من هم الذين يخافون من إقامة دولة فلسطينية
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • عندما يُسأل قادة أحزاب الوسط واليسار عن رأيهم في كيفية التوصل إلى تسوية نهائية بين الشعبين المقيمَين بأرض إسرائيل واللذين يتساوى عددهما، فإن قادة هذه الأحزاب يترددون في النطق بعبارة "حل الدولتين"؛ إذ يوضح لهم المستشارون الإعلاميون وخبراء الرأي العام أن الشعب الإسرائيلي، بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، يخشى فكرة قيام دولة فلسطينية، بغض النظر عن شروط إقامتها. ويرجع ذلك، إلى حد كبير، إلى نجاح نتنياهو في شيطنة السلطة الفلسطينية، وذلك، بصورة خاصة، بهدف تبرير دعمه خلال فترات حكمه لتعزيز قوة حركة "حماس" العدائية، وهي عدوة السلطة. أمّا في المحادثات التي تجري وراء الأبواب المغلقة، فيعترف هؤلاء القادة بأنه لا يمكن العيش في هذه الأرض من دون تمكين خمسة ملايين ونصف مليون فلسطيني من العيش في دولة خاصة بهم، على نحو خُمس مساحة أرض إسرائيل، شرط أن يكون ذلك خاضعاً لشروط أمنية.
  • ومع ما تقدّم، فإننا نُضطر في وقت مبكر أكثر مما نظن إلى أن نحسم القرار المتعلق بكيفية رغبتنا في العيش هنا بأمان. وبناء عليه، فمن المهم توضيح الحقائق كما هي.
  • الحقيقة الأهم هنا هي أن إسرائيل هي الدولة الأقوى بين بحر قزوين والمحيط الأطلسي، وقد ثبت ذلك خلال السنة الماضية. فما التهديد الذي يمكن أن تشكله دولة فلسطينية على إسرائيل القوية هذه؟ هناك حالتان فقط يمكن أن يحدث فيهما هذا التهديد؛ الأولى: إذا تم نشر جيش معادٍ لإسرائيل داخل أراضي الدولة الفلسطينية، والثانية: إذا كانت الدولة الفلسطينية نفسها تحت سيطرة تنظيم "إرهابي" يرفض الاعتراف بوجود إسرائيل. يمكن تلافي الحالة الأولى عبر اشتراط أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وألاّ يتمركز فيها أي جيش أجنبي، وهذا شرط أساسي لأي اتفاق، وإسرائيل قادرة على فرضه.
  • أمّا تلافي الوضع الثاني، فهو أكثر تعقيداً؛ إذ مررنا بهذا السيناريو من قبل، مع الأسف، لأن الحكومة الإسرائيلية ارتكبت كل الأخطاء الممكنة بهدف تمكين "حماس" من السيطرة على غزة. والمخاوف من أن ما حدث في غلاف غزة ربما يتكرر في كفر سابا وجلبوع[1]  ليست بلا أساس. ومع ذلك، فإن هذا ليس قدراً محتوماً؛ إذ يمكن لإسرائيل أن تتلافى الأمر تماماً من دون أن تفقد طابعها اليهودي، ومن دون الحاجة أيضاً إلى السيطرة بالقوة على خمسة ملايين ونصف مليون فلسطيني.
  • أربعون عاماً مرّت منذ أن عيّنني يتسحاق رابين رئيساً للإدارة المدنية في الضفة الغربية، وخلالها انشغلتُ بالسؤال: كيف نضمن أن المناطق المأهولة بالفلسطينيين تُدار من جانب قيادة ترغب في العيش إلى جانبنا بسلام؟ لقد أجريتُ حوارات معمقة ومفاوضات مع كل زعيم فلسطيني في تلك المناطق تقريباً، وكل ما أكتبه هنا يستند إلى معرفة عميقة بالفلسطينيين. طبعاً لا أحد من هؤلاء مؤيد للصهيونية، لكن جميعهم، بما في ذلك مَن يسعون لاستبدال أبو مازن، ملتزمون سياسته الرافضة للإرهاب، ويؤمنون بإقامة الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل وعيشها بسلام. وهناك عاملان موضوعيان يدعمان هذا الالتزام.
  • العامل الأول، هو العداء العميق مع "حماس". ولم يكن من قبيل الصدفة فشل محاولات المصالحة بين "فتح" و"حماس"؛ فـ "حماس"، الضاربة جذورها في حركة الإخوان المسلمين، ترفض أي شراكة في الحكم، وأهدافها لا تتمثل في إقامة دولة وطنية فلسطينية، إنما "خلافة إسلامية في الإقليم بأكمله، في ظل الشريعة الإسلامية، وتطمح إلى إقامة دولة دينية" [كذا]. أمّا الحركة الوطنية الفلسطينية العلمانية، التي تُعد "فتح" رأس الحربة فيها، فتسعى لإقامة دولة قومية علمانية حديثة. ولا يوجد مجال للتوفيق بين هذين التوجهين المتناقضين، ولا التنازل عن السلطة. لذلك، فإن المصالحة السياسية بين المنظمتين مستحيلة، باستثناء بعض التفاهمات التكتيكية القصيرة المدى. و"تتشارك القيادة الوطنية الفلسطينية العلمانية وإسرائيل عدواً مشتركاً، وهو حركة "حماس"". ولهذا السبب، فقد نجح التنسيق الأمني واستمر على الرغم من العداء الإسرائيلي - الفلسطيني. وتهدف "حماس" إلى السيطرة على الضفة الغربية، والانتقام من عناصر السلطة الفلسطينية، وشن حملة "إرهابية" ضد إسرائيل على غرار ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر. ومن المؤسف أن الأموال التي حُولت إلى "حماس" بمباركة الحكومة الإسرائيلية استُخدمت أيضاً في بناء بنية تحتية لـ "الإرهاب" في الضفة الغربية.
  • أمّا العامل الثاني الذي يستوجب التعايش والتنسيق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، فهو العامل الاقتصادي؛ إذ يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الضفة الغربية نحو 3000 دولار، بينما يبلغ في إسرائيل نحو 52,000 دولار، أي نحو 17 ضعفاً. ولا توجد أي فرصة لإقامة مجتمع فلسطيني حديث ومزدهر من دون تعاون اقتصادي وثيق مع إسرائيل، ولن تستطيع أي دولة عربية تقديم الفرص الاقتصادية التي تستطيع إسرائيل الجارة تقديمها إلى الدولة الفلسطينية، وجميع القادة الفلسطينيين يدركون ذلك. فإذا ما أرادوا إقامة دولة مزدهرة، فَهُم في حاجة إلى العيش بسلام مع إسرائيل. ونظراً إلى الارتباط الأمني والاقتصادي، فإننا يمكننا أن نفهم السبب إذا كنا حكماء وليس فقط أقوياء، فإنه ينبغي علينا ألاّ نخشى وجود دولة فلسطينية إلى جانبنا.

 

[1] المناطق التي تُحصر فيها أراضي الضفة الغربية، أراضي فلسطين المحتلة سنة 1948 في أضيق خاصرة ممكنة، وهي قائمة بين مدينة نتانيا (قرية أم خالد المهجرة) على الساحل، وحدود شمال غرب الضفة الغربية.

 

المزيد ضمن العدد