هناك حاجة إلى حوار إسرائيلي - صيني من أجل وقف تدهور العلاقات بين البلدين
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

المؤلف
  • في نهاية شهر أيار/مايو، عُقد في بكين المنتدى الصيني العربي للتعاون (CASCF)، وهو العاشر من نوعه. يُعقد المنتدى منذ سنة 2004 كل عامين، إمّا في بكين، أو في عاصمة عربية، بالتناوب، بحضور وزراء خارجية الصين والدول الأعضاء الاثنتين والعشرين في جامعة الدول العربية وأمين عام المنظمة. تزامن المنتدى هذا العام مع زيارة لملك البحرين ورؤساء كلّ من مصر وتونس والإمارات العربية المتحدة. كانت الحرب في قطاع غزة على رأس جدول أعمال المؤتمر هذا العام. ودعا الخطاب الافتتاحي، الذي ألقاه الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى عقد مؤتمر سلام دولي لإنهاء الحرب، وتعهد أن الصين ستتبرع للفلسطينيين بـ500 مليون يوان و3 ملايين دولار. واختتم الحديث بثلاثة بيانات، اثنان يتعلقان بعمل المنتدى، والثالث يتناول "القضية الفلسطينية"، ويتضمن إدانات أحادية الجانب لإسرائيل والولايات المتحدة، إلى جانب كيل المديح للدول العربية.
  • جاء في البيان أن كلاً من الصين والدول العربية "تدين العدوان الإسرائيلي"، وتعارض التهجير القسري للسكان، وتطالب مجلس الأمن بإلزام إسرائيل بوقف إطلاق النار. كما يدين البيان الولايات المتحدة، التي استخدمت حق النقض في نيسان/أبريل ضد الاعتراف بفلسطين عضواً في الأمم المتحدة، ويدعم الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية. وجاء في البيان أن "إسرائيل، كونها القوة المحتلة، مسؤولة عن الظروف الإنسانية الصعبة في غزة". وبحسب الصين والدول العربية، فإن شرط السلام والاستقرار الإقليمي هو "إنهاء احتلال أراضي دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، ومرتفعات الجولان السورية المحتلة، والأراضي اللبنانية المحتلة". ودان الطرفان بناء "المستوطنات" الإسرائيلية في فلسطين والجولان، ودعيا إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود سنة 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مع الاعتراف بـ "حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين".
  • وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد في البيان أي ذِكر لهجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أو دعوة إلى الإفراج عن الإسرائيليين المختطفين الذين تحتجزهم حركة "حماس"، أو أيّ ذِكر للمهجّرين الإسرائيليين، أو أيّ إدانة لـ"الإرهاب"، أو إشارة إلى مسؤولية حركة "حماس" والفلسطينيين عن الحرب، وعن الهجمات التي تشنها إيران ووكلاؤها في المنطقة. بينما يمكن العثور على إشارة إلى حركة "حماس" في سياق الحديث عن الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل سياسي وحيد للفلسطينيين ودعوة جميع الفصائل الفلسطينية إلى الاتحاد تحت رايتها.

اللوبي العربي

  • هذا التحيّز الصيني المناهض لإسرائيل ليس جديداً. على الرغم من أن السياسة الصينية المعلنة تتمثل في عدم الانحياز إلى أيّ طرف، أمّا عندما يتعلق الأمر بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فـ"لطالما وقفت الصين إلى جانب الدول العربية والإسلامية". وترى بكين أن دعم الفلسطينيين يعبّر عن الإجماع الدولي، ولا يأتي على حساب التعاون الاقتصادي مع إسرائيل. وهي تفترض أنه ما من تأثير عملي للبيانات في أيّ حال، وأن التصويت ضد إسرائيل في الأمم المتحدة لن يمر، بسبب ممارسة الولايات المتحدة حق النقض.
  • من المهم أن نلاحظ أن التحيز الصيني المناهض لإسرائيل يأتي أيضاً من الجانب العربي. لقد احتفل منتدى CASCF هذا العام بمناسبة عشرين عاماً على تأسيسه منذ سنة 2004. وتم إنشاء المنتدى عندما كان لدى الصين منتديات مشابهة، تأسست في بداية القرن مع دول آسيا الوسطى وروسيا (SCO)، والدول السبع الناطقة بالبرتغالية (Macao Forum)، ودول الاتحاد الأفريقي (FOCAC). وبعد منتدى CASCF، تم تشكيل مزيد من المنتديات مع دول وسط وشرق أوروبا (China-CEEC) ودول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (China-CELAC). وما بدا أنه مبادرة صينية، جاء في الواقع من جامعة الدول العربية. إذ أرادت الجامعة تعزيز تنسيق الدول الأعضاء فيها مع العملاق الصيني في مجالات التجارة، والاستثمار، والأمن الإقليمي، والسياسة. وعلى مر السنين، قامت بكين بتنسيق تشكيل المنتديات المختلفة، وبدأت بقيادتها، بصفتها منصة رئيسية "للتوجيه الاستراتيجي" لإدارة علاقاتها مع تلك المناطق.
  • على خلفية التنافس الاستراتيجي بين الصين والغرب، والذي تصاعد مع الغزو الروسي لأوكرانيا، تبنّت الصين في سنة 2023 مصطلح "الجنوب العالمي"، لوصف المناطق التي تشمل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكجزء في إطار الجهود المبذولة للسيطرة على مجال الوعي العالمي ("قوة الخطاب")، إذ عيّنت الصين نفسها "صوتاً للجنوب العالمي"، وهو مصطلح يمثل وجهة النظر التي تقف إلى جانب العالمَين العربي والإسلامي ومجموعة "المضطهدين" من الاستعمار الغربي التاريخي. وأصبحت المؤتمرات والمنتديات، على غرار CASCF، منصات مركزية لتسويق الصين على أنها "قوة عظمى من نوع مختلفبعكس الولايات المتحدة والدول الأوروبية، إذ تدّعي الصين أن لديها علاقات جيدة مع جميع الأطراف المتحاربة في المنطقة، ولم تمارس الغزو تجاه دول أُخرى قط، ولا تتدخل في الشؤون الداخلية وحقوق الإنسان في دول أُخرى، وتوفر الفرص الاقتصادية من دون أن تكون خلف هذه الفرص أيّ دوافع خفية أو شروط.
  • هناك دوافع غير خفية كامنة وراء الأمر: للاستفادة من الوفرة التي تقدمها الصين، فإنها تطالب الآخرين بدعم "قضاياها الأساسية"، وفي مقدمتها قضايا تايوان، وهونغ كونغ، والتبت، وحقوق الإنسان. تعتبر الصين قضية إقليم شينجيانغ [إقليم الإيغور] ذات أهمية خاصة، بعد أن بادرت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى حملة من الإدانات والعقوبات الدولية التي استمرت سبع سنوات بسبب "جرائم ضد الإنسانية" و"الإبادة الجماعية" التي ترتكبها الصين هناك ضد الأقليات المسلمة. إنّ ختم "الحلال" الذي منحته الدول الإسلامية والفلسطينيون من خلال المنتدى - الذين غالباً ما تتم مقارنة مصيرهم بمصير الإيغور يمثل تقويضاً لاتهامات الغرب. علاوةً على ذلك، فإن دعم الصين والدول العربية للدعوى المرفوعة ضد "الإبادة الجماعية" التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين يصور حليفتها الولايات المتحدة، التي تزودها بالأسلحة، بأنها منافقة، ولا تهتم حقاً بحقوق الفرد المسلم، بل إن ما تسعى له حقاً هو احتواء الصين.
  • إن عدم قدرة الكتلة العربية على التحدث بصوت واحد يشكل تحدياً للصين، لأن العالم العربي دائماً ما يكون منقسماً ومليئاً بالصراعات. لذلك، فإن القاسم المشترك الأدنى للتعاون السياسي التصريحي في المنتدى يتمثل في القضية الفلسطينية. في الخمسينيات من القرن الماضي، رأت بكين في العداء العربي لإسرائيل وسيلة لكسب الأصدقاء والتأثير، على حساب الولايات المتحدة (والاتحاد السوفياتي أيضاً). وعلى الرغم من أن إسرائيل والصين أقامتا منذ ذلك الحين علاقات دبلوماسية في سنة 1992، فإن الصين تواصل العمل وفقاً لهذا التقليد ما دامت القضية من دون حل.
  • من جانبه، استغل اللوبي العربي الأمر لزيادة الضغط على إسرائيل، إذ أصبحت البيانات الصادرة عنCASCF  ضد إسرائيل أكثر جرأةً بمرور كل عامين. لقد وثّقت البروفيسورة داون سي ميرفي هذا التطور في كتابها "صعود الصين في الجنوب العالمي". فعلى سبيل المثال، في المنتدى الثالث، الذي عُقد في سنة 2008، تمت الإشارة، وللمرة الأولى، إلى ضرورة "إنهاء الاحتلال"، بما يشمل الاحتلال في كلٍّ من الجولان ولبنان؛ وفي سنة 2010، على الرغم من المخاوف الصينية، فإن البيان تطرّق إلى "المستوطنات" في القدس الشرقية؛ وفي سنة 2012، صدر موقف داعم لقبول عضوية فلسطين في كلٍّ من الأمم المتحدة واليونسكو، وغيرها.
  • في الذكرى العشرين لتأسيس لمنتدى، كان البيان الأخير هو الأكثر تطرفاً، نظراً إلى الحضيض الذي وصلت إليه إسرائيل إليه منذ "مذبحة" السابع من تشرين الأول/أكتوبر والهجمات التي تُشن عليها من سبع جبهات، وهكذا، فإن هذا البيان يُعد انتهازياً إلى أبعد حد.

الدلالات والتوصيات

  • الافتراض الصيني خاطئ من ناحيتين: فأولاً، فيما يتعلق بحل الصراع، إن "إرهابيي حركة حماس" ليسوا هم فقط الذين يمدحون بكين ويستفيدون من الشرعية التي توفرها، بل إن "المعتدلين" في الجانب الفلسطيني يشددون مواقفهم العدائية ضد إسرائيل. في سنة 2021، صرّح عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، عباس زكي، المسؤول عن العلاقات مع الدول العربية والصين، قائلاً إن "الصين ستقود العالم". يعتقد زكي أن المعسكر الصيني الناشئ يقف إلى جانب الفلسطينيين: "إذا قررنا غداً أن نتصلب في مواقفنا، ونطالب بالأرض من البحر إلى النهر، فإن الأمر سيكون على ما يرام بالنسبة إلى الصينيين، لكنهم يعرفوننا، ويعرفون أننا لسنا انتحاريين، وأننا نريد لإسرائيل أن تبتلع السم، قطرة في إثر قطرة، على مدار الوقت".
  • ثانياً، تتعرض المصالح الاقتصادية الواسعة التي تتمتع بها الصين مع إسرائيل للاختبار أيضاً. فأثناء انعقادCASCF ، زار كاتب هذا المقال بكين ضمن وفد من مركز غليزر لدراسة السياسات الصينية الإسرائيلية، حيث التقى الوفد أكاديميين ومسؤولين في معاهد بحثية. وخلال اللقاء، تم عرض التغيير السلبي في الرأي العام الإسرائيلي تجاه الصين خلال الحرب. على الرغم من أن إسرائيل، وفقاً لاستطلاع PEW الذي جرى في سنة 2019، كانت من بين أكثر خمس دول مؤيدة للصين في العالم، وبلغت نسبة الآراء الإيجابية تجاهها 66%، والآراء السلبية ضدها 25% فقط. يُظهر استطلاع للرأي أجراه معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي(INSS)  في أيار/مايو، أن أغلبية الجمهور الإسرائيلي (54%) تعتبر الصين الآن دولة غير صديقة، بينما يعتبرها (12%) دولة معادية لإسرائيل، في حين أن أقلية صغيرة فقط (15%) تعتبر الصين دولة صديقة، أو حليفة لإسرائيل.

 

رسم بياني

الرسم البياني 1: كيف تقيّم العلاقة بين الصين وإسرائيل؟

(مقابلات أُجريت مع 600 رجل وامرأة باللغة العبرية، و200 باللغة العربية، عبر الإنترنت والهاتف، وهي عينة تمثيلية من السكان البالغين في إسرائيل (18 سنة فما فوق). نسبة الخطأ القصوى للعيّنة هي 3.5%، بمستوى ثقة 95%).

المجموع

  • الصين دولة حليفة لإسرائيل: 1. 7%
  • الصين دولة صديقة لإسرائيل: 9. 4%
  • الصين ليست دولة صديقة لإسرائيل: 27. 4%
  • الصين معادية لإسرائيل: 44. 6%
  • لا أعرف: 16. 9%

اليهود

  • الصين دولة حليفة لإسرائيل: 3. 2%
  • الصين دولة صديقة لإسرائيل: 17. 7%
  • الصين ليست دولة صديقة لإسرائيل: 45. 3%
  • الصين معادية لإسرائيل: 26. 1%
  • لا أعرف: 8. 4%

العرب

  • الصين دولة حليفة لإسرائيل: 1. 9%
  • الصين دولة صديقة لإسرائيل: 10. 7%
  • الصين ليست دولة صديقة لإسرائيل: 42. 2%
  • الصين معادية لإسرائيل: 30. 2%
  • لا أعرف: 14. 9%
  • في ضوء هذه البيانات المحبطة، فإن الرسالة المشتركة للباحثين الصينيين، الذين طلبوا أيضاً من الوفد أن يحملها إلى إسرائيل، هي أن الصين "محايدة" في الحرب الحالية، وأنها لا تزال مهتمة بالعلاقات مع إسرائيل. وقد فُهم من الكلمات التي ألقوها أن الإشارة إلى "الحياد" لا تصف الواقع، بل تعبّر عن رغبة الصين في عدم الإضرار بالعلاقة أكثر مما تضررت فعلاً. بعد أن أدرك المحاورون الصينيون أن موقف بلدهم يقوض العلاقات التاريخية بين الشعبين، وأضافوا، بتشاؤم، أنه مع استمرار الحرب وتصاعُد العداء مع الولايات المتحدة، ستواصل بكين "استخدام إسرائيل كعصا لضرب الأميركيين، مثلما "تستخدم الولايات المتحدة أوكرانيا ضد الصين"، على حد قول البعض.
  • لإسرائيل أيضاً مصلحة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من العلاقات مع الصين، لكن هذا لا يعني أنه يجب عليها الترحيب بدور العصا. تتمثل الخطوة الأولى في "بناء أرضية للحوار" وتحديد الخطوط الحمراء، وهو عمل تتفوق فيه الصين عندما يتعلق الأمر بـ"مصالحها الأساسية". بناءً على تجربة الدول الصغيرة الأُخرى، يجب على إسرائيل تجنُّب الخطوات التي ستفاجئ الصينيين، وأيضاً تجنُّب المواجهات العلنية. ربما لهذا السبب، لم يردّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية إسرائيل كاتس على الموقف الصيني المناهض لإسرائيل منذ بداية الحرب، لكن حقيقة أنهما لم يتحدثا بعد مع نظرائهما في الصين، لا تساعد على حل المسألة. من المهم أيضاً أن يأتي ممثلو الصين إلى إسرائيل. فمنذ بداية الحرب، لم يزُر إسرائيل سوى مسؤول صيني واحد فقط، ووفقاً للصينيين، الذين تحاوروا مع وفد مركز غليزر، فإن "تحذير السفر" الذي أصدرته بكين يمنع مسؤولي الحكومة الصينية والباحثين من القدوم إلى البلد.
  • إن مكالمة هاتفية، مثلاً، بين شي جين بينغ والرئيس إسحاق هرتسوغ، يمكن أن تروّج العلاقات بين الشعبين بشكل إيجابي، وتشمل دعوة إلى إطلاق سراح المختطفين، وتطالب بالتعاطف أيضاً مع معاناة المواطنين في إسرائيل، قد تحسّن صورة الصين من دون أن تكلفها شيئاً أمام العالم الإسلامي. كما أنها ستوحي إلى الأذرع الخارجية والدعائية الصينية بتخفيف نهجها العدائي تجاه إسرائيل.
  • يقف الشرق الأوسط على مفترق طرق حاسم بين حرب شاملة في لبنان واندلاع حرب إقليمية، وبين التطبيع الإسرائيلي - السعودي، وإعادة ترسيم هندسة أمنية جديدة مناهضة لـ "محور المقاومة" الإيراني. فإذا كانت بكين معنية حقاً بالحفاظ على علاقاتها مع إسرائيل، وحفظ الاستقرار الإقليمي، ودورها في "اليوم التالي للحرب"، فعليها البدء بالتحاور مع إسرائيل، لا أن تكتفي بإطلاق التصريحات بشأنها.

 

 

 

المزيد ضمن العدد