العالم ينسى "مجزرة" 7 تشرين الأول/أكتوبر؛ لم يكن وضعنا في الرأي العام العالمي أسوأ مما هو عليه الآن
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
__
- يعترف كبار المسؤولين الحكوميين بأن مكانة إسرائيل في الرأي العام العالمي "لم تكن بهذا السوء من قبل"، ويفيدون بأن الوضع يواصل التدهور، فإذا ما كانت هناك في بداية الحرب احتشادات لدعم إسرائيل والتعاطف معها بعد غارة "حماس"، فإن أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر قد تم نسيانها فعلاً. ويضيف المسؤولون أيضاً أن حدة الاتهامات الموجهة إلى إسرائيل تتزايد، وأن هناك مقارنة للأفعال التي ارتكبتها "حماس" بالادعاءات التي تتحدث عن ممارسة الجنود الإسرائيليين عنفاً جنسياً تجاه الفلسطينيين.
- هذا ويوجه وزراء كبار في الحكومة اتهاماتهم إلى نتنياهو بالإهمال التام للهسبراه، ويقولون إنه "لا يوجد من يمسك بزمام الأمور في هذا الجانب، ويمثل هذا الأمر تخلياً تاماً عن المسؤولية، من شأنه أن يؤدي إلى انتشار العقوبات ضد إسرائيل، وإذا لم نستيقظ الآن، فإن الوقت سيكون قد تأخر كثيراً. يجب فعل أمر ما كبير من ناحية الـهسبراه؛ يجب تجنيد الشعب اليهودي [في العالم] وإطلاق حملة توعوية دولية، لكن لا يوجد في إسرائيل قائد يقود هذه الخطوة، ونحن نخسر، فأصدقاء إسرائيل يقولون لنا: ’نحن ندعمكم، لكنكم تخسرون الرأي العام‘." وقد أضاف مسؤول كبير في منظومة الدعاية الإسرائيلية قائلاً: "لقد تم تحييد وزارة الخارجية، وسحب جميع ميزانياتها، والآن، وزارة الخارجية لا تملك فلساً واحداً، ولم يصل المال إلى الوزارة حتى اليوم. نحن نعمل بميزانية تبلغ مليونَي شيكل [أكثر من نصف مليون دولار بقليل] منذ بداية السنة. وتحصل كل قنصلية في الولايات المتحدة على مبلغ 5000 دولار مخصصة لنشاط الهسبراه، وهذا المبلغ ينبغي أن يغطي احتفالات يوم الاستقلال أيضاً. ويتعين، على سبيل المثال، على القنصلية الإسرائيلية في بوسطن، المسؤولة أيضاً عن العمل الطلابي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، أن تناضل دعائياً بميزانية لا تتجاوز هذا المبلغ. والأمر ليس سوى محض نكتة حين تم، في هذا الوقت، تلفيق ملف لخطيب مفوه كإيلون ليفي [الناطق بلسان الحكومة الإسرائيلية باللغة الإنجليزية، الذي تم إقصاؤه من منصبه بعد كتابته تغريدة ضد وزير الخارجية البريطاني كاميرون]، وهو أحد القلائل الذين أتقنوا فن الهسبراه بذكاء حاد، وبصورة جميلة وصحيحة، وفصْله من موقعه."
"الصور الفظيعة تقوّض شرعية القتال"
- تتحدث التقارير الداخلية للجهات الممثلة الإسرائيلية في الولايات المتحدة عن حال شديد الخطورة لتغطية وسائل الإعلام الأميركية لإسرائيل، وقد جاء في أحد هذه التقارير أن "وسائل الإعلام قد انتظرت إشارة من جانب الإدارة الأميركية تلمّح إلى تغيير السياسات، وحين وصلت هذه الإشارة، انفك اللجام، وتم نشر انتقادات سامة ضد إسرائيل كانت قائمة لدى المحررين طوال الوقت. والتقارير الصعبة الآتية من القطاع، إلى جانب التوترات الداخلية في الولايات المتحدة، تهدد بدفع المراسلين المعتدلين من التيار السائد إلى تبنّي مواقف نقدية تجاه إسرائيل، والمطالبة بوقف فوري ودائم لإطلاق النار. أمّا الضغوط التي تمارَس على إدارة بايدن لتصليب مواقفها تجاه إسرائيل، واشتراط الإمدادات العسكرية بتغيير السياسات الإسرائيلية، فهي تمثل علامة تحذيرية بشأن المستقبل. إننا، إذا أردنا أن نمثّل الأمر كما لو كنا نقف عند إشارة ضوئية، فإننا الآن نقف أمام إشارة برتقالية داكنة. هناك تغيير في المواقف لدى الجهات المحافظة المؤيدة لإسرائيل عادة؛ فبينما كان الإعلام المحافظ في الماضي يدعم الخطوات الإسرائيلية بالكامل، فإننا بدأنا نسمع، في هذه الأيام، أصواتاً تشكك في تناسبية العمل الحربي الإسرائيلي. ومع أنه من غير المتوقع، موقتاً، أن نسمع من وسائل الإعلام هذه مطالب بوقف إطلاق النار، إلاّ إنه من دون إجراء تغيير حقيقي يطال المسألة الإنسانية في غزة و/أو التحدث عن آفاق لحل سياسي، فإن الانتقادات في وسائل الإعلام ستتصاعد."
- وقد ورد أيضاً أنه "في الشهر الماضي، تحولت وسائل الإعلام في الولايات المتحدة إلى صب اهتمامها على الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، إذ تم التركيز بصورة خاصة على معاناة سكان رفح في ظل إمكانات توسيع نطاق الحملة البرّية واقتحام المدينة. ولقد أغرقت وسائل الإعلام الكبرى الشاشات ومانشيتات الصحف بصور الأطفال الجائعين، المصابين بالصدمة، وأطلال المنازل والمشافي. أمّا التقارير والقصص الشخصية التي تُنقل عن رفح، فقد أثارت التعاطف تجاه المعاناة الفلسطينية، والغضب تجاه النشاط العسكري الإسرائيلي.
- وعلى الرغم من أن معظم وسائل الإعلام قد تجنبت اتهام إسرائيل بالتسبب القصدي بالأزمة، وأن هذه الوسائل لا تنفي حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، فإن هناك جدلاً ساخناً في أعمدة الرأي بشأن تناسبية استمرار الحملة العسكرية في صورتها الحالية وأخلاقيتها. إن الأصوات النقدية التي كانت مقصاة في الماضي، تحظى الآن بمنصة أوسع، وتتركز التقارير على النطاق الهائل للأضرار الإنسانية والأذى المتسبَب به للأبرياء، والذي يدّعي كثير من المحللين أنه غير مبرر، ولا يتسق مع القيم الأخلاقية للحملة. كما أن كتّاب أعمدة الرأي المعروفين بدعمهم في السابق لإسرائيل قد اعترفوا بأن الصورة الخطِرة تقوض شرعية الحرب. وعلى هذه الخلفية، فقد بدأ يتنامى خطاب واضح في أوساط الكتّاب الليبراليين، و هذا الخطاب يرى إدارة بايدن بسياسته المتمثلة في إمداد إسرائيل بالمعونة العسكرية، والمظلة الدبلوماسية، مسؤولة عن الوضع القائم، أو على الأقل، يصف هذه الإدارة بأنها قادرة على إنهائها."
- وعلى الصعيد ذاته، فقد كشف مسح واسع النطاق، أجراه معهد الأبحاث الأميركي الشهير "PEW"، في دراسة لآراء الأميركيين بشأن حرب إسرائيل و"حماس"، أن أغلبية يهود الولايات المتحدة (نحو 89%) يفترضون أن الأسباب التي تدفع إسرائيل إلى الحرب ضد "حماس" شرعية، بينما 16% من اليهود الأميركيين يفترضون أن الأسباب التي دفعت "حماس" إلى محاربة إسرائيل شرعية. وفي المقابل، فإن 18% من المسلمين في الولايات المتحدة يرون دوافع إسرائيل شرعية، بينما يفترض نصف المسلمين الأميركيين أن دوافع "حماس" لمحاربة إسرائيل شرعية.
- واستناداً إلى ذلك، فإن العشرات من مقالات الرأي المنشورة مؤخراً تشتمل على تشكيلة واسعة وغير مسبوقة من المواقف فيما يتعلق بشرعية الجيش الإسرائيلي، والأزمة الإنسانية، ومسألة وقف إطلاق النار، ومستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل؛ إذ تميل وسائل الإعلام القريبة من الخط المحافظ، على غرار "وول ستريت جورنال" و"نيويورك بوست" إلى تقديم الدعم التام إلى إسرائيل، وتقف مع استمرار القتال ضد "حماس"، وتمتنع من الدعوة إلى الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار. وفي المقابل، فإن الصحف التي تمثل الوسطيين واليسار الليبرالي، وعلى رأسها "نيويورك تايمز" و "واشنطن بوست"، توجه انتقادات إلى تصعيد القتال، مع التركيز على الآثار المدمرة الظاهرة للقتال على المدنيين الفلسطينيين، وهي بهذا تطالب بوقف إنساني وفوري لإطلاق النار، وفق ما ورد في التقارير الداخلية المتداولة بين القنصليات الإسرائيلية.
- وتكشف هذه التقارير أيضاً تآكُل المكانة الإسرائيلية في واشنطن بسبب التصعيد. وقد انعكس ذلك بوضوح في تصريحات الرئيس بايدن بشأن الخط الأحمر المتعلق بالنشاط العسكري في رفح، وفي الخطاب الذي ألقاه رئيس مجلس الشيوخ الأميركي. ولا يتوقع أغلبية المحللين السياسيين حدوث انعطافة حقيقية في العلاقات الإسرائيلية الأميركية على المستوى الفوري، لكنهم قد حذّروا من ضرر سياسي ممكن للطرفين. وإلى جانب ذلك كله، فإن الدعوات إلى جعل المساعدات العسكرية الأميركية مشروطة، كوسيلة للضغط على إسرائيل لكي تغير من سياساتها تتصاعد. وبعكس ذلك، فقد بتنا نسمع تحذيرات من أن مجرد مناقشة الأمر يمكن أن تجعل "حماس" أكثر تصلباً في مواقفها، بهدف ضرب فرص وقف إطلاق النار. وبينما وسائل الإعلام المحافظة تستعرض السياسات الإسرائيلية بصفتها دفاعاً شرعياً عن النفس، فإن وسائل الإعلام الليبرالية توفر منصة للكتّاب الذين يرددون السردية الفلسطينية، والذين يقومون بذلك، في بعض الأحيان، مستخدمين خطاباً يتهم إسرائيل بالأبارتهايد، والذبح الجماعي أيضاً. إن أعمدة الرأي التي تدعو الإدارة الأميركية إلى التنصل من دعمها لإسرائيل، أو جعْله مشروطاً، لم تعد أصواتاً نادرة، وقد بتنا نسمعها أيضاً من محللين يُعتبرون معتدلين.
- وكما نشرنا في السابق، فإن وثيقة أميركية تتناول الحرب الدائرة في غزة قد انتشرت عبر وسائل الإعلام الأميركية، وقد كشفت الوثيقة أن إدارة بايدن قلقة إزاء طريقة إدارة الحرب. وقد تم في هذه الوثيقة تأكيد عدم شعبية النشاط العسكري الإسرائيلي في القطاع، كما ادعت أن "إسرائيل ترتكب خطأ استراتيجياً كبيراً."
- ويشير ملخص التقارير المشار إليها أيضاً إلى أن هناك تقارير نُشرت في كل من "واشنطن بوست" و"ديلي بيست" تؤكد نجاعة نشاط المؤيدين للفلسطينيين في التأثير في الرأي العام الأميركي، وخصوصاً في أواسط الناخبين الديمقراطيين التقدميين. وتشير التقارير إلى عدم الرضى المتصاعد عن دعم إدارة بايدن لإسرائيل، والتي يتم التعبير عنها بالتصويت المتفق على تسميته بـ "Uncommitted" في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، والاضطرابات التي شهدتها النشاطات التي أقامها مسؤولون في الحزب. ولقد نجحت تكتيكات عمل هؤلاء الناشطين، إلى جانب الدعوة إلى وقف إطلاق النار، واستخدام مصطلح "الإبادة الجماعية"، في الإبقاء على النزاع في قلب الجبهة السياسية الوطنية الأميركية، وتصعيد الضغط على الإدارة الأميركية من أجل تخفيف دعمها. إن استعداد الساسة الديمقراطيين المتصاعد لتوجيه النقد إلى إسرائيل يشير إلى تغييرات في الموقف التقليدي للحزب، ويؤدي إلى فك اللجام عن وسائل الإعلام أيضاً. إن قمة هذه التوجهات قد ظهرت في خطاب زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، تشاك شمر، الذي أطلق توصيف "عقبة في وجه السلام" على نتنياهو، واتهمه بضرب مكانة إسرائيل، داعياً إلى عقد انتخابات مبكرة في إسرائيل.