هل يريد الإسرائيليون إطلاق المخطوفين فعلاً؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • ليت المخطوفين يعودون في أعقاب المفاوضات التي تجري في هذه الأيام بشأن وقف إطلاق النار. أتمنى حدوث انعطافة جدّية، بحيث ترتب القضايا بشكل يجعلنا نشهد عودة أكبر عدد ممكن من المخطوفين - ليتهم يعودون جميعاً - الأحياء منهم والأموات. أتمنى أن يحدث هذا كله. لكن يبدو الآن أن الرعب والألم شديدان، والطريق إلى هناك لا تزال طويلة، ليس فقط بسبب "حماس"، ولا بسبب رئيس الحكومة فقط، ولا بسبب السياسة والقومية المتطرفة وغيرهما من الشرور المحيطة بنا، بل أيضاً لأن المجتمع الإسرائيلي لا يعرف حقاً ما الذي يريده؛ ولأن أغلبيته العظمى تقف محرجةً في مفترق بين الرغبة الحقيقية في إعادة المخطوفين، وبين الثمن الذي عليها دفعه لقاء ذلك.
  • يكفي أن نرى الأعداد القليلة التي تصل إلى ميدان المخطوفين، عشية أيام السبت، لنفهم إلى أيّ درجة وصل المجتمع الإسرائيلي إلى وضع محرج، وإلى أيّ مدى فشل في ظل غياب تضامُن أساسي مع الألم الذي تعانيه عائلات الأسرى، والذي لا يمكن تخيّله (من دون علاقة للسؤال: كيف يجب التعامل مع قضية المخطوفين؟) وفي جميع الأحوال، سندفع ثمن هذا الفشل.
  • إذا كان المجتمع الإسرائيلي حاسماً بشأن الصفقة، وإذا صرخ برمته؛ وإذا كان مسلّماً في أعماقه للمقولة الأخلاقية التي تقول إن من واجب الدولة إعادة المخطوفين بأيّ ثمن، كنا سنرى أن الحكومة ستتماشى مع هذه المقولة، وبصورة خاصة رئيسها. إلّا إن المجتمع الإسرائيلي، في أغلبيته، لا يقول شيئاً. وعندما يبدو الضجيج مرتفعاً، لا يُحتمل، ويبدو أن الجميع يتكلمون طوال الوقت، أشك في وجود ما هو أكثر ضجيجاً من الصمت الإسرائيلي اليوم.
  • لا يوجد نقاش حقيقي إسرائيلي بشأن قضية المخطوفين، ولا بشأن الثمن الذي نحن على استعداد لدفعه، ولا توجد رقابة جماهيرية واضحة للبدائل المختلفة - الأمنية والاجتماعية والثقافية والنفسية - والإسقاطات. كل ما يقال شعارات، كل شيء سطحي، ويتم تجنيده مباشرة للمصلحة السياسية، أو الهوياتية. حتى الموقف من قضية المخطوفين بات مثل أيّ شيء آخر في النقاش الإسرائيلي، لقد تحول إلى عملة تتم المتاجرة بها وأداة من أجل مراكمة رأس المال السياسي الاجتماعي - والاقتصادي بشكل ما.
  • المخطوفون يدفعون ثمن عدم الثقة في أوساط الإسرائيليين. إنهم يدفعون أيضاً ثمن الإعلام السطحي الذي لم ينجح في قيادتنا إلى حوار يتعدى الشعارات الفارغة والمتحيزة، وتجسيد الجوهر الأعمق لها - أن يكون مجالاً يحقق فيه المجتمع الإسرائيلي نفسه وقيَمه ونهجه إزاء الواقع. منذ بداية الحرب، سألتُ هنا أين هم المفكرون، والفلاسفة، والخبراء في الأخلاق، ورجال الدين، رجال الروح والمجتمع؟ لماذا لا نراهم في الاستوديوهات؟ لا يمكن إدارة نقاش حقيقي بشأن صفقة التبادل، أو القيام بفحص حقيقي وبلورة موقف، من دون أن يكون لهؤلاء الأشخاص مكانة حقيقية على الطاولة.
  • المخطوفون يدفعون أيضاً ثمن الهشاشة النفسية والثقافية في المجتمع الإسرائيلي، وهو يقف أمام السؤال الكبير عن الصفقة وثمنها. هذا صحيح بشكل عام بخصوص الحرب، لكنه صحيح ومُلح عشرات المرات في قضية المخطوفين؛ من نحن، وإلى أين نريد أن نذهب، وما هو سلّم أولولياتنا الأخلاقي، وما هو الثمن الذي نحن على استعداد لدفعه، وما هي الرواية التي نريدها لأنفسنا ولأولادنا وللعالم؟ فإلى أن نسأل هذه الأسئلة ونتحدث عنها بصراحة، ونفحصها، أولاً من أجلنا - بدافع ما سمّاه هيغل "الحب الأخلاقي"، فإن أصحاب المصالح سيستمرون في التلاعب بنا.