على إيران وإسرائيل إعادة تقدير ميزان القوى الاستراتيجي بينهما
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- حتى قبل أن يوارى جثمان زعيم "حماس" إسماعيل هنية في الثرى في قطر، واصل كبار الزعماء الإيرانيين التهديد بردّ مباشر ومؤلم على الاغتيال في طهران. المرشد الأعلى علي الخامنئي صرّح بأن النظام الصهيوني المجرم والإرهابي، بعملية الاغتيال هذه، أعدّ الأرضية لعقاب كبير، بينما هدّد الحرس الثوري بردّ قاسٍ ومؤلم من "جبهة المقاومة الكبيرة، وخصوصاً إيران".
- التهديدات الصادرة عن إيران، يجب ألّا تُفاجىء أحداً. ففور الهجوم الإيراني على إسرائيل في 13 نيسان/أبريل، أعلن قائد الحرس الثوري حسين سلامي أن إيران، من الآن فصاعداً، تنتهج معادلة جديدة في مواجهة إسرائيل، وأن أيّ اعتداء إسرائيلي على "المصالح الإيرانية، وعلى كبار مسؤوليها ومواطنيها" سيتم الرد عليه بهجوم على الأراضي الإسرائيلية. هذا لا يعني أن أيّ عملية إسرائيلية ضد هدف إيراني ستؤدي، بالضرورة، إلى هجوم إيراني على إسرائيل. ومع ذلك، فإن معنى المعادلة الإيرانية الجديدة هو انضمام خيار إضافي إلى ترسانة الأدوات الإيرانية في الصراع ضد إسرائيل. أي ليس فقط عمليات "إرهابية" ضد أهداف إسرائيلية ويهودية في الخارج، وردود بواسطة وكلائها، وعمليات في المجال السيبراني، أو في البحر، بل أيضاً شنّ هجوم عسكري مباشر من أراضيها.
- في غضون ذلك، يبدو أن الصدمة الناتجة من اغتيال هنية في قلب طهران تثير الجدل الداخلي في إيران بشأن طبيعة الرد المطلوب. أحد المواقع الإخبارية الإيرانية، والمقرب من أوساط براغماتية في المعسكر المحافظ، اقترح في نهاية الأسبوع تركيز الثأر على القضاء على شبكة العملاء الإيرانيين (على شاكلة إيلي كوهين) [الجاسوس الإسرائيلي الأشهر الذي أُعدم في سورية] التي نجحت إسرائيل في إقامتها في إيران...
- في المقابل، دعا محلل في صحيفة إصلاحية إيرانية إلى الرد بصورة لا تعرّض إيران لخطر الحرب الشاملة، وضرورة عدم الوقوع في "الفخ" الذي يحاول نتنياهو إيقاع إيران فيه، في ضوء إخفاقاته في غزة، من خلال جرّ إيران إلى مواجهة عسكرية شاملة. وفي رأي المحلل، من الأفضل أن تركز إيران على تحسين قدراتها الدفاعية والأمنية والاستخباراتية، وتعزز اللحمة الداخلية، وتعمل على حل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها بصورة تسمح لها بمواجهة التهديد الإسرائيلي بصورة أفضل.
- يمكن الافتراض أن هؤلاء المعلّقين يعكسون جدلاً يدور في قيادة السلطة الجديدة في طهران، بعد فوز مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية. يعبّر هذا الجدل عن وجهتَي نظر غير متعارضتَين، لكنهما مختلفتان جداً. أصحاب وجهة النظر الصقرية، بقيادة الجناح الراديكالي في النظام، وفي الحرس الثوري، يعتقدون أن سياسة الاحتواء في مواجهة عمليات الاغتيال الإسرائيلية فشلت، وقوّضت الردع الإيراني، وأضعفت صورة النظام في الداخل والخارج. لذلك، على إيران التمسك بالمعادلة الجديدة الناشئة بعد الهجوم الإسرائيلي، حتى لو كان الثمن المخاطرة بتصعيد، أو مواجهة عسكرية شاملة.
- في المقابل، أوساط أكثر براغماتيةً، بينهم على ما يبدو الرئيس الإيراني الجديد وبعض مستشاريه، بمن فيهم نائبه الجديد للشؤون الاستراتيجية وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، لديهم وجهة نظر مختلفة. بالنسبة إليهم، يتعين على إيران الرد على العملية الإسرائيلية، لكن عليها التركيز على ترميم قدرتها على الردع بوسائل دبلوماسية، ومن خلال استقرار الاقتصاد وحل أزمة شرعية النظام، وتحسين مكانته الدولية، والرد على مشكلات الاختراق الاستخباراتي له.
- يبدو في الفترة الحالية، وحتى يستقر نظام بزشكيان الذي لا يملك تجربة أمنية وسياسية فعلية، أن الأفضلية لأصحاب وجهة النظر الصقرية بشأن عملية اتخاذ القرارات. ويمكن التقدير أيضاً أن إيران ستختار في نهاية الأمر الجمع في ردها بين مكونات المحور المؤيد لإيران، وخصوصاً حزب الله، ولن تتخلى عن الرد المباشر، انطلاقاً من أراضيها، ومن الممكن أن يكون الرد أوسع كثيراً مما شهدناه في 13 نيسان/أبريل الماضي.
- في نهاية جولة التصعيد الحالية، التي نأمل أن تنتهي من دون مواجهة شاملة متعددة الجبهات، سيكون المطلوب من إيران وإسرائيل إعادة تقدير ميزان القوى الاستراتيجي بينهما وسبل تحسينه لمصلحة كلّ منهما. وحسناً تفعل إسرائيل إذا تذكرت أن مفتاح تحسين الميزان الاستراتيجي في مواجهة إيران لا يكون فقط من خلال عمليات عسكرية واستخباراتية محددة، مهما كانت ناجحة، بل يكون من خلال بلورة استراتيجيا شاملة في مواجهة طهران، بالتعاون مع الولايات المتحدة ودول عربية معتدلة، ومن خلال ترميم قدراتها ومكانتها السياسية، والسعي لإيجاد تسوية إقليمية، والاستعداد بصورة أفضل لمواصلة المعركة ضد التهديدات الإيرانية في الساحتين الإقليمية والنووية.