نصف السنة الأول من الحرب أخرج التعطش إلى الدماء والسادية إلى العلن
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- اليوم هو ذكرى مرور نصف سنة على الحرب، ويبدو أنها لن تكون هذه المرة الأخيرة التي نحيي فيها هذه الذكرى، وليست لدى أحد في إسرائيل فكرة بشأن الكيفية التي ستكون فيها نهاية إحدى أبشع الحروب في تاريخنا، والتي تتراكم أضرارها بسرعة مذهلة بينما إنجازاتها توازي الصفر، وهي فعلياً غير موجودة. لذلك، فعلينا أن نستجمع شجاعتنا، ونقول في ذكرى مرور نصف سنة على الحرب: "كان من الأفضل لو لم تنشب."
- كلا كلا، لم يكن هناك خيار أمام إسرائيل إلاّ خوض هذه الحرب، لكن إذا كانت هذه هي نتائجها، فكان من الأفضل لو أن إسرائيل تصرفت بضبط للنفس وعاقبت من كان يجب أن تُعاقب على "فظائع" 7 تشرين الأول/
- أكتوبر، وتمضي قُدُماً، حينها، كان الجميع سيربحون باستثناء الأنا الذكورية والعسكرية لإسرائيل، والتي دائماً تفرض العقاب والانتقام من دون حدود، ومهما يكن الثمن. هذه سياسة صبيانية وحمقاء بصورة لا يمكن تصوُرها، والمخيف أن إسرائيل ستتصرف بهذه الطريقة إزاء إيران أيضاً.
- ولن يكون في إمكان أي مجهر إلكتروني دقيق ومتطور ينقّب في أنقاض غزة أن يعثر على إنجاز واحد حققته إسرائيل في الحرب، ويمكن بالعين المجردة رؤية جبال من الركام غير المسبوق.
- لقد كتبنا عن هذا كله من دون أن ننجح أو نؤثر، لكن الأخطر من كل شيء هو تقويض الوجه الأخلاقي لإسرائيل ومن بعده مكانتها في العالم، وهذه أمور لا رجعة عنها. ستحتاج روسيا إلى سنوات من أجل ترميم مكانتها بعد حربها على أوكرانيا، وأيضاً إسرائيل ستحتاج إلى سنوات لترميم مكانتها بعد غزة، لكنها ليست روسيا، وتعرُّضُها للإيذاء أكبر كثيراً.
- إذا افترضنا أن من كل الأوصاف المعادية للسامية في العالم جزء منها صحيح، فإن كل من يرى ما تفعله إسرائيل في غزة مُنْتَظَرٌ منه أن يكرهها ويشمئز منها. لكن افترضوا أن العالم يرى ما يحدث لنا؛ فقد كنا دائماً لامبالين إزاء معاناة الفلسطينيين، أمّا الآن، فقد سجلنا أرقاماً وحشية. وفي منشأة الاعتقال في سديه تيمان، يجري بتر الأطراف بصورة عادية وكأن شيئاً لم يحدث، وهذا بالإضافة إلى أن 17,000 طفل أصبحوا أيتاماً ومتروكين لمصيرهم في القطاع، ولا يوجد أي رد، والأطباء في سديه تيمان لا يحتجون على ما يجري، ولا المسؤولون عن الأطفال الموتى والجياع والقتلى. لا أحد يحتج على وحشيتنا، وليس فقط على أفعالنا، وقبل كل شيء، لا أحد يحتج على لامبالاتنا.
- في السابق، كان هناك إسرائيليون يصدمون ويتحركون، وهؤلاء لم يعد لهم وجود تقريباً. هناك طبيب واحد مخلص في سديه تيمان كتب رسالة، ولا نعلم إذا كان لا يزال يواصل تعاونه مع الشر. قبل نصف عام، في 7 تشرين الأول/أكتوبر، دُمر ضمير الإسرائيليين، وصار جدول الأعمال اليوم إسرائيلياً بالكامل، وليس هناك أحد غيرنا، إنما توجد فقط مأساتنا ومعاناتنا وضحايانا، أمّا الآخرون، فليذهبوا إلى الجحيم.
- إن ألسنة النيران التي أحرقت مركز الطب المركزي في غزة، أحرقت أيضاً روح إسرائيل التي كانت في مشكلة قبل ذلك. وفي نهاية هذه الحرب، سيصبح قطاع غزة مدمَراً وميتاً، وسنرى صورة أُخرى لنا في المرآة، والعالم سيتعامل معنا كما هو منتَظَر منه أن يتعامل مع أي دولة شريرة تتصرف بهذا الشكل.
- سيدرك المزيد من الإسرائيليين ما جرى، وسيجرؤون على الكلام وسيستيقظون. الآن، تتزايد الدعوات إلى وقف الحرب فوراً ومن دون شروط، من صفحات "هآرتس"، لكنها متأخرة ومترددة. والتعطش إلى الدماء والسادية خرجا إلى العلن في الستة أشهر الأولى من الحرب، وهما يُعتبران سياسة صحيحة في إسرائيل.
- ونصف السنة الثاني يمكن أن يكون أسوأ من الأول؛ فاجتياح رفح يمكن أن يتسبب بمذابح لا تُقارَن بما فعلناه سابقاً، وإذا حدث ذلك، فإن الشمال سيشتعل، وإيران ستثور. إذاً، من الأفضل عدم دخول سيناريوهات رعب حقيقية للغاية. ستواصل إسرائيل استقبال جثث أسراها كما جرى في الأمس، وستنضم الضفة إلى الحرب وللمرة الأولى في تاريخها، وستجد إسرائيل نفسها وحيدة في مواجهة هذا كله. فمن الأفضل أن نتوقف الآن، ويجب وقف كل نظريات نهاية العالم المرعبة، ووقْف الحرب. نصف سنة من الحرب كان كافياً بالنسبة إلينا، وأكثر من كافٍ.