الولايات المتحدة تقيد خطوات إسرائيل التي تواصل تجاهُل تحذيراتها
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- إن ما يحدث الآن في قطاع غزة، وفي طليعته الاقتحام الناجح للجيش الإسرائيلي ولـ "الشاباك" لمستشفى الشفاء، يجري تحت وطأة الظل الثقيل للأحداث في الساحة الدولية؛ ففي الولايات المتحدة، يزداد التوتر بين إدارة بايدن وإسرائيل، على خلفية الصعوبات التي يواجهها تدفُق المساعدة الإنسانية، وانتشار المجاعة، أو وصول القطاع إلى حافة المجاعة. لكن في قطر، تجري جولة محادثات برعاية أميركية في محاولة للتوصل إلى صفقة لإطلاق جزء من المخطوفين.
- ورداًّ على الاستياء المتزايد للإدارة الأميركية، تعهدت إسرائيل قبل نحو 10 أيام بالمساعدة في إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، لكن هذه التعهدات لم تتحقق حتى الآن على الأرض؛ فصحيح أن إسرائيل لا تعرقل إنزال المساعدات الأميركية جواً، أو إقامة رصيف بحري في مدينة غزة، لكنها حتى الآن لم توافق على إدخال السلع إلى شمال القطاع من طريق معبر إيرز، وشحنات المساعدات تصل بوتيرة أقل مما يحتاج إليها القطاع، وهي غير قادرة على المواجهة الفعلية لخطورة الوضع بعد مرور 5 أشهر ونصف الشهر على الحرب. وتحذّر وكالات الإغاثة الدولية يومياً من انتشار المجاعة بين السكان الفلسطينيين، الذين فرّ أغلبهم جنوباً إلى منطقة رفح. والوضع في شمال القطاع خطِر أكثر كثيراً لأن الجيش الإسرائيلي دمر كل المباني والبنى التحتية المدنية في القتال، كما أن جزءاً كبيراً من المساعدات "يُنهب" وهو في طريقه من جنوب القطاع إلى الشمال.
- إن إدارة بايدن، التي أظهرت تأييدها الكبير لإسرائيل طوال الحرب وأظهرت تسامحها الكبير إزاء تهرّب نتنياهو من مناقشة اليوم التالي للحرب في القطاع، غيرت مؤخراً توجهها، ويظهر هذا في الاتصالات التي جرت في الأيام الأخيرة في الأمم المتحدة بشأن نسخة قرار مجلس الأمن الداعي إلى وقف إطلاق النار في غزة. وتشهد الزيارتان الأخيرتان اللتان جرتا هناك هذا الأسبوع على طبيعة المصاعب مع الولايات المتحدة؛ ففي البداية، وصل وزير الدفاع، يوآف غالانت، في زيارة طارئة كي يطلب من الأميركيين الإسراع في تزويد الجيش الإسرائيلي بمنظومات السلاح، ومن بعده سيصل الوزير، رون ديرمر، ورئيس مجلس الأمن القومي، تسحي هنغبي، بناء على طلب من الرئيس الأميركي، جو بايدن، من نتنياهو للبحث في العملية العسكرية الأخيرة التي يتعهد نتنياهو كل يومين بأنها ستبدأ في رفح.
- والمدهش أن الزعامة الإسرائيلية ترفض أن ترى العلاقة بين الأمرين. ويطلب بايدن من نتنياهو ضمانة المحافظة على أمن المدنيين الفلسطينيين وإجلاء منظماً لهم من المنطقة، وفي غياب خطة إسرائيلية مقنعة، فإن الولايات المتحدة تواصل التعبير عن معارضتها الكبيرة لدخول الجيش الإسرائيلي إلى رفح، وفي إمكانها أن تعرقل وتيرة نقل العتاد العسكري الذي يحتاج إليه الجيش الإسرائيلي من أجل القتال في القطاع، وخصوصاً إذا اندلعت مواجهة كبيرة مع حزب الله في لبنان.
- وفي هذه الأثناء، زار وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إسرائيل، وأظهر اللقاء الذي أجراه مع نتنياهو الفجوات العلنية في الموقف بين الدولتين، وأعلن نتنياهو أنه يتعين على الجيش الإسرائيلي دخول رفح "للقضاء على ما بقي من كتائب" لـ"حماس"، حتى لو كانت الإدارة ضد ذلك، وأنه "سيفعل ذلك لوحده" أي على الرغم من المعارضة الأميركية. وعملياً، فإن نتنياهو لا يذكر أن عملية كهذه لن تبدأ خلال شهر رمضان، وأنه من الصعب القيام بها مع وجود الخلافات في الرأي مع الولايات المتحدة، وفي كل الأحوال، فإن هذه العملية تتطلب أيضاً إعداداً طويلاً.
- وبحسب موقع "أكسيوس"، فقد حذّر بلينكن كابينيت الحرب من أن إسرائيل يمكن أن تغرق لفترة طويلة في القطاع إذا لم تضع استراتيجيا للخروج من هناك. وفي تصريحاته للصحافيين، شدد وزير الخارجية الأميركية على أن الإدارة الأميركية مصرّة على بذل "كل ما في وسعها" من أجل التوصل إلى صفقة مخطوفين.
- وفي نهاية الأسبوع، شهدت الدوحة جولة أُخرى من المفاوضات مع الوسطاء من الولايات المتحدة ومصر وقطر، مع بقاء القيادة الخارجية لـ "حماس" في المدينة. واستناداً إلى مصدر إسرائيلي رفيع المستوى، فإن الوفد الإسرائيلي وافق على الاقتراح الأميركي بشأن عدد "المخربين" الذين سيُطلق سراحهم في الدفعة الأولى، بينما "حماس" لم تردّ بعد على الاقتراح. وذكرت القناة الإخبارية 12 أن رئيس "الشاباك"، رونين بار، انضم إلى الوفد بعد خلاف كبير اندلع في كابينيت الحرب بين نتنياهو والوزراء ورؤساء المؤسسة الأمنية. وقد وافق رئيس الحكومة أخيراً على إعطاء الوفد صلاحية محدودة جداً في المفاوضات، وبار هو الذي طالب بإعطاء رؤساء الوفد مجالاً أوسع للمناورة.
- وفي غضون ذلك، فإن القرار النهائي للجانب الفلسطيني متعلق بزعيم "حماس" في القطاع، يحيى السنوار، الذي لا يزال على ما يبدو يختبئ في منشأة تحت الأرض. ووفقاً للتقارير بشأن ردود "حماس" على اقتراحات الوسطاء، فإن هذا يعود إلى الصلة بين السنوار وقيادة الخارج في قطر. وفي جميع الأحوال، فإنه من الواضح أن السنوار هو الحكم النهائي نظراً إلى مسؤوليته عن الإنجاز الذي حققته "حماس"، في نظر أتباعها، في الهجوم "الإرهابي" في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
- إن السنوار ليس موجوداً في مستشفى الشفاء في غزة، حيث تتواصل عمليات الجيش الإسرائيلي منذ أسبوع تقريباً، بيْد أن اقتحام المستشفى يعكس حالة نادرة نسبياً جرت مؤخراً، وتشكل أساساً فعلياً لتفاخر الجيش بأهمية إنجازاته؛ إذ قتل في العملية حتى الآن، وفق الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، 170 مسلحاً من "حماس" والجهاد الإسلامي، واعتقل عدداً كبيراً من المشتبه فيهم. وهذه المرة ليس المقصود رجالاً في سن القتال، إنما المقصود ناشطون معروفون من التنظيمَين. والتحقيقات مع هؤلاء الأشخاص يمكن أن تثمر معلومات استخباراتية قيّمة، تعمق الضرر العملاني الذي لحق بقيادة "حماس"، كما أن استمرار العملية يمكن أن يُستخدم كأداة للضغط على الحركة على خلفية المفاوضات الدائرة في قطر.