بضع ملاحظات بشأن الحرب، وبضع توصيات للاستمرار
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • من طبيعة الحروب أنها تدفع إلى تحولات تاريخية تصعب ملاحظتها في أثناء حدوثها، لكن من الضروري تشكيل هذه التحولات بقدر الإمكان. وفيما يلي بعض الملاحظات بشأن الحرب حتى الآن، وتوصيات لتحركات إسرائيل المستقبلية.
  • صحيح أن يدنا هي العليا، عسكرياً، وصحيح أن "محور المقاومة" يعيش الآن في حالة دفاع. ومع ذلك، تواجه إسرائيل صراعاً متعدد الجبهات، ويجب عليها بلورة استراتيجيا شاملة لـ"اليوم التالي"، والتي يجب أن تتضمن أهدافاً سياسية تستند إلى الإنجازات العسكرية، لتحسين أمن إسرائيل ومكانتها الإقليمية والدولية. وفي ظل غياب استراتيجيا شاملة، تشمل صوغ رؤية سياسية وآليات لإنهاء للصراع، فإن إسرائيل قد تغرق في احتلال طويل الأمد في غزة ولبنان.
  • "حماس" مسؤولة عن الكارثة الأخطر في تاريخ إسرائيل منذ سنة 1948، لكن هذه الكارثة أيضاً هي كارثة فلسطينية. إذ أدت "المجزرة" إلى تأجيل تحقيق الطموحات الوطنية الفلسطينية أعواماً طويلة، وقد يكون حلّ الدولتين الضحية الرئيسية لأحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر. لقد عززت الحرب التوجهات الشعبوية والاعتماد على القوة العسكرية، معزولة عن رؤية سياسية طويلة المدى. إلّا إن ضم أراضٍ يقطنها ملايين الفلسطينيين، من دون وجود عملية منظمة لصنع القرار، يمثل الخطر الوجودي الأكبر على إسرائيل، ويجمع بين التهديد الخارجي والانقسام الداخلي الذي يهدد وحدة الصف الإسرائيلية.
  • في هذه الحالة، يتمثل الحل الوحيد الممكن في الانفصال المدني، بما يشمل ترسيم الحدود المستقبلية لإسرائيل، مع الحفاظ على حرية العمل العسكري للجيش الإسرائيلي في جميع المناطق. هناك خيار آخر هو إنشاء كونفدرالية أردنية - فلسطينية، حيث تكون أغلبية مناطق الضفة الغربية هي المكون الفلسطيني في الاتحاد. يجب القيام بذلك بطريقة لا تهدد الأردن، لكن لا ينبغي مطالبة إسرائيل بتحمّل المسؤولية الكاملة عن حلّ القضية الفلسطينية، في حين يتم إعفاء الأردن ومصر، اللذين كانا شريكين في خلق هذه القضية.
  • هناك فرصة حالية لمواجهة البرنامج النووي الإيراني من خلال عقد اتفاق مع الولايات المتحدة ودول الغرب، يتضمن عقوبات قادرة على خلق الشلل، وتهديداً عسكرياً حقيقياً لإيران، في مقابل امتناع إسرائيل من العمل العسكري. وفي المدى الطويل، يُعد التحالف المناهض لإيران أكثر فعاليةً من مجرد توجيه ضربات محددة للمشروع النووي. لن تتمكن إسرائيل من مواجهة التهديد الإيراني بمفردها؛ ويجب عليها أن تكون جزءاً من التحالف العسكري الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد إيران.
  • لقد عرّت الحرب نقاط القوة والضعف في العلاقات مع الولايات المتحدة. صحيح أن الولايات المتحدة دعمت إسرائيل بشكل غير مسبوق، من خلال نشر قوات عسكرية كبيرة في المنطقة، وتقديم مساعدات عسكرية هائلة، ومن خلال تعاون استراتيجي كانت إسرائيل تحلم به في الماضي، فضلاً عن الدعم الدبلوماسي، إلاّ إن الحرب أيضاً عرّت الاعتماد الكبير على الولايات المتحدة والحاجة إلى العمل ضمن إطار إقليمي. الأمر الأكثر خطورةً هو أن إسرائيل أصبحت قضية مثيرة للجدل في الولايات المتحدة، وهو ما دفع جو بايدن إلى تأخير المساعدات..
  • من الضروري تحقيق اختراق في العلاقات مع السعودية، ومن الضروري، قبل كل شيء، الحفاظ على العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة. إن رفض إسرائيل "تصوُّر بايدن" (التطبيع السعودي الإسرائيلي، في مقابل تحقيق تقدّم في العلاقات مع الفلسطينيين، وتحقيق اختراق في العلاقات السعودية الأميركية، بما يشمل التوصل إلى اتفاق دفاعي واتفاق على برنامج نووي مدني سعودي) أخّر عملية التطبيع، لكنه على الأرجح، لم يُفشلها. يجب على إسرائيل أن تعود إلى نهج يكون خارج الأحزاب إزاء الولايات المتحدة والحفاظ على علاقات وثيقة مع كلا الحزبين هناك.
  • وحده التقدم في المسار الفلسطيني هو ما سيحول دون تفاقُم العزلة ونزع الشرعية عن إسرائيل، بل حتى فرض العقوبات. فالقيود المفروضة على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل من بريطانيا وألمانيا، واعتراف إسبانيا وإيرلندا ودول أُخرى بالدولة الفلسطينية، أمور كلها قد تتحول إلى سيل من التحركات المناهضة لإسرائيل، بما يشمل فرض حظر رسمي على الأسلحة والتجارة. ولن تتمكن إسرائيل من التقدم والازدهار في أجواء من العداء الشامل.
  • سيكون من الضروري أيضاً إعادة تقييم الافتراضات الأساسية الكامنة في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، والمكونات الأساسية في مفهوم الأمن القومي. من الواضح فعلاً أنه سيكون هناك حاجة إلى جيش وميزانية أمنية أكبر، ونهج أكثر صداماً وهجوماً. علينا أن نحافظ على وجود قوة برية ضاربة، لأن مثل هذه القوة يحسم الحروب. ولن يكون من الممكن المساومة على الأمن اليومي؛ يجب على الدولة حماية مواطنيها في كل مكان.
  • إن التنازلات التي انتهجها بنيامين نتنياهو ليست سوى دليل على خداع الذات وتفضيل الاستقرار السياسي (الداخلي والائتلافي) على الأمن. ومع ذلك، من المهم أن يتم الأمر بحذر وحكمة. يجب ألّا نكرر أخطاء صدمة حرب "يوم الغفران"، ونضيّع عقداً آخر من الزمن في الاستثمار في التعاظم العسكري المتهور، الذي لا يمكن للاقتصاد تحمّله، والذي سيرغب الجيش الإسرائيلي في تقليصه في نهاية المطاف.
  • إن قدرة المجتمع الإسرائيلي المذهلة على التعافي بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، والاستعداد لتحمّل عبء الاحتياط، والصلابة المدنية، وهي كلها أصول وطنية حاسمة تعمل القيادة الحالية على تقويضها. هذا العام الذي بدأ بكارثة، واعتقاد "محور المقاومة" أنه قادر على تحقيق هدفه بتدمير إسرائيل، وانتهى باتجاهات إيجابية بفضل تصميم الجيش الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي، و"المحور" في مأزق ودفاع.