تحقيق بئيري: صورة مذهلة لانهيار المنظومات
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • استخلاصات التحقيق في أحداث "بئيري" يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، الذي قاده الجنرال ميكي إدلشتاين، تُظهر صورة مذهلة لانهيار المنظومة. وعلى الرغم من أنها تؤكد ما تم وصفه وسرده خلال الأشهر التسعة الأخيرة، فإن هذا الانهيار شامل، وقراءة ما ورد فيه - تُعيد إلى الأذهان الصور والأصوات التي سمعناها في التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي من ذلك اليوم الأسود - وتخلق مشاعر صعبة من الغضب والعجز.
  • وبعكس ما يبثه لنا الإعلام منذ ذلك الوقت، من المهم الحفاظ على هذه المشاعر وعدم تجاهُلها. ومن المهم بصورة خاصة الالتزام بها بسبب مقولة "أخطأنا، نهضنا، وننجح"، التي يحاول الجيش وأغلبية المتحدثين في الاستوديوهات خلقها منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر. فانهيار المنظومة بهذا الشكل ليس حدثاً موضعياً؛ ولن يجري النهوض منه إلّا بعد اعتراف الجيش والمجتمع الإسرائيلي بذلك. هذا الاعتراف ليس "كراهية للجيش"، أو تخريباً للجهد الحربي، بل بالعكس: من دونه، لن يكون هناك ترميم.
  • وقبل الخوض في التحقيق، يجب التطرّق إلى مَن أجراه: ميكي إدلشتاين، هو ضابط لديه خبرة فقط، ويتمتع بالتقدير، وأذكر محادثة بيننا خلال وجوده في منصب قائد لواء "ناحال"، خلال حرب لبنان الثانية. لقد كان حاداً، ولا يرحم نفسه، وتوقف عند كل خطأ وفشلٍ في أحداث أقلّ أهميةً مما جرى في 7 تشرين الأول/أكتوبر. ضابط كهذا فقط يتبنى هذا النهج، يمكن أن يبدأ بمعالجة أزمة الثقة الكبيرة بين الجمهور الإسرائيلي والجيش. حتى اليوم، لم نرَ نهجاً مشابهاً لدى أغلبية المسؤولين عن الفشل في يوم السبت الأسود. لذلك، وليقُل المتحدثون في الاستوديوهات ما يريدون، فالمعالجة- الضرورية، تحضيراً للأيام القادمة- ليس فقط أنها لم تبدأ، بل أيضاً تصبح أصعب، بمرور كل يوم.

7 ساعات من دون الجيش

  • في السطر الأخير الأكثر صعوبةً، في نظري: السبب الوحيد الذي جعل "بئيري" مختلفاً عن "نير عوز"، حيث قُتل وخُطف ربع سكان الكيبوتس، من دون إطلاق رصاصة واحدة من جنود الجيش، يكمن في أن "المخربين" الـ340 من "النخبة" في "بئيري" لم يقوموا بما قام به أصدقاؤهم في "نير عوز"، ولم يعودوا في ساعات الظهيرة إلى غزة مع غنائم مرعبة. وبحسب التحقيق، كان الرهائن الـ32 من الكيبوتس داخل غزة، قبل وقت طويل من دخول الجيش إليه.
  • حتى الساعة 13:30- 7 ساعات من الرعب والخطف والقتل، كان يقاتل فقط أبطال صفوف التأهب التابعة للكيبوتس. أفضل وحدات الجيش عملت بشكل غير مهني، وبتردّد، والقيادة والسيطرة لم تكونا موجودتين نهائياً، وفي الساعة 13:30، لم يوجد داخل الكيبوتس الكبير في المنطقة إلّا 26 جندياً. هذا مُعطى لا يصدّق.
  • خطة الدفاع التي جهزتها قيادة منطقة الجنوب لا تستحق هذا الاسم. الجنود القليلون الذين كانوا في الموقع المسمّى "حامية بئيري" كانوا منشغلين منذ ساعات الصباح بالدفاع عن حياتهم الخاصة، لذلك، لم يستطيعوا الدفاع كلياً عن "بئيري". لم يكن هناك أيّ خطة لتوجيه قوات خاصة إلى بلدات محددة في حالات الطوارئ، والجنود الكثر الذين توجهوا إلى الجنوب، لم يعرفوا ما عليهم القيام به. فرقة غزة تم إخضاعها في أقل من ساعة؛ وكثير من مواقع القيادة المناطقية أصابها الشلل.

أين كانت قيادة الجنوب؟

  • أين كانت قيادة المنطقة الجنوبية التي لم تتعرض للهجوم، بعكس فرقة غزة؟ أين كانت وحدة العمليات التي تُعتبر العصب المركزي لقيادة الجيش والسيطرة؟ لا تظهر أجهزة السيطرة المركزية كلياً في جميع أجزاء التحقيق الذي أجراه إدلشتاين، ونُشر، ولا يظهر وجود لها في أيّ عملية في الميدان. لم يكن أفرادها تحت مرمى النار، والجيش برمّته كان تحت قيادتهم، لكنهم كانوا غائبين تماماً. فقط في ساعات ما بعد الظهر المتأخرة، تم تعيين ضابط كبير، الجنرال باراك حيرام، لقيادة العمليات في "بئيري". بالنسبة إلى الأغلبية المطلقة من القتلى والمخطوفين، كان هذا متأخراً نصف نهار.
  • انهيار منظومة الأمن في هذا اليوم كان على ثلاثة مستويات: انهارت منظومة الاستخبارات الفخمة، إذ جرى الهجوم بمشاركة آلاف "المخربين"، ولم يتم التحذّير منه؛ وانهارت منظومة الدفاع، وهي المهمة الأهم للجيش في المنطقة، وكانت مبنية على تمنيات (سيجري اختراق في موقع معيّن فقط)، ونسيت الافتراضات الأساسية التي تفيد بأن خط الدفاع يمكن أن يُخترق، ويجب أن نكون على استعداد لمواجهة أسوأ السيناريوهات؛ وانهارت قدرة الرد لدى الجيش الكبير المجهز تجهيزاً جيداً، والذي لم ينجح طوال نصف يوم في إدخال قوات إلى كيبوتس محتل. إخفاق حرب "يوم الغفران" يبدو هامشياً، مقارنةً بهذا، على صعيد حجم الفشل ونتيجته.
  • وكما قلنا إن هذا كله كنا نعلم به منذ 9 أشهر، لكن رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي قال هذه المرة إنه مجرّد تحقيق أولي، و"في نهاية المسار، سيسمح بطرح صورة كاملة للأحداث، وسيتم اتخاذ القرارات، استناداً إلى الاستخلاصات العملياتية التي سيتم تطبيقها فوراً". وهذا معنى كلامه باللغة العسكرية: مَن يريد الانتظار إلى أن تظهر المسؤولية القيادية عن الفشل الأخطر في تاريخ الجيش، عليه أن ينتظر نهاية التحقيق الأخير بشأن آخر يشوف، وآخر قاعدة، وآخر جندية في الوحدة 8200، والتي قالت "ذئب، ذئب"، وشرحوا لها أنه ليس حتى "كلباً". في نظري، هذا الانهيار كان الرابع، انهيار الرواية التي لا يملك الجيش حق الوجود والقدرة على العمل من دونها.

لجنة تقول ما يعرفه الجميع

  • طالب وزير الأمن يوآف غالانت بتشكيل لجنة تحقيق رسمية، وفوراً اندلعت الفوضى الدائمة في قضية من المسؤول "بيبي/ليس بيبي". لسنا بحاجة إلى لجنة تحقيق رسمية ستحتاج إلى سنوات لكي تقول لنا ما نعرفه أصلاً. السابع من تشرين الأول/أكتوبر هو عبارة عن 10 أضعاف ما جرى في بئيري (من حيث عدد القتلى)، والضرب بمئة، من حيث حجم الفشل. يجب أن يكون هناك مستوى سياسي، يشمل نتنياهو وغالانت نفسه، ومستوى قيادي يعرف معنى المسؤولية ويتحمّلها. من دون هذا، لن يكون هناك علاج، أو ترميم وجاهزية للحرب. من دون هذا، ستكون حالنا جميعاً كحال سكان "بئيري" في الساعة 12:00: يائسين، مختبئين، ومن دون دفاع.