إسرائيل تفوّت الفرصة بصورة هائلة منذ بداية الحرب، لكن على الرغم من كل شيء، فإن الأمر يمكن إصلاحه
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- خلال أقل من شهر، سيتم إحياء الذكرى السنوية الأولى "لمجزرة" 7 تشرين الأول/أكتوبر، وبينما تستعد دولة إسرائيل لنشاطات إحياء الذكرى الوطنية والرسمية والشعبية، لا يزال الجدل الداخلي بشأن السردية مشتعلاً، إذ يتضح أن طلاباً إسرائيليين ويهوداً في جامعة ميريلاند عادوا إلى الدراسة الأسبوع الماضي، وأرادوا تنظيم حفل تأبيني في 7 تشرين الأول/أكتوبر، اكتشفوا أن إحدى القاعات الرئيسية في الجامعة محجوزة فعلاً في ذلك اليوم، لتنظيم فعالية من طرف أعضاء منظمة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" (SJP).
- تقود هذه المنظمة التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات في الولايات المتحدة. ويمكننا أن نعرف من مجموعات الاحتجاج المؤيدة للفلسطينيين أن تنظيم هذه الاحتفالات يأتي بمناسبة مرور عام على المقاومة، بعد عطلة صيفية لم تهدأ فيها الأجواء، بل تم خلالها التحضير لافتتاح العام الدراسي في هذا السياق.
- نحن نعلم بأن منظمة "SJP" تقودها وتموّلها جهات دولية، أو حتى دول وكيانات "إرهابية". وصرّحت جهات حكومية أميركية، خلال العام الماضي، بأن إيران وروسيا تقفان وراء بعض التنظيمات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأميركية والأوروبية. هذا يعني أن الحدث ليس مجرد حملة دعائية سياسية تهدف إلى الضغط على صانعي القرار في إسرائيل والعالم، بل هي معركة حقيقية بين محور دول الغرب ومحور المقاومة، على السردية التاريخية المتعلقة بحرب "السيوف الحديدية"، وعلى الشرعية الدولية لحركة "حماس"، والمقاومة و"الإرهاب"، والأهم من ذلك، أنها معركة تهدف إلى زعزعة العلاقة التاريخية بين اليهود في العالم وإسرائيل.
- علاوةً على ذلك، جرى في اليوم الأول من العام الدراسي في إحدى الجامعات، توزيع نشرة تضمنت دعوة للحصول على إحاطات دورية من قناة تليغرام مرتبطة بحركة "حماس". وفي النشرة نفسها، تمت الإشارة إلى مشروع يربط بين يهود أثرياء، أو أصحاب نفوذ في منطقة بوسطن، والدعوة إلى "تعطيل" أعمالهم. ووفقاً لبعض المحللين، تحاول المنظمات المؤيدة للفلسطينيين بثّ شعور في نفوس الطلاب، مفاده أن هذه المعلومات هي جزء من عملية التوجيه الرسمية للجامعة.
- وعلى الرغم من ذلك، فإن إسرائيل، كما يبدو، لم تبذل، حتى الآن، جهداً دبلوماسياً وقانونياً مستمراً، ومخططاً له، ومنهجياً، لخوض هذه المعركة المتعلقة بالسردية التاريخية في العالم، وبدلاً من ذلك، تركز الجهود على النشاطات الداخلية في إسرائيل.
- أُطلقت مبادرات خلال الحرب، لكنها كانت، في أغلبيتها، ردات فعل على مبادرات الطرف الآخر، وغالباً ما تتعلق بالجانب الدعائي (الهاسبارة) أكثر من كونها معركة على كسب الوعي، وهناك فارق شاسع بين الأمرَين. يبدو أن الجهد العسكري استحوذ على معظم النشاطات الإسرائيلية المتعلقة بالحرب، وأن الاهتمام بهذا الجانب (أي القتال) لم يترك مجالاً لجهود موازية "متساوية في القوة" في ساحات أُخرى (الساحة الدولية مثلاً)، في حين كانت "حماس"، بدعم من دول المحور، في أتم الجاهزية للنضال على هذه الجبهة.
- هذا الوضع غير سليم، لكن، ما دمنا في خضم المعركة، يمكننا إيجاد مبررات لغياب الجهد الإسرائيلي المركّز. لكن الآن، مع انتهاء مرحلة القتال المكثف في غزة وبدء التركيز على قضايا "اليوم التالي"، تعود الساحة الدولية إلى الصدارة، إذ تتركز المعركة المهمة للغاية على السردية التاريخية لـ"مجزرة" 7 تشرين الأول/أكتوبر والحرب.
- مَن سينتصر في هذه الحرب سيحظى بالقدرة على "كتابة" التاريخ وصوغ السردية التي تتماشى مع مصالحه. وفي الحالة الإسرائيلية، فإن الانتصار في معركة الوعي له أهمية عملية كبيرة: إذ إن هذا الانتصار هو الأداة التي يمكننا من خلالها نبذ "حماس" وجعْلها غير شرعية في القانون الدولي، بل حتى إن الأمر قد يطال إيران. وفي موازاة ذلك، وعلى الصعيد نفسه، تعزيز العلاقة بين الشعب اليهودي وأرض إسرائيل في الوعي الدولي.
- على الصعيد العملاني، يمكننا أن نقول إن الجهد الإسرائيلي مجتزأ وقاصر في هذه المرحلة، ويأتي بناءً على مبادرات فردية من أفراد ومنظمات يهودية في الولايات المتحدة. وفي الآونة الأخيرة، تعاونت خمس منظمات يهودية، ونشرت خطوطاً إرشادية للجامعات للتعامل مع العام الجديد. هذا الأمر جيد، لكن لا يمكننا إدارة جهد حربي شديد الأهمية بهذه الطريقة.
- ما هو المطلوب إذاً؟
- التعامل مع الجهد التوعوي بصفته هدفاً رئيسياً.
- تغيير تركيبة هذا الجهد بصورة فورية، وتحويل التركيز من الرواية الإسرائيلية الداخلية إلى الرواية الدولية بشأن ما حدث في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
- تعيين مدير مشروع يتولى قيادته، ويدمج كل الجهود الفرعية، ويضمن التزامن والتنسيق بين نشاطات وجهود الوزارات الحكومية والهيئات الوطنية، ويقود توزيع الانتباه والموارد الوطنية، بحيث تصبح وظيفته مشابهة لوظيفة رئيس هيئة الأركان الذي يقود الجهد العسكري، أو بدلاً من ذلك، مثل المسؤول الجديد في الجيش الإسرائيلي عن الشؤون الإنسانية في غزة.
- إطلاق حملة مركزة، ذات هدف واضح، ومن دون تفاصيل غير ضرورية (عبارة + شعار + ارتباط برمز معروف في كل دولة).
- البدء بجمع معلومات استخباراتية علنية عن المنظمات المؤيدة للفلسطينيين في الولايات المتحدة وأوروبا ونشاطاتها - هناك عدد كبير من المعلومات التي جمعتها الجماعات والمنظمات اليهودية، والتي يمكن استخدامها.
- رسم خريطة للمواعيد والنقاط المحورية المؤثرة في التقويم السنوي: الأعياد والعطل؛ بدء العام الجامعي؛ انتهاء الفصل الدراسي؛ بدايته؛ الأحداث الكبرى (مثل تصفيات الـ"سوبر بول" وغيرها) في كل دولة، على غرار أيام الاستقلال؛ نشاطات إحياء الذكرى؛ الاحتفالات الخاصة بكل دولة، إلخ، بحيث يكون كل هذا معروفاً مسبقاً ومخططاً له.
- إنشاء فريق قانوني لمتابعة النشاطات المتعددة التي تقوم بها الحكومات ضد المتظاهرين من العام الدراسي السابق، ومتابعة العمليات، وتقديم الشكاوى واللوائح الاتهامية، وحتى انتقاد القرارات التي لا تتماشى مع المصلحة الإسرائيلية، أو محاولة منعها.
- تشجيع المواطنين الإسرائيليين واليهود على تقديم شكاوى ودعاوى رسمية.
- إنشاء مراكز ضغط على إدارات الجامعات لحظر النشاطات غير القانونية في حرمها، بما يشمل استخدام وسائل الإعلام.
- إن ما سبق ليس سوى غيض من فيض التوصيات التي يجب أن يتضمنها الجهد لبناء الوعي (لا جهود التوعية)، بشرط أن تحددها حكومة إسرائيل كأولوية رئيسية، وأن تعترف بأهميتها التاريخية والقانونية، وأن تخصص لها الموارد المطلوبة، فوراً. أمامنا شهر واحد فقط. وفي نهاية المطاف، علينا أن نتذكر أن الحرب هي مجموع الجهود المتزامنة، وليست فقط جهداً عسكرياً من النار والمناورة.