إسرائيل تستعد لتلقّي هجوم من طرف حزب الله خلال الأيام القليلة المقبلة، والولايات المتحدة تحاول منع اندلاع النار
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • بعد أسبوع على ما وُصف بأنه "قمة الفرصة الأخيرة" في الدوحة، تبذل الإدارة الأميركية جهداً إضافياً، على الرغم من كل الظروف، للدفع قدماً نحو التوصل إلى تحقيق صفقة تبادُل الأسرى المتعثرة، والحؤول دون اندلاع حرب واسعة النطاق في الإقليم. لقد استؤنفت المحادثات مساء اليوم في القاهرة، بمشاركة حركة "حماس"، هذه المرة [في الواقع، توجه وفد من الحركة إلى القاهرة لكنه لا ينوي المشاركة في المحادثات]. ومع ذلك، تظل فرص التقدم في المفاوضات ضئيلة، بينما تتصاعد الاشتباكات، وترتفع حصيلة الخسائر الإسرائيلية في قطاع غزة، وعلى الحدود اللبنانية.
  • أمس، قُتل أربعة جنود احتياط من الجيش الإسرائيلي، وأُصيب سبعة آخرون في حادثتين منفصلتين في القطاع. وفي الشمال، أطلق حزب الله وابلاً كثيفاً من الصواريخ والمسيّرات الانقضاضية نحو الجليل، بعد سلسلة هجمات إسرائيلية شُنت على لبنان وسورية، وأسفرت عن مقتل ما لا يقلّ عن ثمانية من عناصر الحزب. كل هذا، في حين يرتبط استمرار الجهد الأميركي للتوصل إلى صفقة بالتخوف من تنفيذ حزب الله عملية انتقامية ضد إسرائيل قريباً، وأن المنطقة باتت على حافة تصعيد كبير.
  • وبالتزامن مع المحادثات الجارية في القاهرة، وصل رئيس الأركان الأميركي الجنرال تشارلز براون إلى المنطقة، حيث يخطط لزيارة كلٍّ من إسرائيل، ومصر، والأردن. وبهذا، تحاول الولايات المتحدة الدفع قدماً بالمحادثات بشأن الصفقة من خلال حلّ إحدى النقاط الرئيسية للخلاف، وهي السيطرة على محور "فيلادلفيا"، إذ إن "حماس" ليست وحدها التي تعارض استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي في هذا المحور، على الحدود بين قطاع غزة ومصر في رفح، بل إن مصر تشاركها الرأي أيضاً. وتم البحث في هذه القضية في المكالمة الهاتفية التي دارت بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء الخميس. فالولايات المتحدة تحاول الحصول على موافقة إسرائيلية على الانسحاب التدريجي من المحور. يبدو أن موقف نتنياهو أصبح أكثر مرونةً بعد المكالمة مع بايدن، على الرغم من أن ديوان رئيس الوزراء يصرّ على أن نتنياهو لن يتخلى عن مواقفه، وأن إسرائيل ستستمر في السيطرة على محور فيلادلفيا.
  • أحد الادعاءات الرئيسية التي يطرحها كبار المسؤولين الأمنيين يتمثل في تراجُع قدرة حركة "حماس" العسكرية. إذ زار وزير الدفاع يوآف غالانت رفح الأسبوع الماضي، وكرر الادعاء أن "لواء رفح" التابع لحركة "حماس" تم تفكيكه وهزيمته. تعتقد المؤسسة الأمنية أن إسرائيل قادرة على استعادة السيطرة على محور فيلادلفيا بسهولة، إذا ما انهارت الصفقة، بعد تنفيذ مرحلتها الأولى التي من المقرر أن تشمل الإفراج عن النساء وكبار السن والمرضى، في مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين المحتجزين لدى إسرائيل.
  • يحذّر نتنياهو من إخلاء محور فيلادلفيا، مدّعياً أن انسحاب الجيش الإسرائيلي منه سيمكّن "حماس" من استعادة الشريان الأساسي الذي يربطها بالحياة، والمتمثل في تهريب الأسلحة عبر الأنفاق في أسفل المحور. أمّا المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون فيختلفون مع هذا الادعاء، وهم يشيرون إلى أن عمليات التهريب في السنوات الأخيرة، في معظمها، كانت تجري فوق الأرض، عبر معبر رفح، وبتواطؤ مصري. في الوقت نفسه، يحاول غالانت وكبار الضباط دفع نتنياهو إلى صبّ اهتمامه على الحدود الشمالية، في ظل المخاوف من تصاعُد المواجهة مع حزب الله قريباً.
  • أمس، نشرت القناة 12 تسجيلات مُقلقة بشأن لقاء نتنياهو ومختطفات تم تحريرهن من أسر "حماس" في تشرين الأول/نوفمبر الماضي، ولا يزال أفراد من عائلاتهن محتجزين لدى حركة "حماس" في غزة. (وبصورة مثيرة للدهشة، تواصل التسجيلات المسربة من هذه المقابلات الظهور، المرة تلو الأُخرى، على الرغم من أن الذين يزورون ديوان رئيس الوزراء، يُطلب منهم إيداع هواتفهم الخليوية في خزائن الأمانات، ويضطرون إلى الخضوع لاجتياز بوابة فحص مغناطيسية لدى دخولهم إلى المبنى). في هذا اللقاء،  لم يقف نتنياهو أمام جمهور متعاطف معه، متمثل في العائلات المؤيدة للتيار اليميني، بل ووجِه بأسئلة صعبة وانتقادات لاذعة من جانب المختطفات المحررات، بعد أن ضم عقيلته سارة إلى الجلسة، وتجادل معهن، وثبت أن بعض أقواله لا يتّسق مع الواقع.
  • لقد زعم نتنياهو أنه اعتذر عن دوره في المسؤولية عن "مجزرة" 7 تشرين الأول/أكتوبر، وهو ما لم يحدث قط. وعندما طلبت النساء منه إبرام صفقة لإنقاذ أحبائهن من المعاناة في غزة، أجاب مرتين بسؤال: "ما المقصود بالصفقة؟ ما هي الصفقة المطروحة على الطاولة"؟ ويبدو أنه كان يحاول إعطاء انطباع، مفاده أن عناد حركة "حماس" وحده هو ما يمنع التوصل إلى اتفاق. لقد خفف نتنياهو خلال ظهوره العلني مؤخراً، وحتى في البيانات الروتينية التي تصدر عن ديوانه، من إشاراته إلى مقتل الجنود في المعارك في الشمال والجنوب. كما أنه لم يتفاعل تقريباً مع خبر استعادة رفات ستة من المختطفين من خان يونس هذا الأسبوع ، هذا، فضلاً عن امتناعه من التواصل مع عائلات المختطفين من كيبوتسَي "نيريم" و"نير عوز"، وتباطؤه في زيارة "نير عوز"، وهي زيارة أطلق وعداً بتنفيذها منذ شهرين تقريباً. يبدو أن رئيس الوزراء يفتقر إلى القدرة على التعبير عن التعاطف مع معاناة مواطنيه في وقت الحرب.

الحساب مفتوح

  • في الوقت الذي يتجادل نتنياهو مع غالانت وكبار المسؤولين الأمنيين بشأن مسألة الانسحاب من محور فيلادلفيا وممر نيتساريم، يواصل الجنود السقوط في المعارك الدائرة في تلك المناطق، التي ينصح الجيش الإسرائيلي بإخلائها في إطار صفقة محتملة. إذ قُتل أربعة جنود في نهاية الأسبوع، ثلاثة منهم في إثر تفجير منزل مفخخ في حيّ الزيتون، جنوب مدينة غزة. وتتركز الجهود التي يبذلها الجيش الإسرائيلي في استهداف البنية التحتية لحركة "حماس"، إلى حد كبير، على مواقع بعيدة عن ممر نيتساريم ذاته. إن العمليات في هذه المنطقة هي محل جدل داخل الجيش، إذ يرى بعض الضباط أنها لا تخدم الأهداف الرئيسية للحرب. ومع ذلك، ومع استمرار انتشار القوات الإسرائيلية هناك، يتعرض القادة لضغوط من الفرق المنتشرة في الممر للسماح لها بالقيام بعمليات هجومية، بدلاً من الاكتفاء بالانتشار الدفاعي الذي قد يكون عرضةً لهجمات مقاتلي "حماس".
  • يُعتبر الكولونيل جون سبنسر، الخبير في حروب المدن، في أكاديمية "ويست بوينت" العسكرية الأميركية، واحداً من الداعمين البارزين لإسرائيل على الساحة الدولية خلال حرب غزة. لقد رافق سبنسر القوات الإسرائيلية في غزة عدة مرات منذ بداية الحرب، وأثنى بشكل نادر على كيفية إدارتها الصراع في القطاع. وذكر أن جيوشاً غربية أُخرى كانت ستتسبب بسقوط أعداد أكبر كثيراً من الضحايا المدنيين في مواجهة هذا التحدي الذي يتمثل في عدو متحصن داخل مناطق مدنية.
  • لكن سبنسر هذا، لا يوافق على ابتلاع جزء من التصريحات التي يواصل نتنياهو محاولة تسويقها، وذلك في مقال نشره الأسبوع الماضي في موقع مجلة Foreign Affairs. يقول الكولونيل الأميركي إن نسبة الضرر اللاحق بحركة "حماس" يتيح لإسرائيل التحرك قدماً على طريق دمج "اليوم التالي" في مناطق محدودة من القطاع، لكي يظهر للغزيين والمجتمع الدولي أن إسرائيل تملك خطة لِما سيأتي في أعقاب تحقيق الإنجاز العسكري الإسرائيلي".
  • "يجب على قادة إسرائيل أن يفهموا ويوضحوا، بجلاء، أن بؤرة تركيز الحرب يجب أن تتحول. فإذا لم تستغل إسرائيل الفرصة لضمان تنصيب قيادة جديدة في غزة تحل محل ’حماس’، فإنها ستتخلى عن تفوقها الحالي وتنهي الحرب بالهزيمة"، حسبما يزعم سبنسر، الذي كان حتى اليوم مصدراً لجلب الراحة إلى نفس نتنياهو، عبر ما يكتبه. ويرى الجنرال الأميركي أن على إسرائيل تهيئة الظروف التي ستتيح للقيادة الجديدة في غزة البقاء، وهذا ما يأمل رئيس الوزراء، لأسباب سياسية تتعلق ببقاء حكومته، بألّا يصل إليه.
  • إن استمرار القتال في غزة والجمود في المحادثات يؤثران في الوضع الإقليمي سلباً. وتفيد الاستخبارات الإسرائيلية بأن إيران عموماً، وحزب الله خصوصاً، لم يتخليا عن عزمهما على الانتقام، بعد عمليتَي اغتيال فؤاد شُكر من حزب الله، وإسماعيل هنية من "حماس"، في بيروت وطهران. في نهاية الأسبوع، أحيا الشيعة في الشرق الأوسط "زيارة الأربعين"، إذ تركزت الأحداث المتعلقة به في مدينة كربلاء العراقية. وعلى الرغم من هذا، فإن حزب الله لا ينسى حسابه المفتوح مع إسرائيل، واستناداً إلى تصريحات صادرة عن كبار مسؤولي التنظيم، فإنه من المرجح أن يأتي الرد في المستقبل القريب. إن مدى طموح الحزب في تحديد مستوى الأهداف الإسرائيلية التي يريد استهدافها، ونتائج ضربها، سيؤثران في تطورات الأحداث في المنطقة، وفي سيناريو متطرف، فإن الأمر قد يؤدي حتى إلى حرب شاملة، على الرغم من أن معظم الأطراف المعنية يدّعي عدم الرغبة في ذلك. 
  • كل ما سبق، بالإضافة إلى المحنة التي تعيشها عائلات المختطفين، يشكلان خلفية للجهود الكبيرة التي تواصل الولايات المتحدة بذلها، سعياً للتوصل إلى صفقة، بمساعدة مصر وقطر.