التزام القانون يعرض سلامة الائتلاف الحكومي للخطر، ولذا، فقد صار التحالف يتعامل مع القانون بصفته عدواً
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • خلال الأيام الأخيرة، شهدنا هجوماً غير مسبوق على المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهراف ميارا، وبلغت الحملة ذروتها في جلسة دعا إليها عضو الكنيست سمحا روتمان لمناقشة مكافحة الجريمة المنظمة، من دون مشاركة مفوض الشرطة، والذي يُعتبر الطرف الأساسي في هذا النقاش. واتضح لاحقاً أن هذه الجلسة لم تكن إلاّ كميناً مخططاً له تحول إلى حملة انتقادات حادة من أعضاء الكنيست الذين طالبوا بإقالة المستشارة القضائية.
  • وألقى عضو الكنيست موشيه سعده اللوم على المستشارة فيما يتعلق بتصاعد العنف داخل المجتمع العربي، معتبراً أنه حدث خلال ولايتها. أمّا الوزير بتسلئيل سموتريتش، فقد دعاها إلى الاستقالة بحجة أنها لم تتخذ إجراءات لتطبيق القانون ضد التحريض على رئيس الحكومة، ودعوات رفض الخدمة العسكرية. أمّا الوزير شلومو كرعي، فقد ذهب أبعد من ذلك قائلاً: "من يسعى لقتلك، عليك المبادرة إلى طرْده."
  • ويتمثل الدافع الأساسي لهذه الهجمات في أن المستشارة القضائية للحكومة تُعتبر الخطر الأكبر على استقرار الائتلاف الحكومي، بسبب إصرارها على تطبيق القانون وقرارات المحكمة العليا، وخصوصاً فيما يتعلق بقضية إعفاء طلبة المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية. ويُضاف إلى ذلك رغبة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في تعيين مستشار قانوني جديد يُمكِنه تأجيل الإجراءات القضائية التي ستُتخذ ضده بحجة استمرار الحرب. كما أن وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، لديه مصلحة في تهديد المستشارة القضائية قُبيل استدعاء مكتبه إلى التحقيق يوم الخميس المقبل بشأن شبهات فساد تتعلق بتوزيع الأسلحة.
  • ويُعتبر الهجوم الحالي أيضاً جزءاً من محاولات الحيلولة دون إنشاء لجنة تحقيق رسمية لتحميل القضاء المسؤولية عن فشل 7 تشرين الأول/أكتوبر، على الرغم من أن المستشارة القضائية والمدعية العسكرية العامة قدمتا الدعم الكامل إلى جميع إجراءات الحكومة خلال الحرب.
  • وليست المستشارة القضائية مجرد شخصية، بل أيضاً هي تقف على رأس هرم يضم المئات من المستشارين القانونيين في الوزارات المتعددة، والمحامين البارعين في وزارة العدل، وإقالة المستشارة ليست مسألة بسيطة؛ فقد أقرت لجنة شمغار، التي تشكلت بعد قضية بار أون حفرون،[1]  إجراءات صارمة لإقالة المستشارين القانونيين، تضمنت استشارة لجنة عامة يرأسها قاضٍ متقاعد من المحكمة العليا. ويحدد القانون أربعة أسباب فقط للإقالة، هي: عدم الكفاءة، وإجراء تحقيق جنائي ضد المستشار، وممارسة المستشار سلوكاً غير لائق، أو خلافات جوهرية ومستمرة مع الحكومة تعيق التعاون بينهما. لكن من المشكوك فيه أن تكون هناك فرصة قانونية ضد المستشارة الحالية، وخصوصاً إذا كان نتنياهو متورطاً في هذا الإجراء، نظراً إلى تعارُض المصالح الحاد بين كونه متهماً في قضايا جنائية ومسؤولاً عن المدعي العام.
  • صحيح أن هناك من يرى أن دور المستشار القضائي واسع جداً، لكن صلاحيات المستشار القضائي مُحددة في مئات القوانين التي سنّها الكنيست، وأصبحت ركناً أساسياً لضمان حقوق الإنسان في إسرائيل؛ فالديمقراطية ليست فقط حكم الأغلبية كما هو الحال في روسيا أو تركيا، بل أيضاً هي في حاجة إلى نظام قضائي مستقل يحمي حقوق الأفراد.
  • ويتمحور النزاع الحالي بصورة واضحة بشأن قضية إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، وهو ما يثقل كاهل جنود الاحتياط الذين يمثلون 5% من السكان ويخدمون مئات الأيام سنوياً، بينما يُعفى عشرات الآلاف من الحريديم. وفي هذا السياق، تؤدي المحكمة العليا والمستشارة القضائية دوراً حاسماً في حماية الأقلية من انتهاكات الأغلبية؛ إذ تفتقر إسرائيل إلى ضوابط كافية لكبح جماح الحكومة، في ظل سيطرة الحكومة على الكنيست، واعتماد أعضاء الكنيست عليها من أجل استمرارهم في مناصبهم.
  • وفي وضع كهذا، تعَد المحكمة العليا والمستشارة القضائية الجهتَين الوحيدتَين القادرتَين على حماية الأقليات من الاضطهاد، وذلك لأن إسرائيل تُعتبر ديمقراطية هشة، تفتقر إلى التوازنات والضوابط الكافية للحد من تجاوزات الحكومة. وفي ظل واقعنا البرلماني، حيث تسيطر الحكومة وإدارة الائتلاف بصورة شبه كاملة على الكنيست، فإن الدولة تصبح عاجزة عن ممارسة رقابة فاعلة على أعمال الحكومة، وخصوصاً من جانب أعضاء الكنيست "النرويجيين"[2]  الذين يعتمد استمرارهم في مناصبهم على رضا الحكومة.
  • أمّا المستشارة القضائية، فهي تتمتع باستقلالية كاملة وصلاحيات واسعة، فهي المسؤولة عن تقديم المشورة القانونية إلى الحكومة ومؤسساتها، وعن النيابة العامة وتمثيل الدولة والمصلحة العامة أمام المحاكم، كما أنها المفسرة القانونية المخولة بتقييم مدى قانونية تصرفات الحكومة.
  • هناك من يدّعون أن الجدل بشأن تعزيز مكانة المستشارة القضائية هو جزء من صراع سياسي بين الهيمنة المابائية[3] القديمة وحكومات اليمين منذ سنة 1977. لكن هذا الادعاء لا أساس له من الصحة؛ إذ إن التوتر بين السلطة ومن يسعون للحد من تجاوزاتها بدأ منذ السنوات الأولى لتأسيس الدولة، وبلغ ذروته سنة 1962، عندما نشأ نزاع بين وزير العدل دوف يوسف والمستشار القضائي آنذاك غدعون هوزنر. وفي تلك الفترة، تم تشكيل "لجنة أغرانات الأولى" لدراسة صلاحيات المستشار القضائي.
  • يمكن حل التوتر بين المستشارة القضائية والحكومة عبر إجراء إصلاحات في النظام القضائي، وكذلك في نظام تقديم الاستشارات القانونية، لكن لا يمكن تنفيذ هذه الإصلاحات في زمن الحرب، إذ سيؤدي كل نزاع داخلي إلى تعزيز قوة أعدائنا.
  • ويمكن، أيضاً، النظر في إصلاحات ضرورية في نظام تقديم المشورة القانونية، كتحديد مدة ولاية المستشارين القضائيين، أو تقسيم مهام المستشار القضائي بين رئيس للشؤون المدنية الإدارية ورئيس للشؤون الجنائية. لكن لا يمكن تنفيذ إصلاحات كهذه إلاّ بعد انتهاء الحرب، وفي ظل توافق واسع في الخريطة السياسية الإسرائيلية، وليس في ظل حملة تشويه من الائتلاف ضمن جهود البقاء السياسي واتهامات زائفة تستهدف المستشارة القضائية والنظام القضائي.

________

[1] هي فضيحة سياسية وقضائية بارزة وقعت في إسرائيل سنة 1997، وتمحورت بشأن محاولات تعيين المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية بطريقة مثيرة للجدل. وارتبطت القضية بشبهات بشأن وجود صفقة سياسية تهدف إلى تعيين محامٍ يُدعى رانان براون في منصب المستشار القضائي للحكومة، في مقابل دعم سياسي لقضايا تخص رئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو. [المترجم]

[2] يشير مصطلح "أعضاء الكنيست النرويجيين" إلى النواب الذين يدخلون الكنيست بموجب آلية مستوحاة من النظام البرلماني في النرويج، حيث يستقيل الوزراء من عضويتهم في الكنيست عند تعيينهم في الحكومة، لإفساح المجال أمام مرشحين آخرين من قوائم أحزابهم. وتهدف هذه الآلية إلى فصل العمل التنفيذي عن التشريعي، لكنها تُنتقد لأنها تجعل النواب الذين يدخلون بهذه الطريقة أكثر تبعية للحزب أو الحكومة، وهو ما يمكن أن يضعف استقلاليتهم البرلمانية. [المترجم]

[3] تشير "الهيمنة المابائية" إلى فترة السيطرة السياسية لحزب مباي (حزب عمال أرض إسرائيل، ولاحقاً حزب العمل، الذي أسسه بن غوريون) والأحزاب المرتبطة به على الحياة السياسية والاجتماعية في إسرائيل منذ تأسيس الدولة سنة 1948 وحتى انقلاب 1977 السياسي الذي أوصل أحزاب اليمين بزعامة الليكود إلى الحكم. وتميزت هذه الهيمنة بسيطرة النخب المرتبطة بمباي على مؤسسات الدولة، والجيش، والهستدروت، والنظام القضائي. ويُنظر إليها على أنها شكلت ثقافة سياسية أحادية تركزت بشأن قيم الصهيونية العمالية، لكنها واجهت انتقادات لتهميشها الأقليات والأطياف السياسية الأُخرى، وخصوصاً اليهود الشرقيين والأحزاب الدينية واليمينية. هناك نقمة في صفوف القواعد الانتخابية لأحزاب الائتلاف الحكومي ضد هذه الهيمنة، وتُعد هي المحرك الأساسي لنقمتهم ضد مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المحكمة العليا، بَيد أن هذه النقمة تطال أحياناً مؤسسات الجيش والمنظومة الأمنية نفسها. وهي تُعد المحرك الأساسي أيضاً والدافع لمحاولات "الانقلاب القضائي" الذي تحاول الحكومة الإسرائيلية تنفيذه منذ استلامها مقاليد الحكم. [المترجم]