أهالي مخيم شعفاط قلقون على هويتهم كلاجئين، بعد إقرار قانون منع عمل الأونروا
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • بعكس الصورة السائدة لدى الجمهور الإسرائيلي، فإن شوارع مخيم اللاجئين شعفاط نظيفة جداً، مقارنةً بشوارع الأحياء الفلسطينية القريبة. توجد بالقرب من المنازل والمحلات صناديق صغيرة، وهناك 20 عامل نظافة يقومون بكنس الشوارع وجمع النفايات، ويوجد في وسط المخيم مركز لجمع النفايات. وراء هذه المنشأة، هناك 3 مدارس ابتدائية، اثنتان للبنات وواحدة للصبيان، يدرس فيها 600 تلميذ يرتدون الزي المدرسي الموحد، ولهذه المدارس صدى إيجابي جداً لدى الأهالي. وهناك مستوصف عام وصيدلية في المدخل المؤدي إلى المدارس، وكلها تشغّلها الأونروا. وبحسب القانون الجديد الذي أقرّه الكنيست في الأول من أمس، فإن جميع هذه النشاطات ستصبح غير قانونية خلال 90 يوماً.
  • وبحسب القانون، ممنوع على الأونروا العمل في "الأراضي التابعة للسيادة الإسرائيلية". ونظراً إلى أن أراضي الضفة الغربية وغزة غير تابعة لسيادة دولة إسرائيل، في إمكان الأونروا متابعة عملها هناك. لكن استناداً إلى قانون آخر جرى إقراره، ويحظر على السلطات الإسرائيلية أن يكون لها علاقة بالأونروا، ومن شأن هذا القانون أن يؤثر في العلاقات بين الإدارة المدنية وبين الوكالة. سكان مخيم شعفاط للاجئين الذين شهدوا فشل السلطات الإسرائيلية في تقديم الخدمات الأساسية لهم طوال 56 عاماً، لا يفهمون كيف ستنجح هذه السلطات في الحلول محلّ الأونروا خلال 3 أشهر. لكن ما يقلقهم أكثر من الخدمات هو هويتهم كلاجئين.
  • القدس الموحدة هي مكان غير طبيعي. إنها العاصمة الوحيدة في العالم التي يوجد فيها نحو 40% من السكان، من أبناء المدينة، ليسوا مواطنين في الدولة. واحد من أصل 10 مواطنين يعيش وراء أسوار من الأسمنت التي يبلغ ارتفاعها 9 أمتار، وكل صباح، يضطر إلى عبور حواجز عسكرية للوصول إلى المدينة. وفي معظم أيام الأسبوع، لا توجد في أكبر حيّ فيها مياه في الحنفيات. وعشرات آلاف المواطنين يقطنون منازل شُيدت من دون رخص بناء، وهلمّ جرّا.
  • إحدى الظواهر الشاذة والغريبة في المدينة هي أن أحد أحياء القدس بالقرب من رحيبة وكتمون وجيلو، هو مخيم للاجئين تديره الأمم المتحدة. مخيم اللاجئين شعفاط الذي أقامته الأمم المتحدة والحكومة الأردنية في سنة 1965، قبل عامين من حرب الأيام الستة. وكان سكانه الأصليون من اللاجئين الفلسطينيين الذين سكنوا في الحيّ اليهودي في المدينة القديمة منذ سنة 1948. في حزيران/يونيو 1967، وعندما رسّمت الحكومة حدود ضم القدس الموحدة، جرى إدخال المخيم ضمن المدينة. وهكذا تحول مخيم شعفاط إلى المخيم الوحيد للاجئين الموجود في داخل أراضي إسرائيل، وإلى حيّ من أحياء عاصمة إسرائيل.
  • كان ضم المخيم وهمياً، صحيح أن سكانه حصلوا على بطاقات إقامة إسرائيلية، لكن بلدية القدس لم تدخل قط إلى المخيم، ولم تقدم خدمات. الأونروا هي التي تولّت جمع النفايات وتزويد المخيم بالمياه، وقدمت خدمات التعليم، وكذلك الخدمات الصحية. وكان الوضع مريحاً للجميع.
  • شعر الفلسطينيون بأنهم جزء من جموع اللاجئين الكبيرة في الضفة الغربية، وتحولت الأمم المتحدة إلى عنصر أساسي في المنطقة، ووفرت إسرائيل ميزانيات كبيرة كان يجب عليها أن توظفها في شرقي المدنية.

الجدار الذي فصل بين المخيم والمدينة

  • قبل 20 عاماً، أقيم جدار فصل المخيم عن سائر أجزاء المدينة. وفي ليلة واحدة، تخلت السلطات الإسرائيلية عن المكان تماماً، فتدهور الوضع في المنطقة بسرعة. وتوقف مراقبو البناء ورجال الشرطة عن المجيء، وشيد متعهدو البناء على الهضبات المحيطة بالمخيم أبراجاً كبيرة من دون تخطيط، أو رخص بناء. وشكلت هذه الأبراج حلاً لمشكلة السكن لعشرات الآلاف من سكان القدس الشرقية، وقامت العصابات العنيفة وتجار المخدرات بملء الفراغ الذي تركته الشرطة، وارتبط المخيم، أكثر فأكثر، بمشكلات السلاح والمخدرات والعنف والفقر و"الإرهاب". ولمدة طويلة، لم تتوفر المياه الجارية في المخيم، بينما غطت مياه الصرف الصحي الشوارع.
  • في خضم هذا كله، استمرت الأونروا في العمل وتقديم الخدمات لكلّ مَن يحمل بطاقة لاجىء، الصادرة عن الوكالة.  لكن بالإضافة إلى الخدمات، قدمت الأونروا لسكان المخيم هوية. بطاقة الأونروا تشكل رمزاً لوضع فلسطيني قائم يرمز إلى المطالبة بحل مشكلة اللاجئين، كجزء من التسوية السياسية. "المشكلة ليست في المدارس والمستوصفات، المشكلة هي في أنهم يحرمون الناس حلمهم بأن يكونوا جزءاً من الحل، والحصول على تعويضات، أو العودة إلى منازلهم. ويسأل الناس أنفسهم: من أجل ماذا تحمّلوا حياتهم كلاجئين، إذا كان التعامل معهم اليوم مختلفاً"؟ قال لي في الأمس أحد سكان المخيم.
  • يعيش اليوم في شفعاط 17500 شخص مسجلين كلاجئين، وهم في معظمهم، من أبناء الجيل الثاني والثالث والرابع للاجئي 1948. ويوجد عدد مشابه من اللاجئين المسجلين في مختلف أنحاء القدس. الأونروا، مثل كل وكالات الأمم المتحدة وكل دول العالم، لا تعترف بضم القدس الشرقية، ولذلك، من غير المتوقع أن تلغي وضع اللجوء للاجئين من المقدسيين، لكن من المتوقع أن يتراجع تقديم الخدمات لهؤلاء.
  • بالإضافة إلى مدارس الأونروا الثلاث في المخيم، لدى الوكالة 3 مدارس صغيرة في مناطق من القدس الشرقية. وفي الإجمال، هناك نحو ألف تلميذ سيضطرون إلى الذهاب إلى مدارس أُخرى. لقد أعلنت بلدية القدس ومكتب القدس في الأمس أنهما قادران على استيعاب التلامذة. وبحسب الخطة الموضوعة، سيتم استيعاب التلامذة في باحات المدارس الموجودة. لكن حتى قبل الحاجة إلى استيعاب 1000 تلميذ جديد، تواجه بلدية القدس ووزارة التعليم صعوبة في مواجهة مشكلة النقص في صفوف التعليم في القدس الشرقية، وبحسب تقرير جمعية "عير عميم"، فإن النقص يبلغ 2477 صفاً.
  • ... لا يصدق سكان مخيم شعفاط أن بلدية القدس ستؤمن لهم الخدمات التي تقدمها الأونروا اليوم. على سبيل المثال، المستوصف في المخيم يقدم الخدمات الطبية لمرضى السكري، وللمسنين الذين لا يستطيعون الحصول على هذه الخدمات لدى المنظومة الصحية الإسرائيلية بسبب سكنهم ما وراء جدار الفصل. وعندما يُسأل سكان المخيم عن تورّط موظفي الأونروا في "الإرهاب"، فإنهم يرفضون ادّعاءات إسرائيل، ويقولون إن هذا غير صحيح، وأنهم مجموعة من الموظفين الذين يعملون بصورة موقتة ضمن منظمة ضخمة تضم آلاف العاملين.
  • هناك مركز أساسي مهم لنشاط الأونروا في القدس سيضطر إلى غلق أبوابه بعد 90 يوماً، هو القيادة الإقليمية التي تعمل بالقرب من أحياء رامات أشكول، وتقدم الخدمات لفروع الأونروا في كل أنحاء الضفة الغربية. هذه القيادة موجودة في مبنى تاريخي بناه البريطانيون، وكان مدرسة للشرطة، وشكّل في حرب الأيام الستة جزءاً من موقع تل الذخيرة. ومنذ نشوب الحرب الحالية، أصبح مركز الأونروا هدفاً دائماً لناشطي اليمين المتطرف الذين ألقوا عليه الزجاجات الحارقة عدة مرات، وتسببوا بنشوب حريق في داخله. وفي الأمس، وُضعت في مدخل المبنى أكياس من الحلوى ويافطة تدعو الجمهور إلى الاحتفال بالتخلص من "الأونروا الشريرة"، وتحمل توقيع "شبان الصهيونية الدينية".
  • وكما في قوانين كثيرة تتعلق بالقدس منذ سنة 1967، فإن قانون طرد الأونروا لم يأتِ على خلفية حل مشكلة ما، أو للتخفيف عن حياة سكان القدس، أو من أجل الدفع قدماً بمستقبل أفضل. ومثل قانون القدس العائد إلى سنة 1980، ومثل التصريحات الجوفاء بشأن وحدة المدينة وأبديتها، ومثل قانون آخر جرى إقراره في الأمس، والذي يمنع إقامة قنصليات أجنبية من أجل السكان الفلسطينيين في المدينة، فإن هدف قانون الأونروا الاستقواء، وإظهار مظهر زائف من السيادة، وصوغ عناوين طنانة في الصحف. حتى لو كان هناك مشكلات مع الأونروا، فهي ليست منظمة "إرهابية"، بل منظمة تقدم خدمات حيوية لمئات الآلاف من الناس، جزء منهم سكان في عاصمة إسرائيل.
  • لم يجرؤ شخص واحد من الـ 92 عضو كنيست من الذين صوتوا مع القانون على رؤية المشكلات الحقيقية للقدس. كما لم يجرؤ أيٌّ منهم على قول الحقيقة للجمهور الإسرائيلي: بعد مرور 56 عاماً على الاحتلال والضم، القدس ليست موحدة أكثر، وليست إسرائيلية أكثر مما كانت عليه في حزيران/يونيو 1967، ونحن أصبحنا قريبين أكثر من دولة أبارتهايد منبوذة في العالم، وليس من دولة يهودية "ديمقراطية".

 

 

المزيد ضمن العدد