التظاهرات في الأكاديميات الأميركية: لدى إسرائيل طُرُق جيدة لاستئصالها
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- تتغذى التظاهرات في الجامعات الأميركية، بين أُمور أُخرى، بأموال كثيرة من يهود وإسرائيليين سابقين يقومون بتمويل ناشطين مهمتهم تأجيج الأجواء وتوسيع التظاهرات. لكن قبل أن تجرف هذه التظاهرات الغرب نحو خطاب معادٍ للسامية، ومسموم يعود إلى القرنَين التاسع عشر والعشرين ولا يزال موجوداً، فإن لدى إسرائيل طُرُقاً جيدة لاستئصالها من جذورها، وحان الوقت لبذل جهد خاص في الموضوع وتفعيل هذه الطُرُق.
- وقد كشف التحقيق الذي نشرته "نيويورك تايمز" في 26 نيسان/أبريل مجموعة من الاكتشافات المهمة، الأمر الذي يفرض علينا المعالجة والعمل على مواجهة تصاعُد العداء للسامية في الجامعات في الولايات المتحدة. ولدى مراجعة سريعة لتسلسُل الأحداث، التي بدأت بتظاهرات متفرقة وسط 3 جامعات كبرى في الولايات المتحدة، ترافقت مع كلام عنيف ضد الطلبة الإسرائيليين أو مَن هم من أصل يهودي، جرى استدعاء رؤساء هذه الجامعات البارزة إلى جلسة استماع في الكونغرس، جرى خلالها الدفاع عن حرية التعبير، ثم طُلب منهم بعدها تقديم استقالتهم (فقط رئيسة جامعة هارفرد قدمت استقالتها في نهاية الأمر).
- واعتمدت التظاهرات بصورة أساسية على الرواية الكاذبة لـ "حماس"، والتي نجحت في زرعها في وسائل التواصل الاجتماعي، القائلة إن سكان غزة يعانون جرّاء الجوع، وهذا أحد المكونات، بالإضافة إلى موضوع الدمار الذي بواسطته ترتكب إسرائيل حرب إبادة بحق سكان القطاع.
- وقد التحق بالموجة طلبة تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً من أصحاب الأفكار التقدمية التي تدافع عن الضعفاء في وجه الأقوياء، وعن المساواة في الحقوق ووقف العنف وغيرها، وجرّوا وراءهم طلبةً مسلمين وآخرين صرخوا أحياناً عن جهل بشعارات تدعو إلى تدمير إسرائيل من النهر إلى البحر من دون أن يعرفوا عن أي نهر وبحر يتحدثون.
- وكان الرد عنيفاً، وجاء من أعلى السلطات الرسمية، ومنذ ذلك الحين، جرى كبْح الخطاب العنيف في الجامعات، وانخفضت حدته، وتراجعت الضجة التي أثارها لفترة طويلة نسبياً.
- وقد كانت إدارة بايدن نفسها، عبْر سعيها للموازنة بين دعمها لإسرائيل والتأكيد للجمهور الأميركي أنه إلى جانب المساعدة الكبيرة التي تقدمها إلى إسرائيل فإنها أيضاً تنتقد بشدة خطواتها وتسيطر على الأحداث، هي التي بدأت تردد شعارات عن الجوع في غزة، وعن حاجة إسرائيل إلى إدخال مساعدات إنسانية إلى غزة بكميات أكبر كثيراً إلى القطاع.
- وبهذه الطريقة، ومن دون قصد (وربما عن قصد)، عززت الإدارة الأميركية السردية الكاذبة التي سعت "حماس" لترسيخها بشأن الجوع في القطاع، ومن هنا، انفتح الطريق أمام الادعاء الكاذب بالإبادة الجماعية الذي علا في الأفق بدفع مقصود من "حماس"، وعبْر منصة مريحة جداً لاستقطاب الشباب الذين لا يعرفون ما يحدث فعلاً، ويعيشون في عالم "التيك توك" و"الإنستغرام"، إلى جانب طلبة مهاجرين لديهم أجندة داخلية.
- وبهذه الطريقة، أزالت الاحتجاجات في الجامعات الأميركية كل الضوابط، وتحولت من حديث عن السياسة المستقيمة [political correct] المتعارف عليه في الولايات المتحدة، إلى تظاهرات عنيفة جسدياً ولفظياً، وإلى "مطاردة" طلبة يهود وإسرائيليين، كانوا قبل أسابيع زملاءهم في الدارسة، للتنفيس عن غضبهم وجهلهم، ومنْعهم من الدراسة كما يجب.
- أمّا في كولومبيا، فقد ذهبت الأمور إلى أبعد من ذلك، إذ أدت التظاهرات إلى منع دخول العضو في السلك التعليمي، البرفسور شاي دفيدائي، إلى حرم الجامعة، وجزء من المحاضرين انضم إلى التظاهرات وإلى الطلبة المشاغبين، وأمرت رئيسة الجامعة بأن تُعطى الدروس حتى نهاية السنة الدراسية عبْر تطبيق "زوم" فقط.
- هناك من سيقول: "حسناً، كل هذا سيهدأ عندما تنتهي الحرب، لكنني أقول العكس تماماً، فهذه ظاهرة خطِرة جداً يمكن أن تتخطى حدود الجامعات الأميركية، وتتحول إلى خطاب عام واسع، وتمتد إلى جامعات أوروبية وإلى سائر الغرب. وفي رأيي، فإن كرة الثلج المعادية للسامية لن تختفي مع انتهاء الحرب، إنما ستتمدد وستتخذ أشكالاً، وقبل كل شيء، ستصبح سمة أساسية في بلورة تطلعات الطلبة الحاليين الذين يشكلون الجيل المقبل للزعامات في الولايات المتحدة وفي الدول الغربية.
- وهذا الأمر يمكن أن يؤدي مستقبلاً إلى صدور أوامر اعتقال ضد جنود وضباط خدموا في الجيش الإسرائيلي لدى ذهابهم في عطلة إلى الخارج بعد سنوات طويلة من تسريحهم من الخدمة العسكرية، كما يمكن أن يؤدي إلى "مطاردة" طلبة إسرائيليين أو يهود في الجامعات، أو عدم قبولهم للدراسة فيها خوفاً من أن يؤدي هذا إلى تصنفيهم كجامعات من الدرجة الثانية في الدول الغربية، وهذه ظاهرة طبعت أوروبا في الثلاثينيات من القرن العشرين، ويجب أن نمنع حدوث ذلك ونمنع إعطاءه أي شرعية.
- من الواضح أن دولة إسرائيل لم تكن مستعدة لسيناريو كهذا، يخيل لنا أنه اختفى من العالم بعد بناء كل آليات الدفاع الدولية والداخلية بعد الحرب العالمية الثانية في كل دول الغرب. لكن الآن، وبعد أن اكتشفنا أن هذه الآليات تسمح للعداء للسامية بأن ترفع رأسها من جديد تحت غطاء "حرية التعبير"، بل أيضاً تشارك فيها بصورة أو بأُخرى، وتشجعها بصورة غير مباشرة، وربما عن غير قصد، فمن واجب دولة إسرائيل بذْل جهد خاص لمواجهة هذه الظاهرة.
- وكالعادة، علينا أن نبحث عن المال، أو بكلمات أُخرى: "It’s the economy stupid" "إنه الاقتصاد يا غبي." إن التظاهرات التي تستمر كل هذا الوقت مع القمصان واليافطات والعمل في وسائل التواصل الاجتماعي، وتصوير الفيديوهات ونشْرها، تتطلب ناشطين يعملون بالكامل، ومالاً كثيراً من أجل النشر في الصحف الأميركية، ويوجد عدد من أصحاب الثروات في الولايات المتحدة يساعدون في التمويل.
- وفي رسالة نشرت في 26 نيسان/أبريل في "نيويورك تايمز"، يظهر أن التظاهرات التي ينظمها طلبة ناشطون تموَّل من عدد من الجمعيات التي لا تتوخى الربح، والعضوة أيضاً في منظمة "العدالة من أجل فلسطين" التي تنظم التظاهرات وتحرص على توسيعها.
- وبحسب التقارير، فإن أموال الملياردير اليهودي، جورج سوروس، هي مصدر تمويل ناشطين في 3 جامعات أساسية (مهمتهم تأجيج الطلبة)، وهم أعضاء في مجموعة قام هو بتأسيسها تُعرف باسم "الحملة الأميركية دفاعاً عن الحقوق الفلسطينية" "U.S Campaign For Palestinian Rights"، ويبدو أن هذه المجموعة تدفع 7800 دولار إلى أعضاء المجموعة، وما يتراوح بين 2880 و3660 دولاراً إلى الأعضاء في حرم الجامعات المتعددة في مقابل تخصيص 8 ساعات أسبوعياً من أجل تنظيم الحملات التي تقودها مجموعات فلسطينية.
- وهذه المجموعات الراديكالية حصلت على مساعدات تُقدَر بـ 300,000 دولار من أموال سوروس منذ 2017، و355,000 دولار من صندوق الإخوة روكفلر منذ 2019. ولهذه المجموعات 3 جمعيات فاعلة وبارزة تنظم تظاهرات الاحتجاج في كل أنحاء الولايات المتحدة، وبحسب التقارير فإن المال من سوروس كان مكوناً أساسياً في تنظيم تظاهرات تحاكي تلك التي حدثت في كولومبيا في شتى أنحاء الولايات المتحدة.
- وعلى سبيل المثال، فقد جرى شراء الخيم التي ينام فيها المتظاهرون من موقع أمازون، ويحصل المحتجون على خدمة توصيل القهوة والبيتزا والدوناتس والدجاج مجاناً، كما تبرعت مؤسسة روكفلر بالمال إلى مجموعة ناشطة أُخرى في الاحتجاجات، وهي "الصوت اليهودي من أجل السلام" (JVP)، وهي من المجموعات المشاركة في تنظيم الاحتجاجات في جامعة كولومبيا، وهناك متبرع آخر، كان رجلاً مصرفياً في وول ستريت، يُدعى فيليبس جيلمان، وهو متزوج من يورام جيلمان التي كرست المال الذي جمعته من أجل خدمة قضايا مؤيدة للفلسطينيين، وتساعد في تمويل المجموعات الأساسية وراء التظاهرات.
- وكل هذا تحت عنوان صندوق "WESPAC" الذي يقدم نفسه عبر الإنترنت كقوة تقدمية رائدة من أجل إحداث تغيير اجتماعي في نيويورك، ومن أجل عالم عادل وسلمي، ومن أجل وضع حد للعسكرة والعنصرية.
- وإذا كان هذا هو واقع الحال، فيمكننا أن نفهم من تحقيق "نيويورك تايمز" وجود أصحاب مصالح يمولون التظاهرات، جزء منهم من اليهود، والجزء الآخر من الإسرائيليين السابقين. وعلى افتراض أن الأرقام التي نشرتها "نيويورك تايمز" دقيقة، فإن لدى إسرائيل هامشاً واسعاً من أجل شن معركة دبلوماسية واقتصادية ضدهم.
- مكونات المعركة الدبلوماسية: تتمثل في منع دخول إسرائيل ومصادرة الهوية الإسرائيلية أو الإقامة، والعمل مع الوزارات الأميركية من أجل فرض قيود على التنقل، وتحديد هوية الناشطين الأساسيين في التظاهرات.
- المكونات الاقتصادية: تتمثل في فرْض قيود على أرصدتهم في البلد، والتعاون مع وزارة المال الأميركية وسلطات الضرائب وغيرها، والعمل المباشر مع السلطات الفدرالية في كل ولاية من الولايات الأميركية التي توجد فيها جامعات من أجل بلورة تدابير وقائية وإجراءات صارمة.
- وبالإضافة إلى كل ذلك، يجب سحب البساط من تحت الادعاء الأساسي بحدوث إبادة جماعية ومجاعة في غزة، بواسطة جهد سري مع البيت الأبيض وتصريحات واضحة بشأن الموضوع تدحض السردية العلنية التي تكمن وراء التظاهرات، وفي الوقت عينه، الكشف عبْر سلسلة تحقيقات عن الذين يقفون وراء تمويل التظاهرات (هناك أسماء كثيرة لم يرد ذكرها هنا)، والبدء بمعركة احتجاج مضاد على الأرض وفي وسائل الإعلام الأميركية.
- كما ذكرنا، نحن في حرب، والجهد العسكري وحده لا يكفي، وفي مواجهة الاحتجاج العلني ضد إسرائيل الذي تحول في هذه الأيام إلى عداء علني للسامية يمكن أن يبلور جيل الزعامة في الولايات المتحدة مستقبلاً حتى بعد انتهاء الحرب، والمطلوب الآن تعيين طاقم إسرائيلي خاص (وليس دعائياً) للعمل ضد قنوات التمويل وفي مواجهة مختلف الولايات الأميركية، وفي مواجهة الإدارة الأميركية بحد ذاتها والإسرائيليين الذين يعيشون في الولايات المتحدة من أجل استئصال جذري لكرة الثلج التي تطورت هنا، والتي بقيت حتى الآن من دون رد محدد من جانب إسرائيل.