مروان البرغوثي هو نيلسون مانديلا الفلسطيني
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- إن الطريقة الوحيدة التي يمكن لإسرائيل من خلالها استعادة جميع المخطوفين، هي صفقة "الكل في مقابل الكل". يجب تبادُل جميع المخطوفين الإسرائيليين، وضمنهم المخطوفان القديمان أبراها منغيستو وهشام السيد، وكل الجثامين، أي ما مجموعه 136 إسرائيلياً أحياء والجثامين في مقابل 8 آلاف أسير فلسطيني. من ضمن هؤلاء الأسرى الفلسطينيين، هناك 559 أسيراً تمت إدانتهم بتهم قتل إسرائيليين، ويمضون أحكاماً بالسجن مدى الحياة.
- لا يزال في قبضة إسرائيل نحو 130 مقاتلاً من "حماس"، تم القبض عليهم في إسرائيل في الفترة 7-9 تشرين الأول/أكتوبر، بعد أن نفّذوا "مجازر" ضد المدنيين والجنود الإسرائيليين، إلى جانب بضع مئات من مقاتلي "حماس" ممن تم أسرهم داخل غزة. كثيرون من زعماء "حماس"، المسؤولين عن "مجزرة" 7 تشرين الأول/أكتوبر الفظيعة، كان أُطلق سراحهم في صفقة شاليط سنة 2011. هذه الحقائق تحول مسألة اتخاذ القرار القاضي بإطلاق سراح كثيرين من "الإرهابيين" إلى مسألة أكثر تعقيداً. فإطلاق سراح هذا العدد من الأسرى، سيمثل نصراً هائلاً بالنسبة إلى "حماس"، لكن علينا أن نتذكر أن إسرائيل لن تنتصر إذا لم تتم استعادة جميع المخطوفين. لقد تخلت عنهم الدولة، ويقع على عاتقها واجب أخلاقي يتمثل في استعادتهم.
- من ضمن الأسرى الفلسطينيين الثمانية آلاف، هناك أسير ذو أهمية قصوى بالنسبة إلى المرحلة التي تتلو الحرب. إنه مروان البرغوثي، قائد كتلة "فتح" في المجلس التشريعي الفلسطيني. لقد اعتُقل البرغوثي في سنة 2002، وحُكم عليه بخمسة أحكام مؤبدة، فضلاً عن 40 سنة إضافية، لدوره في قيادة الانتفاضة الثانية. وتمت إدانة الرجل بخمس جرائم قتل، على الرغم من أنه لم ينفّذ أعمال قتل بيديه. لقد رفض البرغوثي أن يمثله محام في المحكمة، بادّعاء أن المحكمة غير شرعية. وفي استطلاعات الرأي كلها التي أُجريت في أوساط الفلسطينيين على مدار عشرات السنوات الماضية، تفوّق البرغوثي على أي مرشح آخر على الرئاسة الفلسطينية. وبادر في السجن إلى توحيد جميع الفصائل الفلسطينية، وقام بالتوسط فيما بينها، وفي أيار/مايو 2006، أطلق "وثيقة الأسرى" التي مثلت تفاهماً بين "فتح" و"حماس"، والجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، وحزب الشعب، على ضرورة تشكيل حكومة وحدة فلسطينية، والموافقة على مبادرة السلام العربية، والاتفاقيات التي وقّعتها منظمة التحرير مع الحكومات الإسرائيلية، أي على إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، تكون القدس الشرقية عاصمتها.
- لقد تعهدت هذه الوثيقة أيضاً الالتزام بالنهج الديمقراطي، والانتخابات الحرة، وإجراء إصلاحات في هيكل السلطة الفلسطينية، وغير ذلك. كما أيّد موقّعو الوثيقة استمرار مقاومة الاحتلال، لكن مع الإشارة إلى أن النضال سيقتصر على الأراضي المحتلة سنة 1967. صحيح أن هناك جوانب في هذه الوثيقة، من الصعب أن يقبلها الإسرائيليون، لكنها تلخّص بصورة مؤكدة مواقف أغلبية الشعب الفلسطيني على مدار سنوات، المستعد للعيش بسلام مع إسرائيل على أساس مبدأ الدولتين. يمكن لمثل هذه الوثيقة أن تكون بمثابة المرتكز الذي تقوم عليه الوحدة الفلسطينية بعد الحرب، وبناءً على ذلك، من الممكن أن يكون البرغوثي هو الزعيم الوحيد القادر على تمثيل جميع الفلسطينيين.
- صحيح أن الرجل سيكون، في حال تم إطلاق سراحه في إطار صفقة تُعقد مع "حماس"، ملتزماً تجاه المنظمة التي تمكنت من تحريره، وهو أمر سيئ لكلٍّ من إسرائيل وفلسطين. ومع ذلك، لقد أمضيت، قبل الانتفاضة الثانية، ساعات طويلة من الحوار مع البرغوثي، حين كان يشارك مع زملائه من تنظيم "فتح" في لقاءات مع أعضاء كنيست من أحزاب العمل والليكود وشاس، وغيرها. وبقيت على علاقة بالرجل طوال الأعوام الـ 22 الماضية، من خلال محاميه. وبناءً على هذا، ما زلت أعلم بأنه لا يزال يؤيد حل الدولتين، وهو يؤمن بأن على الفلسطينيين التوصل إلى معاهدة مع إسرائيل من خلال المفاوضات.
- يتساءل الجميع: مَن يستطيع أن يحكم غزة بعد الحرب؟ لدى انتهاء الحرب، في المرحلة الانتقالية، مرحلة ترسيخ الاستقرار في المنطقة والشروع في إعادة إعمارها، يجب أن يكون الحكم هناك مكوناً من ممثلين من دول عربية ودول أُخرى. لكن لن يُسمح لأي جندي عربي أو أجنبي بالدخول إلى غزة، من دون دعوة، ومن دون موافقة فلسطينية. يجب أن تكون القوات الفلسطينية مدمجة في قوة متعددة الجنسيات، تتيح لإسرائيل الانسحاب من غزة إلى الحدود الدولية. وهذا كله يمكن أن يتحقق، فقط في حال كان هناك قائد فلسطيني قادر على تحقيق الوحدة الفلسطينية، ويلتزم نزع السلاح من المنطقة. وهذا القائد يمكن أن يكون البرغوثي.
- في حال قررت إسرائيل البقاء في غزة، بعد الحرب، فما من سيناريو سيكون في مصلحتها آنذاك. صحيح أن إسرائيل قد تكون قادرة على تحقيق أقصى قدر من نزع السلاح والقضاء على البنى التحتية "الإرهابية" التابعة لـ"حماس"، ويُحتمل ألّا تكون الحركة قادرة على حُكم غزة بعد ذلك، لكن بقاء إسرائيل هناك ، ولا سمح الله، إنشاء مستوطنات هناك، سيؤديان من دون شك إلى مقاومة عنيفة. فإذا جرت محاولة فرض حُكم محلي مكوّن من زعماء العائلات والعشائر المتعاونين مع الاحتلال الإسرائيلي، سيتعرض هؤلاء الزعماء للتهديد بالقتل بتهمة الخيانة، وسيختفي ذلك الحكم بالسرعة نفسها التي جاء فيها.
- يحتاج الفلسطينيون إلى قيادة جديدة قادرة على تغيير الواقع في فلسطين، من خلال التفاوض مع إسرائيل، تماماً كما قامت حكومة الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، بقيادة بيتر ويليام بوتا، بإجراء حوار ومفاوضات مع نيلسون مانديلا الذي أمضى 27 عاماً في السجن بتهمة قيادة الحركة التي كانت تُعتبر منظمة "إرهابية" في ذلك الحين. يتعين على إسرائيل، منذ اليوم، أن تفتح حواراً مع البرغوثي في سجنه، للتحقق من قدرته على أن يكون الزعيم الفلسطيني الجديد الذي سيتمكن من إحلال السلام مع إسرائيل، استناداً إلى مبدأ دولتين لشعبين.
- أفترض أن مثل هذا الحوار، لو كان صادقاً وحقيقياً، سيُفضي إلى اعتبار البرغوثي شريكاً لمستقبل أفضل للشعبين. فإذا وافق على ذلك، فسيتعين على إسرائيل مطالبته بإعلان تأييده لحل الدولتين، والتزامه التام إنهاء الكفاح المسلح بصورة شاملة. سيتعين على إسرائيل إطلاق سراحه من السجن في ظل ظروف يُفهم منها أنه لم يقم بخيانة شعبه في مقابل حريته. ثم على البرغوثي أن يقدم لشعبه إنجازاً يتمثل في إزالة الفيتو الإسرائيلي الرافض لإقامة دولة فلسطينية، وفي الوقت نفسه، عليه أن يناشد دول العالم التي لم تعترف بدولة فلسطين بعد، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بأن تعترف بها.
- من الواضح أن الحكومة الراهنة بقيادة نتنياهو وبن غفير وسموتريتش، لن تفعل ذلك. لكن بعد انتهاء الحرب، سيضطر نتنياهو إلى الوقوف أمام الشعب الذي سيطالب برحيله بسبب مسؤوليته عن الكارثة الأكبر التي أصابت الدولة على مدار 75 عاماً من وجودها. ستذهب إسرائيل إلى انتخابات جديدة، وسيتم انتخاب زعماء جدد. سيتعين على المجتمع الدولي مطالبة هذه القيادة، منذ الآن، بفتح حوار مع البرغوثي، لكي يصبح للشعب الفلسطيني زعيم قادر على توحيد الشعب، وترويج الحل السلمي، استناداً إلى مبدأ الدولتين.
- إن النصر الوحيد في هذه الحرب الفظيعة، سيكون من خلال وضع يتوجه فيه كلٌّ من إسرائيل والفلسطينيين، بقوة، نحو تسوية الصراع.
الكلمات المفتاحية