الزخم العسكري للجيش الإسرائيلي، الذي يختلف عن بقية الحروب - تقرير خاص من معبر رفح
تاريخ المقال
المصدر
- عشية الانطلاق نحو المناورة البرية في قطاع غزة، كان هناك كثير من التردد لدى دوائر صُنع القرار السياسي.. تحدث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال النقاشات التحضيرية عن آلاف القتلى، بعد أن تم تحذيره من طرف بعض الجنرالات بأن الجيش الإسرائيلي لن ينجح في المهمة. ومع ذلك، أوضحت هيئة الأركان العامة قائلةً: "نحن قادرون على القيام بذلك". وفعلاً، يواصل الجيش الإسرائيلي منذ عام تقريباً تنفيذ عملياته في قطاع غزة، في مناطق مكتظة بالسكان، بما في ذلك عدة أشهر من القتال العنيف. لقد قُتل حتى الآن 347 جندياً في هذه المعارك.
- مؤخراً، شنّ الجيش الإسرائيلي عملية جديدة في شمال قطاع غزة، لأن الحرب تحولت إلى مواجهة "عدو خفي". فبخلاف الأيام الأولى من المناورة، حين جرت هناك مواجهات مع عشرات المسلحين، فإن عناصر "حماس" لا يبحثون الآن عن مواجهة القوات، بل يهربون منها، ويختبئون في الأنفاق بشكل أساسي. ولإضعاف معظم قوة "حماس"، يضطر الجيش الإسرائيلي إلى الدخول مراراً وتكراراً.
- لقد تم تفكيك "حماس"، كجيش "إرهابي"، باستثناء كتيبة واحدة، أو كتيبة ونصف، لا تزال موجودة في مخيمات المنطقة الوسطى. أمّا جميع ألوية "حماس"، فجرى تفكيكها. أنا أقف على الجانب الغزي من معبر رفح، على محور فيلادلفيا. تدور الحركة هنا من دون وجود أيّ خطر فوري، على الرغم من وجود "المخربين" في قطاع غزة. ينتسب جزء غير قليل من السكان إلى "حماس"، وأيضاً هناك حاجة إلى تكرار مثل هذه العمليات [في جباليا] التي ستنخفض شدتها بمرور الزمن، وصولاً إلى تحقيق الهدف المتمثل في التأكد من أن "حماس" لن تشكل، بعد الآن، تهديداً لجنوب إسرائيل خصوصاً، ولإسرائيل بأسرها عموماً.
- لقد تحول الجانب الغزي من معبر رفح إلى قاعدة أمامية للجيش الإسرائيلي تدعم معظم العمليات التي ينفّذها الجيش في منطقة رفح. ويحيط بهذا الجانب دمار جزء من رفح والمعبر نفسه، حيث تدار المعارك على الأرض، بناءً على معلومات استخباراتية. اليوم، تقع منطقة رفح تحت قيادة فرقة غزة، الفرقة 143، بعد أن كانت، حتى الآن، تحت قيادة الفرقة 162 التي انتقلت إلى الهجوم المفاجئ في شمال القطاع.
- يتمثل هدف اللواء 162 في ضرب محاولات "حماس" تجديد قبضتها على شمال قطاع غزة، والضغط على يحيى السنوار، أينما كان، للموافقة على صفقة تبادُل مخطوفين بشروط إسرائيلية.
- ومع ذلك، من المرجح أن الجيش الإسرائيلي سيضطر إلى الدخول والخروج من القطاع حتى في العام المقبل، في هذا التاريخ تحديداً. حالياً، توجد قوات تابعة لثلاث فرق داخل القطاع، في ممر نتساريم، وفي شمال القطاع، وفي محور فيلادلفيا. في تقديري، لن تكون هذه القوات متمركزة هنا بشكل دائم (أو ربما تكون في جيوب أصغر) بعد عام، وفي المقابل، سيواصل الجيش الإسرائيلي تنفيذ غارات داخلية ضد المنظمات "الإرهابية" التي ستحاول ترسيخ وجودها مرة أُخرى.
- حالياً، يعيش الجيش الإسرائيلي زخماً من الإنجازات والنجاحات، سواء الاستخباراتية، أو الجوية، أو من ناحية المناورات البرية، بما في ذلك ما يمارسه الجيش في الجنوب اللبناني. إن قدرة الجيش على القتال بقوة على جبهتين ليست أمراً مفروغاً منه، وهذا يعطينا سبباً للتفاؤل. ومع ذلك، فإن مقولة "الحرب هي مملكة عدم اليقين" تنطبق على الحال هنا. هناك عدو في الجانب المقابل، ولا يزال من الممكن أن تتعقد الأمور، أو تسوء. لذلك، لا يجب المخاطرة بالتنبؤات. لكن تقييمي هو أننا نسير في اتجاه جيد وصحيح نحو إنهاء الحرب، ربما خلال الأشهر القادمة.
- بصفتي شخصاً قام بتغطية أحداث العديد من الحروب في البلاد وحول العالم، أقول إن هذه الحرب تختلف من نواحٍ عديدة، لكنني سأشير إلى ثلاث نقاط رئيسية:
- أولاً، تُدار الحرب تحت ظل الغيمة الثقيلة والإكراه الرهيب الذي يمثله الأسرى الذين يحتجزهم يحيى السنوار. سأخاطر وأقول إن الحرب كانت ستنتهي قبل ذلك بكثير، لو لم تنجح "حماس" في أسرهم في 7 تشرين الأول/أكتوبر، صحيح أن هناك الضغط الإنساني لتوفير الحاجات لسكان غزة، والذي يعيق الجهود العسكرية، لكن الأسرى هم العنصر الأهم. لم يسبق للجيش الإسرائيلي، أو أيّ جيش آخر، أن قاتل في الوقت الذي يحتجز عدوه المئات من الرهائن في قبضته. بصفتنا شعباً يقدس الحياة، لا يمكننا تحمّل وضع يكون فيه أبناء شعبنا في أيدي عدو، زد على ذلك احتجازهم في ظروف رهيبة، مثل الأنفاق التي تحتجزهم فيها "حماس". هذا الوضع يؤثر في مستوى الاستراتيجيا في إدارة الحرب، وعلى المستوى النظامي، وحتى في التكتيكات الدقيقة. يجب على الجنود أن يكونوا حذرين، ويفكروا مرتين قبل إطلاق النار، لأن الأسرى قد يكونون على الجانب الآخر.
- الاختلاف الثاني هو طبيعة الحرب ضد عدو خفي، يهرب منك، ولا يحاول مواجهتك، لكنه يستخدم ضدك العبوات الناسفة - وفي المقابل، يحاول ترسيخ قوته بين السكان المدنيين.
- في الجانب الثالث، من المهم الإشارة إلى الاندفاع الهائل الذي أراه لدى الجنود من حولي. كنت طفلاً خلال حرب الاستقلال، عندما تم إجلاؤنا عن القدس، وقد أخبرني أهلي أن الاندفاع كان مماثلاً في ذلك الوقت، حين كنا نواجه تهديداً بالدمار. لكن الاندفاع الذي أشاهده اليوم بين القوات لم يكن موجوداً في حرب الأيام الستة، ولا في حرب أكتوبر، ولا حتى في جولات القتال المختلفة في غزة قبل 7 أكتوبر. هذا الاندفاع منبعه، ليس فقط من المجتمع المدني والجبهة الداخلية في إسرائيل، بل أيضاً من المقاتلين وأفراد الجيش. إنه الاندفاع للحفاظ على دولة إسرائيل كدولة يهودية، ذات "سيادة وديمقراطية"، وهذه العزيمة هي ما يصنع كل الفرق.