احتمالات توسيع الحرب بين إسرائيل وحزب الله
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- القتال الكثيف والمستمر على الحدود الشمالية منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر، يحمل طابع "حرب الاستنزاف"، لكنه يدور حولها سؤال متى وعما إذا كانت ستتحول إلى حرب شاملة (بما معناه، حرب يستعمل فيها حزب الله سلاحه كله، ويهدد الجبهة الداخلية الإسرائيلية). فهذه الحرب، على الرغم من حجمها المحدود على صعيد المناطق الجغرافية والأدوات القتالية، فإنها تنطوي على دينامية تصعيد على صعيد الضربات وخطورتها، وأيضاً على صعيد الضرر المتراكم لدى الطرفين.
- استناداً إلى طريقة عمل حزب الله - وهو الموجِّه والقائد أيضاً لعمليات جهات أُخرى تقاتل إسرائيل من لبنان، من لبنانيين وفلسطينيين، وذلك عبر التنسيق مع مكونات محور المقاومة بقيادة إيران- يبدو أن التنظيم معنيّ بالحفاظ على القتال المحدود، من أجل الحفاظ على بقاء الجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية في إطار ما يسميه الأمين العام للحزب، حسن نصرالله، "جبهة الإسناد" للفلسطينيين. حزب الله معنيّ بجعل إسرائيل تواجه صعوبات في تحقيق أهدافها في غزة، وبالدفع إلى إنهاء الحرب. التنظيم أيضاً يلتزم عدم المبادرة إلى توسيع الحرب في مواجهة إسرائيل، ويستعمل أسلحة ذات مدى قصير، على الرغم من أنه بدأ منذ كانون الثاني/يناير باستعمال صواريخ إيرانية متطورة مضادة للدروع (موجهة بصرياً)، وأيضاً صواريخ "بركان" وصاروخ "فلك" (مخصص للمسافات القصيرة، لكنه يحتوي على كميات أكبر من المتفجرات)، وهو ما يؤدي إلى أضرار أكبر. وخلال الأسابيع الأخيرة، تصاعد استخدام المسيّرات الهجومية، ولو كان ذلك على نطاق محدود نسبياً. هذا بالإضافة إلى أن التنظيم لا يوسّع مسافة إطلاق النار، إلا كردّ على عمليات خاصة للجيش. وفي البيانات اليومية للحزب، يصرّح بأن ضرباته موجهة فقط ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، وهو لا يخرج عن هذه القاعدة إلا عندما يستهدف الجيش المدنيين.
- يشير فحص ميزان القتال الميداني إلى أنه على الرغم من الطابع المحدود، يستطيع حزب الله تسجيل عدة إنجازات، يقوم نصر الله، عادةً، بالتفاخر بها في خطاباته: الحفاظ على وجود الجيش في الجبهة الشمالية في محاولة لاستنزافه؛ إلحاق ضرر بمواقع وقواعد الجيش؛ إسقاط عدد من المسيّرات الإسرائيلية؛ هدم بنى تحتية، ومبانٍ مدنية، وبيوت سكنية، وأيضاً مصالح زراعية على طول الحدود؛ وضحايا في الأرواح، حتى لو لم يكن عددهم كبيراً نسبياً (سقط حتى الآن 18 إسرائيلياً، بينهم 10 جنود). إنجاز حزب الله الأكبر ينبع من القرار الإسرائيلي إخلاء 43 بلدة على طول الحدود (نحو 60 ألفاً) خلال الأيام الأولى من الحرب، وخلق منطقة واسعة خالية من السكان في الشمال، للمرة الأولى منذ سنة 1948.
- وعلى الرغم من ذلك، وبسبب التفوق الجوي والدفاع الفعال للجيش، وأيضاً استراتيجية المبادرة الهجومية التي تبنّاها، فإن إسرائيل استطاعت إلحاق الضرر بحزب الله والمجموعات المقاتلة الأُخرى، وتسيطر أيضاً على درجات التصعيد. ألحق الجيش الضرر بالبنى، والمباني العسكرية، والمواقع القيادية والأدوات القتالية لحزب الله بشكل واسع، وضمن ذلك سلسلة من الضربات في العمق اللبناني (عدة مرات في بعلبك، وفي منطقة صور). وبحسب أقوال الجيش، خلال النصف عام الذي مضى، تم استهداف نحو 5000 هدف في لبنان وإحباط محاولات اختراق وإطلاق صواريخ من هناك. فضلاً عن أن حزب الله تكبد خسائر كثيرة في الأرواح أيضاً. وبحسب أرقام التنظيم، قُتل أكثر من 275 مقاتلاً، بينهم قياديون كبار و7 مسؤولين كبار من قوة الرضوان (بالإضافة إلى استهداف قيادات من "حماس"). ويجب الافتراض أن العدد أكبر من ذلك. يبدو أن ناشطي قوة الرضوان انسحبوا من المناطق الحدودية، وتلقّوا ضربات أيضاً من سلاح الجو خلال القصف المستمر في سورية (ناشطون، وأيضاً أدوات قتالية كانت في طريقها من إيران إلى الحزب).
- أمّا بالنسبة إلى إمكان قيام حزب الله بمبادرة لتوسيع القتال في إطار الخطة المقررة مسبقاً، أو استغلال الفرصة بسبب الحرب في غزة - بمرور الوقت، يتعزز التقدير أن حزب الله غير معنيّ بذلك في هذه المرحلة. هذا الفهم يستند إلى عملياته العسكرية المحدودة، وأيضاً إلى تصريحات نصر الله العلنية وقيادات الحزب الأُخرى. يبدو أن الأسباب التي تكبح حزب الله لم تتغير، وهي: موقف إيران، المعنية بالحفاظ على قوة التنظيم الأساسية لحاجاتها، والاكتفاء باستنزاف إسرائيل لتحقيق هزيمتها في غزة؛ التدخل الأميركي إلى جانب إسرائيل والتخوف من أن تتحول الحرب إلى حرب إقليمية مع إيران، وتُجرّ الولايات المتحدة إلى التدخل بصورة مباشرة؛ وتخوّف حزب الله من الضرر والخسائر المتوقعة جرّاء حرب شاملة على التنظيم نفسه والمجتمع الشيعي الموالي له في لبنان، وعلى الدولة اللبنانية عموماً (الوضع في غزة هو نموذج حيّ من قدرة إسرائيل التدميرية وجاهزيتها لتفعيلها)؛ وأيضاً عامل المفاجأة- تجهيز الجيش في الجبهة الشمالية وإخلاء البلدات الحدودية.
- هذا بالإضافة إلى أنه على الرغم من تنسيق الخطاب العلني بين سياسة حزب الله وحكومة تصريف الأعمال في لبنان، فإن الأصوات المعارِضة لحزب الله، داخلياً، تتصاعد مع استمرار القتال، والادّعاء الأساسي أن حزب الله يجرّ لبنان إلى حرب هو غير معنيّ بها، أو ليس جزءاً منها، وهو ما يهدد بتدمير الدولة "الفاشلة" التي تعاني منذ عدة أعوام جرّاء أزمة اقتصادية وفراغ سياسي (منذ أيار/مايو 2022، تحكم لبنان حكومة انتقالية، ومنذ تشرين الأول/أكتوبر، لم يُنتخب رئيس). وتشارك في هذه الانتقادات جهات كثيرة من الجمهور اللبناني، "حتى أنه تم إعلان إقامة حزب شيعي يعارض حزب الله". أحد الأصوات البارزة في معارضة الحرب يصدر في الأساس عن الأحزاب المسيحية كلها، وضمنها الحزب المسيحي الأكبر "التيار الوطني الحر" الذي يتزعمه جبران باسيل الذي كان حتى وقت قصير في المعسكر الداعم لحزب الله. وخلال حفل إفطار في رمضان يوم 5 نيسان/أبريل، قال باسيل "إن مَن يعتقد أنه يمكنه هزيمة إسرائيل فهو مخطئ" [هذا الكلام مجتزأ، إذ ورد في الخطاب المذكور ما حرفيته: "واهمٌ مَن يظن أنه يمكننا مواجهة عدو كإسرائيل، إذا كنا مشتتين ودولتنا في الأرض ووحدتنا مهددة وشراكتنا على المحك - المحرر]. وأن جميع اللبنانيين غير معنيين بالحرب، وطالب في مؤتمر صحافي يوم 10 نيسان/أبريل بشكل علني الجهات الدولية والإقليمية بالدفع بوقف إطلاق النار في الجنوب اللبناني من دون أي علاقة له بالحرب في غزة، على عكس الموقف المعلن لحزب الله.
- توجد أيضاً حالة من عدم الرضى، وخصوصاً في أوساط سكان القرى في الجنوب اللبناني: أكثر من 90 ألف نازح شمالاً. هؤلاء، شأنهم شأن السكان الذين بقوا في منازلهم، فهم يتكبدون خسائر في أملاكهم، ويواجهون صعوبات اقتصادية بسبب الحرب: البنى التحتية دُمّرت؛ والمدارس أغلقت أبوابها؛ والمناطق الزراعية الواسعة دُمّرت، والأحراش حُرقت؛ وأكثر من 50 مدنياً قُتلوا. هذا بالإضافة إلى أنه تم الكشف ("صحيفة الشرق الأوسط"، 26 آذار/مارس) عن معارضة سكان القرية المسيحية "رميش" استعمال حزب الله القرية لضرب إسرائيل، ومحاولتهم منعه. وفي جلسة حكومة تصريف الأعمال اللبنانية (4 نيسان/أبريل)، أعلن رئيس الحكومة نيته إعلان الجنوب اللبناني "منطقة منكوبة زراعياً"، وطلب مساعدة دولية. وبحسبه، إن المتضرر الأساسي هو القطاع الزراعي (75% من المزارعين فقدوا مصادر دخلهم)، وقدّر وزير الزراعة أن الحديث يدور حول أضرار بمليارات الدولارات.
- وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يمكن إلغاء إمكان اندلاع حرب واسعة، قد تتوسع إلى حرب شاملة (تنضم إليها جهات "محور المقاومة" الإضافية) وتكون مدمرة، وتتسبب بسقوط العديد من الضحايا من جميع المشاركين فيها. هذا التطور، يمكن أن يحدث في سيناريوهَين مركزيَين: الأول، يستند إلى تقديرات أن دينامية القتال الحالية تتصاعد طوال الوقت، ويمكن أن تؤدي إلى انجرار لا يمكن السيطرة عليه. وفي الأساس بسبب الربط الذي يقوم به حزب الله بين استمرار القتال على الحدود اللبنانية واستمراره في قطاع غزة (نصرالله ومتحدثون آخرون من التنظيم يؤكدون أن وقف القتال سيتحقق فقط بعد أن توقف إسرائيل الحرب في غزة)؛ وأيضاً في حال طلبت منه إيران مزيداً من التدخل، إذا توسّعت المواجهة المباشرة بينها وبين إسرائيل، بالإضافة إلى معلومات عن الغضب الإيراني من التدخل المحدود لحزب الله في الضربة التي نفّذتها ضد إسرائيل يوم 13 نيسان/أبريل،هذا يشير إلى أن التنظيم يحافظ على "استقلالية القرار" (حزب الله اكتفى بإطلاق النار على أهداف الدفاع الجوي في هضبة الجولان بالتزامن مع الضربة الإيرانية، وبرر ذلك بأنه ردّ على ضربات سابقة نفّذتها إسرائيل في الجنوب اللبناني)، استناداً إلى الخط العام الذي طرحه حزب الله في خطاباته، وبحسبه، الإيرانيون قادرون على الرد على الضربات الإسرائيلية ضدهم.
- أمّا السيناريو الثاني، فإنه يتعلق بالقرار الإسرائيلي- خطوة استباقية واسعة تتخطى "قواعد اللعبة" بهدف تغيير الواقع في هذه الجبهة الأمنية، أو الادراك أنه بعد إنهاء القتال الأساسي في القطاع يمكن التفرغ لإزالة تهديد حزب الله في الشمال، أو انطلاقاً من الحاجة الملحّة إلى إعادة النازحين إلى منازلهم في هذه المنطقة.
- ما دام القتال لا يزال مستمراً، ولم يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار، فمن المهم لإسرائيل الاستمرار في ضرب قدرات حزب الله بقدر المستطاع، ومحاولة تغيير قواعد اللعبة التي يحاول فرضها. وفي الوقت نفسه، على إسرائيل إقامة حوارات مستمرة مع الإدارة الأميركية لاستنفاد الترتيبات السياسية، بما يتلاءم مع المقترحات التي قدمها الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين. الترتيبات التي تجري تتضمن حلاً تدريجياً، في إطاره: في المرحلة الأولى يجري وقف إطلاق النار، وتنسحب قوات حزب الله عدة كيلومترات من الحدود، مع تعزيز الرقابة في الطرف اللبناني لمنع وجود فعال للتنظيم على الحدود من أجل السماح للسكان من الطرفين بالعودة إلى منازلهم؛ وفي المرحلة الثانية، مفاوضات بشأن تطبيق قرار مجلس الامن 1701 وترسيم الحدود البرية. يمكن أن يوافق حزب الله على هذا المقترح إذا تم التوصل إلى هدنة في قطاع غزة وتطبيقها لخلق واقع أمني محسّن، يسمح بعودة النازحين إلى منازلهم، بالإضافة إلى خطوات تعزز الشعور بالأمن لديهم، مثل تغيير انتشار الجيش على طول الحدود؛ وتعزيز العناصر الأمنية في البلدات وتحسين الدفاع عن السكان. وفي جميع الأحوال، في الظروف الحالية للحرب في غزة، من الأفضل الامتناع من شن حرب شاملة ضد حزب الله، ويجب تأجيل الجهود بشأن إزالة التهديد إلى موعد آخر. وعلى الرغم من ذلك، فإذا جرى أي تصعيد إضافي في المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل، فإن احتمالات جرّ حزب الله إلى المعركة ستصبح أكبر بشكل يغيّر كلياً إدارته الحذرة والمحسوبة للقتال مع إسرائيل حتى الآن.