة قوية بشأن نية القيام بتطهير عرقي . وإسرائيل يجب أن تُحاكَم على الأمرين.
- لم تخُض إسرائيل هذه الحرب من أجل ارتكاب إبادة جماعية، لا شك لدي في هذا الشان، لكنها ترتكبها، عملياً، حتى ولو بغير قصد. كل يوم يمر في هذه الحرب مع مئات القتلى، يومياً، يزيد هذا الشك. في لاهاي، هم بحاجة إلى إثبات وجود نية مسبقة لذلك، وقد لا يعثرون عليها، فهل هذا يبرىء إسرائيل؟
- الشك في التخطيط لتطهير عرقي، والذي لن تبحث فيه محكمة العدل الدولية حالياً، راسخ جداً. هنا النية واضحة وعلنية. دفاع إسرائيل عن نفسها بأن وزراء مركزيين لا يمثلون الحكومة هو أمر مثير للسخرية. وثمة شك في أن هناك مَن يأخذ هذا الكلام بجدية. وإذا كان بتسلئيل سموتريتش الداعي إلى الترانفسير لا يمثل الحكومة، فلمَ هو موجود فيها؟ وإذا كان بنيامين نتنياهو لا يقيل إيتمار بن غفير، فكيف يكون بريئاً من التهمة؟
- لكن علاوةً على هذا كله، فإن الجو السائد في إسرائيل، هو الذي يجب أن يثير قلقنا أكثر مما يجري في لاهاي. الروح العدائية السائدة تشير إلى منح ارتكاب جرائم الحرب شرعية واسعة. التطهير العرقي في غزة، وبعده في الضفة الغربية، هو موضوع نقاش الـ "مع والضد"، والقتل الجماعي لسكان غزة غير مطروح بتاتاً في الحديث العام الإسرائيلي.
- مشكلة غزة خلقتها إسرائيل في سنة 1948. فهي التي طردت مئات الآلاف من الناس إلى القطاع، في عملية تطهير عرقي كاملة لجنوب البلد؛ اسألوا إيغال آلون. إسرائيل لم تعترف قط بمسؤوليتها عن ذلك. الآن، يدعو وزراء إلى إنهاء المهمة في القطاع أيضاً. إن الطريقة المثيرة للاشمئزاز من مناقشة اليوم التالي، والتي تعتمد علامَ ستقرر إسرائيل فعله في غزة، وما لن تفعله، تثبت أن روحية 1948 لم تمت. هذا ما فعلته إسرائيل حينها، وما تريد أن تفعله مرة أُخرى.
- وسواء قررت محكمة العدل الدولية أن ما يجري في غزة كافٍ لاتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، أو جرائم حرب أُخرى، فمن وجهة نظر أخلاقية، الجواب معروف منذ الآن.