التعايش مع الخسارة
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- اطلقوا على الخطة التي تُعَد لتحرير الرهائن أي اسم تريدونه - المقترح القطري، أو المصري، أو الأميركي - هذه الاقتراحات كلها تشير إلى أن الجانب الإسرائيلي بدأ يتصالح مع النتائج المحدودة للحرب. وبحسب معلوماتي، لا توجد بعد أي صفقة الآن. يجب أن نأمل أن يكون هناك صفقة. لكن، وبمرور 100 يوم على الإخفاق والخراب، لا مهرب إلا برؤية الواقع كما هو. هناك قرّاء يرفضون قبول هذا الوصف للواقع، وهذا حقهم. أنا أعتقد أن قيادة الجيش بدأت تفهم جيداً. السؤال الآن، هو كيف سيتعامل نتنياهو والوزراء مع الفجوة ما بين التوقعات غير المسؤولة التي خلقوها في أوساط الجمهور، وبين القرارات الصعبة التي عليهم اتخاذها. لا تحسدوهم.
- الحديث يدور حول اتفاق لوقف إطلاق النار مدة 3 أشهر. التنفيذ سيكون بالتدريج، وسيتضمن تحرير جميع الرهائن، الأحياء والأموات، على مراحل؛ المرحلة الأولى ستكون إنسانية - تحرير المرضى والمصابين وكبار السن. فضلاً عن تحرير آلاف الأسرى الفلسطينيين، من المسؤولين وغير المسؤولين، وهناك مطالب أُخرى: زيادة كبيرة في المساعدات الإنسانية للقطاع؛ عودة السكان إلى المناطق الشمالية في غزة؛ انسحاب قوات الجيش؛ بناء إدارة بتمويل دولي لإعادة إعمار القطاع بعد الهدم - والأسوأ من كل شيء، مشاركة "حماس" في السيطرة على قطاع غزة مستقبلاً.
- الجانب الإسرائيلي كان سيشعر بالسعادة بالسماح لقيادة "حماس"، وضمنها السنوار والضيف، بالخروج إلى المنفى في قطر، أو إلى أي دولة أُخرى. المنفى هو ما حصل عليه عرفات ورجاله في بيروت، خلال حرب لبنان الأولى. لكن غزة ليست بيروت، والسنوار ليس عرفات. ولا يبدو أنه يبحث الآن عن الخروج إلى المنفى- إنه يخطط لاحتفالات الانتصار في غزة.
- الظروف يمكن أن تتغير خلال المفاوضات. انهيار المفاوضات وارد أيضاً. إلا إن السؤال الصعب هو التالي: هل الأمل بالحياة لـ136 إسرائيلياً يبرر هذه الأثمان؟ أنا أقول نعم، وليس فقط لأنهم خُطفوا من منازلهم، والحكومة والجيش هما المسؤولان عن الفشل الذي لا مثيل له، لقد تُركوا قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر وخلاله. عندما يلتقي نتنياهو عائلات الرهائن، فإنه يشدد على مرافقة زوجته، كأن الحديث يدور حول مساكين يحتاجون إلى الأم تيريزا، وإلى العطف الذي تتميز به النساء فقط في العالم القديم. في نظري، هذه أزمة. الرئيس بايدن يمكنه أن يلتقي الرهائن؛ أما نتنياهو، فإنه المسؤول عن وضعهم. هذا عمله.
- في المستويَين السياسي والعسكري، هناك مَن يفضل تجاهُل قضية الرهائن. الادعاء هناك أن الرهائن حِمل: الانشغال بهم يعيق القوات في الميدان، ويعزز قوة "حماس". من الأفضل التصالح مع مصيرهم والمضي قدماً. هذا الموقف بارز في أوساط تيار "الصهيونية الدينية" المسياني. فبالنسبة إلى بعضهم، أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر ليست كارثة، إنما فرصة تاريخية: إسرائيل ستحتل غزة، وتطرد السكان وتوطّن اليهود؛ وإذا فُتحت جبهة أُخرى في الضفة، فنطرد الفلسطينيين من هناك أيضاً.
- هذا التيار يبرز في الوحدات القتالية في الجيش. أنا أقول هذا من أجل مصلحتهم. لكن هذا لا يقول إنه يُسمَح لهم بملء الجدران برسومات تدعو إلى العودة إلى "غوش قطيف". الجيش لا ينجح في السيطرة على اندفاعهم السياسي.
- قصة أُخرى أسوا، تتطرق إلى الجنرال براك حيرام، الذي وجّه أوامره، يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، إلى الدبابة لقصف مبنى كان يوجد فيه رهائن مع "مخرّبي حماس". فقتلت 12 رهينة. هذا ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز"، والجيش يحقق في القضية الآن. أعضاء في صفوف التأهب التابعة لكيبوتس "بئيري" طالبوا بتأجيل تعيينه قائداً لكتيبة غزة حتى الانتهاء من التحقيقات. الجيش رفض. وكما جاء في "الخدعة 22" التي كتبها جوزيف هيلر، فإن الذي قصف أهالي الكيبوتس سيكون الضابط المسؤول عنهم.
- حيرام من سكان مستوطنة تكوع، وهو ما يضيف البعد السياسي إلى القضية. وفي نظري، من غير المهم أين يسكن- المهم هو بمَ فكر. في هذه الحرب، يُكثر الجيش من الحديث عن قتل الجنود والمدنيين بحجة أنه لم يكن هناك حل آخر، هذا ما يحدث في ساحات القتال. هذه الحجة ليست مقنعة دائماً.
لا قمح، لا توراة
- مصير الرهائن ليس الأمر الوحيد الذي يكبح الجيش عن احتلال غزة. أحياناً، الرهائن هم التفسير، وأحياناً الحجة: ليس كل مَن يعلّق في رقبته سلسالاً، أو يضع شارة صفراء على بدلته، مجنداً من أجلهم فعلاً.
- كان يجب على الكابينيت أن يبحث مساء الأربعاء في الرؤية بشأن مستقبل غزة- غزة في اليوم التالي. في اللحظة الأخيرة، أُزيل الموضوع من الأجندة: هناك مَن تذكّر أن المداولات في لاهاي بشأن الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا ستبدأ، ومَن يعلم كيف ستؤثر التسريبات من داخل الجلسة في المداولات.
- قصة صغيرة، لكنها تعلّم الكثير: حكومة إسرائيل الحالية لا تستطيع إدارة حرب. إنها تتمزق بين سموتريتش وبن غفير من جهة، وبايدن وبلينكن من جهة أُخرى، وغانتس وأيزنكوت في الوسط. نتنياهو بحث مع بلينكين في إدخال 150 طناً من القمح إلى غزة. هذا يُناقض كل ما التزم به نتنياهو أمام الجمهور في بداية الحرب. والمداولات جرت من دون إعلام وزراء الكابينيت. نتنياهو ردّ نصف ردّ، وبلينكن شعر باليأس، فقرر شكر نتنياهو، علناً، أمام الكابينيت على القمح. ديوان رئيس الحكومة سارع في الإنكار. والنتيجة: الأميركيون لا يصدقونه، ووزراء الكابينيت لا يصدقونه، لا قمح، ولا توراة.
- مع الأسف، يبدو أن "حماس" ليست ذاهبة إلى أي مكان. دورها في التفكيك سيأتي في الجولات القادمة، عندما تخرق الاتفاق (وستخرقه). إذا كان هناك فرصة لإقامة بديل غير جهادي في غزة، وأشك في ذلك، فإن حكومة إسرائيل رفضتها.
- إلا إن الرهائن سيعودون إلى بيوتهم، والجيش سيتفرغ للجبهة الشمالية. ومن الممكن أن يتفرغ الإسرائيليون لترتيب البيت الداخلي. هذا ما قالته ووعدت به راوما كدام، التي قُتل 5 من أبناء عائلتها، أمام وزير الدفاع يوآف غالانت. يجب وضع أقوالها على أبواب ديوان رئيس الحكومة ورئيس هيئة الأركان. وهذا ما سيحدث في أفضل سيناريو. وفي السيناريو السيئ، لن يكون هناك اتفاق، وسيعلق الجيش في غزة من دون خطة، في مقابل مليونَي نازح لا يوجد مكان يذهبون إليه، وفي مقابل عالم عدائي وإدارة أميركية متعبة، مع رهائن لن يصمدوا، وسكان تم إجلاؤهم عن منازلهم، لن يعودوا، مع أزمة اقتصادية، وميزانيات مبالَغ فيها، ونظام سياسي مشغول بنفسه.
- في النهاية، وكما في كل فيلم هوليوودي، ستكون النهاية سعيدة. أنا فقط لا أعرف ما هي.