رسالة إسرائيل إلى القضاة في لاهاي: ضللوكم، في أفضل الأحوال
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- سأل المحامي كريستوفار ستيكر، "ماذا كان سيحدث، لو طرحوا عليكم هذه الحالة ضد الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ؟". هذا السؤال الذي يهدف إلى طرح الإشكالية في إصدار أمر إجراء طارئ بتهمة الإبادة الجماعية، شكّل إحدى اللحظات القوية جداً في المداولات التي جرت أمس (الجمعة) في محكمة العدل الدولية في لاهاي.
- رفض طاقم الدفاع الإسرائيلي الحديث مع الصحافيين. لا قبل، ولا بعد. إسرائيل لا تريد منح ادعاءات جنوب أفريقيا فرصة للنشر. وتختار، بشكل واضح ومهني، تبنّي ادعاءات قانونية منظمة. أول أمس، طرحت جنوب أفريقيا لائحة اتهام أخلاقية وتاريخية ضد إسرائيل، وخلال الحرب في غزة. لم ينجروا إلى خطابات سياسية، وادعاؤهم كان منظّماً قانونياً، لكنه ركّز على الألم الفلسطيني.
- أمس، قال المحامون من طرف إسرائيل للقضاة- كذبوا عليكم. فالبيانات التي قدمتها جنوب أفريقيا بشأن إدخال المواد الغذائية، أو تحذير السكان بالإخلاء بسبب العمليات العسكرية "مضللة، في أفضل الأحوال"، كما قالت د. غاليت رجوان من وزارة القضاء.
- المحامي الدولي المعروف والمسؤول الكبير في الطاقم الإسرائيلي، هو البروفيسور مالكوم شو. الإسرائيليون في المنزل، كما فهمت، كانوا مستائين من أدائه. لقد تحدث بطريقة غريبة، كما قال لي أحد الأصدقاء. وفعلاً، شو قام بما يجب عليه القيام به: قال إنه ليس لدى المحكمة صلاحية أصلاً للبحث في الاتهامات الثقيلة التي تقدمت بها جنوب أفريقيا. وأنها لم تتطرق أصلاً إلى القضية الأساسية بشأن إثبات وجود نزاع بينها وبين إسرائيل، يستوجب أن تحاول المحكمة حلّه أصلاً.
- أما طال بكار، المستشار القضائي لوزارة الخارجية، فألقى خطاباً افتتاحياً لافتاً، مزج جيداً بين ادعاءات قضائية أساسية (ادعاءات جنوب أفريقيا تتجاهل الحرب في غزة؛ وتقريباً، لا وجود لـ"حماس"، ولذلك، لا يعترفون بحق إسرائيل بالدفاع عن نفسها) وبين طرح الجرائم التي طالت الإسرائيليين يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وكان الطاقم الإسرائيلي حذراً في التشديد، المرة تلو الأُخرى، على أنهم لا يدّعون أن ما حدث يبرر خرق القانون الدولي.
- المحامية رجوان هي التي جاءت بالبيانات المتعلقة باستعمال "كل مستشفى في قطاع غزة" لأغراض عسكرية. ورويداً رويداً، طرح الإسرائيليون صورة مركّبة عن جيش يقوم بجهود كبيرة من أجل عدم إلحاق الضرر بالمدنيين. وبعد أن فصّلت الخطوات الإسرائيلية، بدءاً من إقامة مستشفيات ميدانية، وصولاً إلى التزويد بالمواد الغذائية وبناء مسارات إنسانية وتزويد المستشفيات بحاضنات، والتشديد على عدم قصف المستشفيات، إنما الدخول إليها براً فقط، والخروج بعد تنفيذ المهمة، وتأجيل الدخول البري ومنح المدنيين فرصة، سألت رجوان سؤالاً: هل كانت إسرائيل ستؤجل الدخول البري أسابيع، وكانت ستستثمر موارد كثيرة كي تقول لسكان غزة أين ومتى وكيف يمكنهم الإخلاء... إذا كانت فعلاً تريد إبادة الفلسطينيين ؟
- إسرائيل لم تشدد على الخطابات، بل شددت أكثر على ضُعف ادعاء جنوب أفريقيا. مثلاً- التناقض ما بين "إبادة شعب" وبين الجهود الإنسانية الإسرائيلية. أو عدم الاعتراف الواضح بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. أو كون جنوب أفريقيا نفسها حليفة لـ"حماس"، بحسب الادعاء الإسرائيلي، وضمنه إدانة إسرائيل بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، حتى قبل الخروج في عملية الرد الخاصة بها.
- السؤال هو ما إذا كان هذا كله سيساعد. الإجابة هي أن احتمالات إسرائيل بتفادي أمر طارئ ضئيلة أصلاً. سقف إصدار هذه الأوامر هو قليل جداً. كل ما يجب على جنوب أفريقيا القيام به هو الإشارة إلى وجود أي احتمال لإبادة شعب- وسيتم إصدار الأمر. إلا إن الإسرائيليين قاموا بعمل جيد، خاصة إزاء كل ما يخص الشرح أمام المحكمة لإسقاطات هكذا عمل قضائي في هذه الحالة، عندما يكون الصراع ضد منظمات "إرهابية" مثل "حماس".
- رئيس المحكمة العليا السابق، أهارون باراك، من دون شك، سيحاول تغيير رأي القضاة الآخرين؛ لكن عموماً، القضاة في المحكمة لديهم ميل إلى نشر القرارات بحسب الجو العام الحكومي في الدول التي جاؤوا منها. وبكلمات أُخرى: هذا قرار قضائي بلون سياسي، وعميق جداً.
- العنوان الحقيقي بالأمس لم يكن من لاهاي، إنما من برلين. المتحدث باسم الحكومة الألمانية أعلن أن ألمانيا ستقف إلى جانب إسرائيل، وأن التهم بالإبادة الجماعية ضد إسرائيل لا أساس لها. والأهم أن: ألمانيا ستستعمل هذا البند الذي يسمح لها بأن تكون طرفاً ثالثاً، وتطلب توضيحات من المحكمة بشأن تطبيق المعاهدة ضد إبادة الشعب. وبكلمات أُخرى، الألمان قرروا الدخول إلى المسار القضائي ذاته- وعدم الاكتفاء بالبيانات. هذه الخطوة مهمة جداً، وسيكون لها وزنها في المحكمة بشأن إصدار الأمر الطارئ، الذي سيتم خلال الأسابيع القريبة.