الهدف الأساسي بات محصوراً في السلة التي يضع فيها الجيش كلّ بيضه
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- مع اقتراب الحرب من يومها الـ 100، في الوقت الذي بدأ الحكم الأميركي بالنظر إلى ساعته، بانتظار إطلاق صافرة النهاية، يبدو أن الجيش الإسرائيلي صار يزيد في حجم رهانه، ويضع كل أوراقه على طاولة خان يونس. إن كل هيبة الجيش، وأفضل وحداته، كل شيء مجنّد لمهمة جلب رأس يحيى السنوار. المنطق هنا واضح: إذ إن القضاء على السنوار يُعتبر إنجازاً سيتيح لجميع القيادات الإسرائيلية، التي أصابتها وصمة السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وضع مفاتيح مكاتبها على الطاولة والاستقالة بكرامة، وهي تشعر بأنها، على الأقل، تمكنت من تحقيق صورة نصر. سيترك هؤلاء لمن يخلفهم الأهداف التي يُعتبر تحقيقها أكثر تعقيداً: القضاء على قدرات "حماس" واستعادة المخطوفين. ماذا لو فشلت مقامرة خان يونس، ولم نتمكن من الوصول إلى السنوار بعد شهر أيضاً؟
- على مدار الأسابيع الماضية، تم تخفيض عدد قوات الفرق التي تخوض القتال في غزة، والتي تمارس المهمة المنهكة، والتي لا مجد إعلامياً فيها: إنها مهمة التفكيك الممنهج لقدرات "حماس". يُعتبر عمل هؤلاء شديد الأهمية، لأنه سيؤثر في قدرات "حماس" على إعادة ترميم قوتها. إن قاعات الإنتاج الكبيرة التابعة للحركة، والتي تكشف عنها القوات الآن، تُظهر حجم الصناعة العسكرية التي تمّ إنشاؤها في القطاع. لقد بتنا نكتشف أننا لم نعد نتحدث عن ورشات خراطة معادن ومشاغل صغيرة، بل عن مصانع ذات خطوط إنتاجية وقدرة هائلة على الإمداد.
- المثير للاهتمام هنا هو أن أغلبية الصواريخ التي تم إطلاقها علينا منذ بداية المواجهة (أكثر من 13 ألف صاروخ)، هي صواريخ منتَجة بقدرات ذاتية، لكنها أيضاً صواريخ على مستوى عالٍ تقنياً. لقد تم إنتاج وقود هذه الصواريخ من مواد تم تحوير هدف استخدامها الأصلي (مواد مزدوجة الاستخدام) أُدخلت إلى القطاع كمواد خام، عبر معبر كرم أبي سالم. هذا يعني أن مشكلة إسرائيل في موضوع تسلّح "حماس" غير كامنة في السلاح التقليدي الجاهز الذي يمر عبر الأنفاق تحت محور فيلاديلفي، وما يدخل من مصر، عبر معبر رفح، بل إنها كامنة أيضاً فيما كان يدخل إلى القطاع من إسرائيل، من مواد غير ضارة ظاهرياً: كالأسمدة ومواد البناء مثلاً. لا تزال القوات التي تعمل على كشف وتدمير هذه القدرات في شمال القطاع ووسطه بعيدة كل البعد عن استكمال عملها، وعلى الرغم من ذلك، فإنه تم سحب وحدات من هذه القوات وضمها إلى الفرقة 98 مشاة [فرقة نظامية مكونة من المظليين والكوماندوس]، التي تخوض الآن معركة في خان يونس مع مرتكزات سيطرة لا نهائية تتحكم فيها 8 فرق قتالية.
- يمكن للمرء أن يتفهم سبب حماسة القيادة العليا في الجيش لجلب رأس السنوار. سيكون يوماً جميلاً بالنسبة إلينا جميعاً. لكن السنوار، على الرغم من أهميته ورمزيته، فإنه ليس جوهر "حماس" الكامل. إن التحرك البري المهم في غزة، الذي لم يتبق أمامه سوى أسابيع معدودة، مجبر على إنهاء دوره، بعد أن قمنا باستنفاد أي فرص للوصول إلى المخطوفين في الأماكن التي يعمل جيشنا فيها، وبعد أن قمنا بتدمير جميع البنى التحت أرضية الموجودة في هذه الأماكن، إلى جانب شبكات إنتاج المواد القتالية. علينا أن ندرك أننا، إذا نجحنا في قتل السنوار، وخرجنا من غزة في الوقت الذي لا يزال فيها مزيد من أطر النشاط وقدرات التسلح لدى "حماس"، فسنخسر الحرب. لكننا، من جهة أُخرى، حتى لو لم نقتل السنوار، ولم نقضِ على البنى التحتية لـ"حماس"، فسنخسر خسارة مدوية أكثر.
أساليب الشمال
- ما يُفعم القلب بالأمل في هذه الأيام، هو رؤية جيل الضباط والجنود الذي ينبت الآن في غزة. لقد راكم كثير من الوحدات منذ الآن خبرة قتالية أكبر من تلك التي راكمها الجنود في حرب "يوم الغفران"، أو "الأيام الستة". لقد أصبح لدى هؤلاء كثير من الثقة بالنفس والشعور بالقدرة. هذه الخبرة الثمينة دفعنا ثمنها دماً باهظاً وخسائر، وإصابات، وجراحاً نفسية، لكنها إنجاز مهم جداً نراكمه للآتي من الأيام.
- عندما ينتهي معظم التحرك البري في غزة، سيتكون الجيش من نوعين من الضباط: أولئك الذين قاتلوا [في غزة]، وأولئك الذين لم يفعلوا بعد [الوحدات التي تم نشرها في شمال فلسطين]. سيلاقي مَن لم يقاتلوا بعد مصاعب كثيرة في أن يحظوا بتقدير الذين عايشوا كل المصاعب على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، وجربوا تشغيل أطر قتالية واسعة، واضطروا إلى مواجهة خسائر ثقيلة. لكن لبنان ليس غزة. وليس كل ما يمكن أن ينفعنا في غزة، يمكن أن ينفعنا في لبنان. وبناءً عليه، فإن أحد التحديات التي ستواجه الجيش، سيتمثل في التمييز بين الخبرة التي تمت مراكمتها في غزة، وذات علاقة بلبنان، وبين الأساليب التي سيضطر هؤلاء الضباط والجنود إلى التخلي عنها، وصولاً إلى تبنّي طريقة تفكير جديدة تلائم عدواً مختلفاً تماماً، في ميدان مختلف تماماً.
- لقد صارت إسرائيل هي الممسكة بزمام المبادرة في المعركة على الحدود الشمالية على مدار الأسبوعين الماضيَين، وتحاول إملاء وتيرة القتال هناك. صحيح أن حزب الله نجح في تكبيد وحدات المراقبة الجوية في ميرون خسائر فادحة، لكن هذا تسبب أيضاً بتكبيده خسائر فادحة ومؤلمة هو أيضاً، تمثلت في عمليات اغتيال مسؤولين لم يتوقع تنفيذها. وفي حين نقوم باستنباط العبر من القتال في كلّ من غزة والشمال، فإن حزب الله يقوم بعملية مماثلة هو الآخر. وحسابات الحزب، في نهاية المطاف، خاسرة: فلا إطلاق الصواريخ ناجح لديه، ولا إطلاق مضادات الدروع، ولا إطلاق مضادات الطيران. وعلينا الآن أن نفترض أن حزب الله سيقوم بترقية قدرات، تحضيراً للمرحلة المقبلة من المعركة. فإذا تلقينا حتى الآن ضربات (محدودة) من الصواريخ المضادة للدروع الطويلة المدى Kornet-EM، فيمكن الافتراض أننا سنواجه، عمّا قريب، صواريخ مضادة للدروع أُخرى متطورة.
غالانت لم يكن يعرف
- استعداداً للانتقال من أسلوب القتال الواسع النطاق والعنيف في غزة، إلى الحملة المحتملة على لبنان، ارتكب رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي، بالذات، وهو الذي عرف أكثر من الجميع أن يضع إخفاق السابع من تشرين الأول/أكتوبر جانباً، وأن يصبّ تركيزه على القتال، خطأ غير ضروري. فمن دون أن يحيط وزير الدفاع علماً، قام بتعيين سلسلة من العناصر لطواقم التحقيق، حتى قبل أن ينهي الجيش تحقيقه الميداني.
- لقد ادّعى الجيش الإسرائيلي، طوال أعوام، أن التحقيق الميداني يمثل شريان حياة بالنسبة إليه، وأنه يجب إجراء مثل هذه التحقيقات قبل إجراء أي تحقيقات أُخرى. لماذا سارع رئيس هيئة الأركان بهذه الصورة إلى تعيين طواقم تحقيق قبل انتهاء التحقيقات الميدانية في قيادة الجبهة الجنوبية، وفرقة غزة، وشعبة الاستخبارات، وسلاح الجو؟ ولماذا قام بذلك من دون إحاطة يوآف غالانت، الذي يصدّ بجسده، منذ ثلاثة أشهر، محاولات التدخل في شؤون الجيش، ويحميه من هجمات أعضاء الحكومة ومجلس الكابينيت الذين يُعتبر بعضهم شريراً وبعضهم الآخر يعاني جرّاء حماقة مجردة؟ يبدو لي أن تسريب مسألة تركيبة طواقم التحقيق الخلافية التي قام هليفي بتعيينها، لم يأتِ من الجيش. لقد تم دفن فكرة إجراء تحقيق خارجي قبل إجراء التحقيق الميداني. ومن الأفضل لهليفي أن يركز الآن على الحاضر، على تحقيق أهداف الحرب، وألّا يضيع وقته في تعيين طواقم ستقوم بكتابة التاريخ.