على الرغم من سلسلة الضربات على اليمن، فإنهم في إسرائيل يعرفون أن الطريق إلى الردع لا يزال طويلاً
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • إن الإزعاجات المتتالية التي عانى جرّاءها سكان وسط البلد في منتصف الليل بسبب إطلاق الصواريخ من اليمن كانت مخجلة بعض الشيء أمام محاولات الحكومة التفاخر بالانتصار المطلق الذي يصورونه على أنه على بُعد خطوة. لا شك في أن إسرائيل حققت سلسلة من الإنجازات الاستراتيجية المذهلة على كل الجبهات بعد الصدمة المؤلمة جرّاء "مذبحة" 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وكان القصف الحوثي الذي تم اعتراضه في أغلب الأحيان عبر منظومة الدفاع الجوي "حيتس" بمثابة تذكير بأن الوضع لا يزال بعيداً عن النهاية. وقد وجدت إسرائيل نفسها الآن أمام حرب استنزاف جديدة تُدار الآن من اليمن، وبصورة غير مباشرة من إيران كما يبدو.
  • ولا تزال أجهزة الأمن مترددة بشأن مدى استقلالية القرار الحوثي وقوة التأثير والتشجيع اللذين يحصل عليهما من إيران. ومع وقف إطلاق النار في لبنان، ووقف إطلاق المسيّرات من العراق، وتراجُع القتال في غزة، فإن الحوثيين باتوا التهديد المركزي على مركز البلد، والجهد الذي يبذلونه من جانبهم هامشي جداً؛ فيكفي لصاروخ واحد كُل يومين بالمعدل كي يضعهم في الوعي بأنهم الوحيدون الذين يتحملون ثقل النضال ضد إسرائيل كنوع من أنواع التضامن مع ما تبقّى من الذراع العسكرية لـ "حماس" في غزة. وفي المقابل، تحتاج إسرائيل إلى جهود عظيمة جداً من أجل الرد، والقصف باستعمال طائرات حربية على مسافة 1800 كيلومتر، وهو ما يحتاج إلى استثمار وموارد كثيرة.
  • يوم أمس الخميس، هاجم سلاح الجو مواقع في اليمن للمرة الرابعة منذ بدء الحرب، وللمرة الثانية خلال أسبوع، وهذه المرة تم استهداف مواقع بنى تحتية مدنية، بينها المطار الدولي في صنعاء. وقد هددت القيادة الحوثية بالرد على هذه الهجمات، وفي إسرائيل يعرفون أن هذا لن يكون كافياً من أجل وقف تبادُل إطلاق النار، وتأمل المنظومة الأمنية بتعزيز التنسيق الأمني مع الأميركيين والبريطانيين لزيادة الضغط على الحوثيين. وهناك شكوك أيضاً بشأن ما إذا سيكون هذا كافياً لتحقيق الهدف.
  • والمعضلة هي أنه على الرغم من حجم الضرر الكبير الناجم عن الضربات الإسرائيلية، فإنها لا تزال غير كافية لردع الحوثيين؛ فالمتمردون في اليمن الذين واجهوا بنجاح الحكومة المحلية، والسعودية والإمارات، لا يرتدعون، ومن الصعب التهديد بإعادتهم إلى العصر الحجري لأنهم أصلاً هناك إلى حد ما، باستثناء قدراتهم القتالية التكنولوجية طبعاً.
  • وفي هذا الأسبوع، نُشر في الإعلام أن رئيس الموساد دافيد برنياع أوصى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالرد على القصف الحوثي عبر ضرب إيران. وفي هذا السياق، فمن المهم الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى المشكلة الحوثية الذي يبدو أنها لن تُحل إلاّ بصفقة تبادل أسرى ووقف القتال في غزة، توجد قضية استراتيجية أكبر بكثير تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني وطُرق التعامل معه، إذ إن النظام الإيراني اليوم أقرب من أي وقت مضى من الوصول إلى قدرات نووية كاملة. حتى إن النظام يمكن أن يتخذ قراراً بالتوجه إلى هذا الاتجاه بعد سلسلة الضربات التي تلقّاها في السنة الماضية، تتضمن الضرر الذي لحق بـ "حماس" وفشل حزب الله وسقوط نظام الأسد والضرر الذي لحق بمنظومات الدفاع الجوي وخطوط إنتاج الأسلحة الباليستية في إيران نفسها نتيجة الضربة الإسرائيلية الأخيرة في 26 تشرين الأول/أكتوبر.
  • إن المتغير المركزي في المعادلة إلى جانب موقع الضعف الذي تتواجد فيه إيران هو السياسة الأميركية؛ فإدارة بايدن تبنّت نهجاً متصالحاً مع الإيرانيين، لكنها لم تنجح في التوصل إلى اتفاق معهم يكون بديلاً للاتفاق الذي انسحب منه ترامب سنة 2018. وسيعود ترامب إلى السلطة ويتبنّى سياسة أكثر عدائية تجاه إيران بوضوح، وخصوصاً بعد ما كُشف بشأن أن الإيرانيين أرادوا اغتياله بعد خسارته لأمام بايدن في انتخابات 2020، انتقاماً منه لأنه هو من أمر باغتيال الجنرال قاسم سليماني، وسيكون على الرئيس المنتخَب أن يقرر إذا ما كان سيحاول التوصل إلى اتفاق نووي جديد ومتطلب أكثر من الإيرانيين، أو أن يدعم خطوة عسكرية إسرائيلية تضرب للمرة الأولى المنشآت النووية الإيرانية ذاتها.
  • إيران ليست في أضعف نقطة فقط، بل أيضاً مكشوفة أكثر من أي وقت مضى لتلقّي ضربة، وذلك بسبب تقشير طبقات الدفاع الخاصة بها. والوعد بمنع إيران من الوصول إلى سلاح نووي، حتى لو كان بالقوة، هو مبدأ أساسي استراتيجي بالنسبة إلى نتنياهو منذ 20 عاماً على الأقل. لذلك، فإن إمكان الضربة الإسرائيلية التي ستركز هذه المرة على إبعاد إيران عن القدرات النووية سيكون في رأس عناوين الشرق الأوسط خلال الأشهر الأولى من بدء ولاية ترامب الثانية. وهناك محادثات كثيفة بدأت تدور في هذا الشأن منذ الآن بين منتجع مارا لاغو [ في فلوريدا] والقدس.
  • وعلى الرغم من ذلك، فإن القصة معقدة؛ فكميات اليورانيوم المخصب التي تم تجميعها ودرجة التخصيب العالية والمواقع التحت الأرضية المحمية التي تتواجد فيها، كلها أمور تصعب ضربها بنجاعة. وبعض التوصيات مؤخراً بدأت تركز على إلحاق الضرر بالمواقع التي تُعد تابعة للنظام بهدف إضعافه على أمل إسقاطه، وهذا هدف طموح جداً، فالتاريخ الفارسي مليء بمحاولات التدخل الخارجي الفاشلة.
  • والساحة الوحيدة التي تم فيها حسم الصراع حتى الآن هي لبنان؛ فبعد شهر على دخول وقف إطلاق النار هناك حيز التنفيذ، لا يبدو أن حزب الله حاول فعلاً خرقها، إنما إسرائيل هي من يتبنّى سياسة أكثر عدوانية من أجل إيصال رسالة إلى التنظيم الشيعي فحواها أنه من الأفضل له الامتناع من الاستفزازات. وإلى جانب التسريبات الإعلامية العدوانية، فإن الجيش عرض على الجمهور خلال الأسبوع مجموعة من الأدوات القتالية التي تركها رجال حزب الله وراءهم بعد هروبهم من جنوب لبنان.
  • ويُسمح للجيش أن يعرض إنجازاته، وخصوصاً قيادة الشمال، إذ لم يحدث هناك فشل كبير كما حدث على حدود قطاع غزة. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه الاحتفالات أدت إلى ردود عكسية أيضاً؛ فنشْر القوات في الشمال كان شبيهاً بنشْر القوات القليل على حدود غزة، ولو اختار حزب الله الانضمام إلى "حماس" صباح 7 تشرين الأول/أكتوبر، لكانت النتيجة شبيهة في الشمال، ولكان البئر الاستراتيجي الذي ستسقط فيه إسرائيل أعمق بكثير، وأيضاً، فإنه بالنسبة إلى سكان الشمال، فإن هذه المعدات القتالية تشير إلى أن حزب الله بنى منظومات هجومية جاهزة ليوم يقرر فيه الهجوم بالقرب من الحدود، وتحت أعين الجيش من دون أن يتم اتخاذ أي خطوة هجومية لإحباطه، حتى اندلعت الحرب.
 

المزيد ضمن العدد