خطة نتنياهو لـ"اليوم التالي": احتلال عسكري، مرتزقة ومستوطنات
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- كثيراً ما تهاجم المعارضة الإسرائيلية (أو ما تبقى منها) حكومة نتنياهو بسبب عدم وجود رؤية وخطة عمل. إلّا إن ما يتجاهله كثيرون هو أن عدم وجود خطة منظمة لدى نتنياهو لا يعني أنه لا توجد سياسة. بل بالعكس تماماً، فإن سياسته تُطبّق دائماً بالأفعال في الميدان، وليس بالخطابات، أو التصريحات. فعلى مدار سنوات حُكمه، يستفيد نتنياهو من نشر الضبابية بشكل مقصود، وضمنها التصريحات المتناقضة، بالعبرية والإنكليزية، لكن الواقع لا يكذب. هكذا يتم ضم مناطق واسعة في الضفة الغربية بالتدريج، من دون تشريعات احتفالية، بل على أرض الواقع، وهذا ما يجري في قطاع غزة أيضاً الآن.
- في الوقت الذي يهاجم المعارضون نتنياهو ويوجهون إليه الانتقادات بسبب عدم وجود خطة منظمة لـ"اليوم التالي" في قطاع غزة، تتقدم الخطة عملياً بالأفعال. أولاً، عبر احتلال مناطق واسعة من القطاع وتهجير السكان وهدم المنازل وفتح طرقات جديدة وبناء المواقع والبنى الإضافية للمدى البعيد. وفي هذه الأيام، يتم أيضاً الدفع بخطة لنقل السيطرة المدنية في القطاع إلى القطاع الخاص، المدفوع الأجر.
- لقد كانت الطريق طويلة منذ انتقلت الحكومة من نيتها المعلنة، بعد الضغوط الأميركية في شباط/فبراير، بشأن نقل السيطرة المدنية على القطاع، إلى "جهات محلية لديها خبرة إدارية، ولا تكون محسوبة على دول، أو جهات تدعم ’الإرهاب’"، إلى النية بشأن نقل المساعدات الإنسانية إلى مسؤولية الجيش، وهو ما يعني حكماً عسكرياً، وصولاً إلى ما يبدو اليوم كأنه خطة جديدة، بعد رفض الجيش تحمُّل مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية، وهي خطة استئجار شركة خاصة بملكية إسرائيلية- أميركية تعالج الموضوع.
- الشركة التي طُرح اسمها هي شركة GDC، وهي شركة مقاولات عسكرية من نوع الشركات التي ظهرت خلال السنوات الماضية، في الأساس في العراق وأفغانستان. هناك كومة كبيرة من الأبحاث المتعلقة بها، التي تم إجراؤها خلال السنوات الماضية، وتشير إلى مخاطر كبيرة جداً حيال التعامل مع هذه الشركات، وأساساً هي شركات مرتزقة، يدور حولها كثير من الأسئلة الصعبة عن كل ما يخص الالتزام بالقوانين والمعايير الدولية.
- يدور الحديث حول خصخصة الحكم العسكري وتحويله إلى جهات خاصة مع مصالح خاصة واقتصادية، والأهم أنه يبعد المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن إسرائيل، ويضعها في يد ميليشيات مسلحة. وفعلاً، قال مالك الشركة مردخاي (موطي) كهانا خلال مقابلة مُقلقة جداً أُجرتها معه صحيفة "يديعوت أحرونوت" أمس، "إذا حدث أيّ شيء، فسنمرر الرسالة لسكان غزة: ليس من مصلحتكم أن تعبثوا معنا" - إنه اقتباس مثل رجال المافيا.
- في الحقيقة، لا تملك إسرائيل أيّ صلاحية لتقرر مَن يسيطر على قطاع غزة مدنياً في "اليوم التالي" لـ"حماس"، وأكثر من ذلك، فإن هذا كله يجري من أجل عدم السماح للسلطة الفلسطينية بموطئ قدم هناك. هذه استمرارية مباشرة لسياسة تقوية "حماس" وإضعاف السلطة، والتي تبناها نتنياهو طوال الأعوام الماضية؛ إنها سياسة أُخرى تم فرضها بالأفعال والدولارات في الوقت الذي هاجمه آخرون بسبب عدم وجود رؤية سياسية حسبما كان يبدو.
- كان يجب على إسرائيل الدفع إلى بناء بديل من سلطة فلسطينية، إلى جانب ائتلاف دولي بقيادة الولايات المتحدة. النية الآن هي نقل المسؤولية عن السيطرة المدنية إلى مقاولين جدد وخلق حالة شبيهة بالعراق في قطاع غزة، وستكون هذه كارثة الكوارث.
- في مقابل هذا المسار، يقوم نتنياهو بالاستفادة من نشر الضبابية إزاء كل ما يخص موقفه بشأن إقامة مستوطنات في غزة. فمن جهة، يدّعي أن هذا لا يحدث - للدقة (غير واقعي)، ومن جهة أُخرى، يقود حزبه مهرجانات للدفع برؤية مسيانية. هناك أيضاً، سيبدو في نهاية المطاف أنه من الصعب إخلاء البؤرة الاستيطانية الأولى، وما سيحسم الأفعال، وليس الأقوال. عملياً، خطة نتنياهو لـ"اليوم التالي" في قطاع غزة مؤلفة من احتلال عسكري، ومرتزقة ومستوطنات. إنها الوصفة المضمونة للكارثة المقبلة.