حظْر عمل الأونروا في غزة والضفة الغربية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • إن قرار الكنيست في 28 تشرين الأول/أكتوبر حظْر عمل الأونروا في غزة والضفة الغربية هو هدف مضاد بصورة "مذهلة"، فبعد القرار، سيحصل 2.5 مليون فلسطيني في غزة والضفة الغربية على مستوى جديد وأكبر من الحماية الدولية من المفوضية العليا للّاجئين (UNHCR)، التي بالنسبة إليها يتمثل الحل الأفضل لحالات اللجوء الطويلة الأمد في العودة الطوعية إلى الوطن، وحق العودة.
  • وهذا هو نقيض ما كانت تأمل الحكومة اليمينية المتطرفة تحقيقه عندما قررت تدمير الأونروا وهي في حالة نشوة سلطة ودوار بعد ما تعتبره انتصاراً عسكرياً في غزة، وتحركت بصورة واهمة واستناداً إلى معلومات مغلوطة. لقد اعتقدت الحكومة أنه إذا منعت عمل الأونروا، فسيكون في الإمكان طرد اللاجئين الذين تقدّم إليهم خدماتها من عملية السلام، ومحوهم من تاريخهم وحرمانهم من حقوقهم، وستختفي حججهم التاريخية.
  • لكن إسرائيل ستدرك أن 6.8 مليون شخص، وهو عدد اللاجئين المسجلين رسمياً لدى الأونروا (وبينهم أولئك الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين في سورية ولبنان والأردن)، لن يختفوا بهذه السهولة، على الرغم من التأييد السياسي لواشنطن والقوة العسكرية لإسرائيل.
  • إن مسؤولية المفوضية العليا للّاجئين في الأمم المتحدة إزاء اللاجئين الفلسطينيين منصوص عليها في المادة دال من اتفاقية اللجوء العائدة إلى سنة 1951. وتوضح العبارة الثانية في المادة هذا الأمر جيداً: "إذا توقفت هذه الحماية أو المساعدة لأي سبب دون أن يكون مصير هؤلاء الأشخاص قد سوي نهائياً طبقاً لما يتصل بالأمر من القرارات التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة يصبح هؤلاء الأشخاص، بجرّاء ذلك، مؤهلين للتمتع بمزايا هذه الاتفاقية." [الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين، الأمم المتحدة، حقوق الإنسان، مكتب المفوض السامي]
  • ومعنى ذلك أنه إذا جرى تطبيق قرار الكنيست ومنعت الأونروا من تقديم الخدمات، فإن اللاجئين الفلسطينين في ظل غياب حل عادل وقابل للحياة، وهو اليوم بعيد أكثر من أي يوم آخر، سيصبحون خاضعين لاتفاقية اللاجئين، وتابعين للمفوضية العليا للّاجئين UNHCR، وقد تمت الموافقة على ذلك في الخطوط التوجيهية التي أصدرتها المفوضية سنة 2017. وتشدد المادة 29 على أنه "عندما تتوقف حماية الأونروا أو مساعدتها فإن اللاجئ الفلسطيني سيكون بصورة تلقائيه له الحق في التقديمات بحسب معاهدة 1951."
  • وفي حالة كهذه، فإن هذا لا ينطبق فقط على اللاجئين الحاليين، بل أيضاً على الأجيال القادمة المسجلة في الأونروا. وفي ظل غياب قرار بشأن وضعهم كلاجئين، فسيكون لهم الحق في الحصول على الحماية الدولية المنصوص عليها في اتفاقية اللاجئين. وكي نكون واضحين، فكما تسجل الأونروا، تسجل المفوضية العليا للّاجئين أيضاً أولاد اللاجئين وفق قانون جمع الشمل. وبناءً على ذلك، فسيظل عدد اللاجئين الفلسطينيين يزداد تحت رعاية المفوضية العليا للّاجئين تماماً كما كان يجري برعاية الأونروا، إلى حين التوصل إلى سلام عادل وقابل للحياة.
  • وفي هذه الأثناء، تواصل الأونروا عملها بالقدر الممكن، وتواصل تحديث قوائمها الخاصة باللاجئين. وقد خاطرت الوكالة بنقل آلاف الوثائق عن السجلات التي يعود بعضها إلى سنة 1948، وأخرجتها من مقر الوكالة في غزة خلال القتال الحالي، كما أخرجت هذه السجلات من الضفة الغربية ونقلتها إلى مقرها في عمّان، وبفضل تفاني عمل موظفيها، جرت رقمنة هذه السجلات بالكامل وحفظها.
  • إن المحافظة على الركيزة الأساسية لثقافة اللاجئين وهويتهم ستكون موضع ارتياح عام وسط الشتات الفلسطيني، ولدى الناجين من النكبة، والذين يواجهون، بحسب فرانشيسكا ألبانيز، المسؤولة عن تقديم التقرير إلى الأمم المتحدة، ما تسميه خطر "المحو الاستعماري". وطبعاً، نظراً إلى أن إسرائيل غير قادرة على تدمير قاعدة البيانات المهمة، فإنه ستكون لذلك أهمية كبيرة إذا ما قرر اللاجئون المطالبة بحقهم في العودة أو استعادة أملاكهم والحصول على تعويضات من إسرائيل التي من حقهم الحصول عليها بحسب القانون الدولي الذي أُقر في القرار 194 الصادر عن الجمعية العمومية في الأمم المتحدة. وعلى الرغم من أن هذا الأمر غير قابل للتطبيق فوراً، فإن قاعدة البيانات الرقمية الكاملة لوكالة الأونروا تحفظ لهم هذا الحق.
  • وفي نظرة إلى المستقبل، فإن القيادة الإنسانية ترتقي قيمتها عندما تقول ما قاله الأمين العالم للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش؛ إنه في غياب الأونروا، فإن واجب تقديم الخدمات إلى اللاجئين الفلسطينيين يقع حصراً على عاتق قوة الاحتلال إسرائيل. وهذا أمر مخزٍ، ولا سيما عندما تكون إسرائيل متورطة في ما تعتبره محكمة العدل الدولية جريمة إبادة جماعية، بالإضافة إلى إصدار محكمة الجنايات الدولية أوامر اعتقال ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بينها استخدام التجويع كسلاح والاضطهاد وغيرها من أفعال غير إنسانية.
  • من المحزن سماع غوتيريش يتحدث عن مسؤولية الاحتلال. قبل تعيينه أميناً عاماً للأمم المتحدة، عمل غوتيريش لمدة 10 سنوات في منصب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومن الواضح أنه على دراية تامة بتدابير الحماية الواردة في المادة دال من اتفاقية 1951.
  • بالإضافة إلى ذلك، من المناسب أن يأتي المفوض السامي الحالي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، الذي شغل سابقاً منصب نائب المفوض العام عن الأونروا، وبعدها منصب المفوض العام منذ سنة 2005 وحتى سنة 2014 وقد دافع عن الوكالة علناً وبحزم، ومن المعروف التزامه بقضية اللاجئين الفلسطينيين. في هذه اللحظة الحرجة، يتعين على القيادة الرفيعة المستوى في الأمم المتحدة أن تتعهد بصورة قاطعة أمام الفلسطنيين بأن للأمم المتحدة واجباً تاريخياً إزاءهم، وأنها ستدافع عن حقوقهم، وسيكون لهم الحق في العودة كعشرات الملايين من اللاجئين في العالم.
  • وإذا استمر هذا الجنون، فإن نهاية الأونروا ستفتح فصلاً جديداً أقوى يتعلق بحق عودة الفلسطينيين، وستنتقل المسؤولية عنهم من مؤسسة إقليمية صغيرة نسبياً إلى منظمة عالمية دافعت لفترات طويلة عن حقوق الإنسان وحق العودة في حالات اللجوء الطويلة الأمد.
  • عندما تواجه الأونروا تهديداً وجودياً ويواجه اللاجئون الفلسطينيون الذين تقدّم إليهم خدماتها خطر "المحو الاستعماري"، فإنني أدعو الأمم المتحدة المسؤولة عن عمل الأونروا إلى إحالة القضية على وجه السرعة إلى مجلس الأمن. كما أدعو غوتيريش إلى ممارسة صلاحياته وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، والتحرك لحماية الأونروا ودعمها باعتبارها الهيئة المسوؤلة وفقاً لتفويضها عن المحافظة على السلام والأمن الدوليَين.
  • وبينما الشرق الأوسط في حالة حرب، فإن الأمن والسلام الدوليَين في خطر إذا سُمح لإسرائيل تدمير الوكالة التي ساهمت خدماتها في ولادة رأس مال بشري وأمل بمستقبل من السلام وسط هذه الجماعة الضعيفة والمستضعفة في الشرق الأوسط منذ 75 عاماً.

 

 

المزيد ضمن العدد