معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- على مدار السنوات، طُرحت اقتراحات عديدة في إسرائيل لإجراء إصلاحات في عمل "الأونروا"، أو حتى وقف عملها، واستبدالها بمنظمات إغاثية ومؤسسات أُخرى تابعة للأمم المتحدة. وبالإضافة إلى الادعاءات المختلفة بشأن "الفساد" في "الأونروا" وعدم حيادها، يرون في إسرائيل أنها عامل مركزي في تأبيد الصراع مع الفلسطينيين. وهذا بسبب المكانة الخاصة التي تمنحها للاجئين الفلسطينيين، وهو ما يحفظ مطلبهم بـ"حق العودة". ففي موقع "الأونروا" الإلكتروني، مثلاً، هناك إشارة إلى أن الوكالة أنشئت من أجل تقديم المساعدات للفلسطينيين إلى حين تطبيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين - استناداً إلى قرار الأمم المتحدة الرقم 194،هذا بالإضافة إلى أن إسرائيل احتجت مرات لا تحصى على المضامين التحريضية في مدارس الوكالة وانضمام خريجيها إلى "حماس" والجهاد الإسلامي. وعلى الرغم من ذلك، فإن إسرائيل لم تعالج الموضوع عملياً إلّا مؤخراً.
- حدث التحول في العام الماضي، بعد اكتشاف مستندات خلال القتال في قطاع غزة تشير إلى تدخُّل "حماس" بشكل عميق ومباشر في عمل الوكالة وانتماء موظفين فيها إلى الحركة. وكُشف أساساً أن موظفين في "الأونروا" شاركوا في "مذبحة" 7 تشرين الأول/أكتوبر، واحتفظوا بمختطفين في منازلهم. وكُشف أيضاً أن "حماس" تستعمل مواقع الوكالة بشكل واسع، ومن ضمنها العيادات والمدارس، لأهداف قتالية، مثل إخفاء السلاح والأدوات القتالية والأنفاق.
- ونتيجة لذلك، فقدت الوكالة بقايا الشرعية التي كانت لديها في إسرائيل. وفي خطوة غير مسبوقة، قام عدد من الدول، بينها الولايات المتحدة وألمانيا - وهي الدول الداعمة المركزية - بتجميد التمويل. هذا ما دفع بأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى تعيين لجنة تحقيق في شباط/فبراير 2024 للبحث في هذه الادعاءات ضد "الأونروا"، برئاسة وزيرة خارجية فرنسا السابقة كاترين كولونا. صحيح أن "تقرير كولونا" لم يقبل الادعاءات الإسرائيلية أن "حماس" تستعمل "الأونروا"، إلّا أنه أوصى بإصلاحات متعددة. إسرائيل من طرفها، رفضت استخلاصات التقرير بادّعاء أنه يتجاهل المشكلة الأساسية، ويقترح "حلولاً شكلية"، من أجل أن تعيد الدول تمويل للوكالة. هذا التقرير، إلى جانب رفض إسرائيل النقاش بشأن "اليوم التالي" في غزة، دفعا بعض الدول إلى إعادة تمويل "الأونروا".
- لذلك، تسارع المسار التشريعي ضد "الأونروا"، وفي 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، تمت المصادقة على قانونَين في الكنيست لمنع عمل الوكالة. حازت القوانين دعماً جماهيرياً واسعاً، ودعماً من طرفَي الخريطة السياسية في الكنيست، وعلى الرغم من الضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي بهدف منع الخطوة، فإن تشريع القوانين أقرّ حتى نهاية كانون الثاني/يناير 2025، وخططت إسرائيل لإيجاد بدائل من عمل الوكالة حتى هذا التاريخ.
ماذا تقرّ القوانين
- تهدف قوانين "الأونروا" إلى فصل العلاقة ما بين دولة إسرائيل و"الأونروا" من أجل تقليص عمل الوكالة. القانون الأول يمنع "الأونروا" من أن يكون لديها ممثلية، أو تمنح خدمات، أو تقيم أيّ نوع من العمل المباشر، أو غير المباشر، في أراضي دولة إسرائيل. وهو ما يعني أن "الأونروا" لن تستطيع العمل في شرقي القدس، وسيتوجب عليها وقف كل أعمالها في المدينة. أمّا القانون الثاني فيمنع السلطات والأشخاص، الذين يشغلون مناصب عامة، من إقامة أيّ علاقة بـ "الأونروا"، أو بجهات من طرفها. ومعناه أن الجهات الرسمية الإسرائيلية لن تستطيع التعامل مع "الأونروا"، أو أيّ جهة من طرفها. واستناداً إلى ذلك، بدءاً من نهاية كانون الثاني/يناير 2025، لن تستطيع وزارتا الخارجية والداخلية إصدار تصاريح دخول أو عمل لموظفي "الأونروا"، أو معالجة الطلبات؛ كما أن البنوك الإسرائيلية ستواجه صعوبات في منح خدمات بنكية للوكالة؛ وسيتوجب على الجيش قطع علاقات العمل مع الوكالة، ومن ضمنها مكتب منسّق أعمال الحكومة مع جهات فلسطينية، عبر "الأونروا". وتضاف إلى ذلك ادّعاءات الأمم المتحدة أن القانون سيُلحق الضرر بالتسهيلات الضريبية والحصانة الدبلوماسية التي تتمتع بها الوكالة.
- كذلك، فإن التشريعات تفرض قيوداً على عمل الوكالة خارج حدود إسرائيل السيادية أيضاً - الضفة الغربية وقطاع غزة- حيث ترتبط هذه المناطق بعلاقات كثيرة مع جهات إسرائيلية رسمية، وتحتاج إلى تنسيق. وبحسب القانون، يُمنع أيضاً بناء علاقات غير مباشرة، عبر طرف ثالث، مع "الأونروا".
الانتقادات الدولية للتشريعات
- إلى جانب الدعم الكبير الذي حازته التشريعات في إسرائيل، فإنها تعرّضت أيضاً لانتقادات واسعة وحادة في العالم. إذ عبّر عدد من الدول عن التخوف من الضرر الذي سيلحق بعمل "الأونروا"، وأن هذا الضرر يمكن أن يؤدي إلى كارثة إنسانية وانتشار المجاعة والأوبئة في القطاع، إلى جانب ضرر غير مسبوق سيلحق بخدمات الوكالة في الضفة الغربية. الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ادّعى أن التشريع سيؤدي إلى نتائج هدامة، وأنه لا بديل من الأونروا، ويوم 11 كانون الأول/ديسمبر، مرّرت الهيئة العامة للأمم المتحدة قراراً يطالب إسرائيل بإزالة القيود التي فرضتها على عمل الوكالة.
- إسرائيل من جانبها، ادّعت أنه ليس فقط يمكن استبدال "الأونروا،" بل من الضروري أيضاً استبدالها. ففي الرسالة التي أرسلتها للأمم المتحدة بشأن إلغاء الاتفاق مع الوكالة يوم 4 تشرين الثاني/نوفمبر، شددت إسرائيل على أن أغلبية المساعدات التي دخلت إلى غزة لم تكن من الوكالة، إنما من تنظيمات أُخرى تعمل في القطاع، وأنها تنوي توسيع عملها في مقابل هذه التنظيمات. ومن المهم الإشارة إلى أنه استناداً إلى أرقام "الأونروا"، ما قدمته الوكالة خلال أغلبية أشهر الحرب لم يتعدّ العشرين في المئة من المساعدات التي أُدخلت إلى القطاع، وأن نحو 13% فقط من مجمل المساعدات قبل التشريع أُدخلت من خلال "الأونروا".
ما هي إسقاطات وقف عمل "الأونروا"؟
- القانون الأول يركز على عمل "الأونروا" في إسرائيل، وإسقاطاته في الأساس على شرقي القدس، ومخيم اللاجئين "شعفاط"، حيث تمنح الوكالة أكثر من 16 ألفاً من السكان المسجلين كلاجئين كافة الخدمات تقريباً، وضمنها التعليم والرفاه الاجتماعي والصحة والنظافة والمساعدات. وسيتوجب على الوكالة وقف عملها في بقية مناطق شرقي القدس، حيث تعمل بحجم أقل، ويتضمن المدارس والمراكز الطبية في البلدة القديمة. وفي حال أوقفت "الأونروا" عملها، سيكون على إسرائيل، من خلال بلدية القدس، أن تستبدلها، وتموّل وتزوّد السكان بالخدمات وبناء أطر تعليمية وصحية وخدمات جماهيرية ومراكز إعادة تأهيل.
- أمّا القانون الثاني، فستكون إسقاطاته على عمل "الأونروا" في الضفة وقطاع غزة، ويمكن أن يُلحق الضرر الكبير بقدرتها على تزويد المجتمع الفلسطيني في هذه المناطق بالخدمات. في غزة، تزود "الأونروا" السكان بأغلبية الخدمات، وتشغّل نحو 13 ألف موظف، لكن، منذ بدء الحرب، يتركز عمل الوكالة على مجال الجهود الإنسانية، وخاصة اللوجستيات. لذلك، على الرغم من أن أكثرية المساعدات للقطاع لا تدخل إلى القطاع عبر "الأونروا"، فإن المنظمات الإغاثية الدولية التي تعمل في القطاع، في أغلبيتها، تستند إلى بنية الوكالة، على صعيد استقبال المساعدات وتخزينها ونقلها وتوزيعها، فـ"الأونروا" هي المسؤولة عن توزيع الغذاء على مئات الآلاف من سكان القطاع، وأيضاً هي جهة مهمة لإقامة مراكز الإيواء للسكان في غزة ومسؤولة عن التسجيل ومتابعة حاجات المجتمع في هذه المراكز. هذا الشتاء يمثل تحدياً خطِراً، أكثر من الشتاء السابق، فبعد مرور عام على الحرب، يقيم سكان القطاع، في معظمهم، بمراكز إيواء "الأونروا".
- وفي الضفة الغربية، تشغّل "الأونروا" نحو 3700 موظف، وتدفع تعويضات لأكثر من 150 ألفاً من الفلسطينيين من الضمان الوطني وخدمات أُخرى. كما أنها تشغّل 96 مدرسة ومراكز إعداد مهني، و43 عيادة ومستشفى، وهي مسؤولة عن جمع النفايات في كل مخيمات اللاجئين. ومن دون وجود بديل من "الأونروا"، فإن الضرر سيلحق بـ47 ألف طالب، بالإضافة إلى الخدمات في مراكز الوكالة ذاتها، وتفشّي البطالة وانعدام الدخل ومستحقات الموظفين. السلطة الفلسطينية، الضعيفة أصلاً، تواجه خطر الانهيار، وسيكون من الصعب عليها أن تكون بديلاً من "الأونروا"، وتزود بالخدمات بدلاً منها. ونتيجة لذلك، يمكن أن نجد أنفسنا أمام أزمة حادة في الضفة الغربية، وخصوصاً أن الوضع هشّ أصلاً، وتبلغ نسبة البطالة أكثر من 30%، وهو ما يمكن أن يزعزع الاستقرار أكثر. لذلك، فإن وقف عمل "الأونروا" يتطلب إيجاد بديل يزود بالخدمات المذكورة سابقاً.
إسقاطات التشريع على إسرائيل
- على الرغم من أن المصلحة الإسرائيلية في إغلاق "الأونروا" واضحة، فإنه لا يمكن تجاهُل الإسقاطات الإشكالية للتشريع على إسرائيل. الإسقاطات المركزية هي: أولاً، عدم وجود حل للأزمة الإنسانية في القطاع، وتعميقها، فضلاً عن تراجُع الوضع الإنساني في الضفة أيضاً، واتهام إسرائيل بذلك؛ وثانياً، سيتوجب على إسرائيل أن تملأ الفراغ الذي سينتج من ذلك.
- إشكالية التوقيت بسبب الأزمة الإنسانية في القطاع. مرّت قوانين "الأونروا" في الكنيست في أواخر تشرين الأول/أكتوبر، خلال انهيار الوضع الإنساني في القطاع. ويمكن لدخول القوانين حيّز التنفيذ في نهاية شهر كانون الثاني/يناير أن يفاقم التحديات الإنسانية أمام إسرائيل في غزة فوراً. هذا التحدي سيتعاظم بسبب الضرر الذي سيلحق بعمل "الأونروا" في الضفة أيضاً، وهو ما يتطلب أن تلتفت إسرائيل إلى القضايا الإنسانية هناك، بدلاً من التركيز على حلول للأزمة الإنسانية الحادة في غزة.
- عدم وجود خطة بديلة لدى "الأونروا". إن وظيفة الوكالة أوسع كثيراً من توزيع المساعدات الإنسانية. إسرائيل شرّعت قوانين "الأونروا" من دون أن تدعمها بخطة منظمة مع بدائل قادرة على حل موضوع اللوجستيات، وأيضاً الخدمات التي تزود بها الوكالة. ودخول القوانين حيز التنفيذ يمكن أن يترك المجتمع الفلسطيني من دون حل لائق، وخاصة في الضفة الغربية وغزة، غير الخاضعتين للسيادة الإسرائيلية.
- الصعوبة في تجنيد جهة بديلة من "الأونروا". لن يكون من السهل إيجاد بديل فوري من الوكالة في قطاع غزة، التي تشهد قتالاً كبيراً. اعتمدت إسرائيل على جهات أُخرى في المنظومة الإغاثية للأمم المتحدة يمكنها أن تستبدل الوكالة في غزة، لكنها تواجه صعوبات الآن في تجنيد هذه الجهات بسبب أزمة الثقة الحادة بينها وبين الأمم المتحدة. فقبل التشريعات أصلاً، ومع بدء كشف الأدلة ضد "الأونروا"، طلب غوتيريش من بقية الجهات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة الامتناع من تحمّل أيّ مسؤولية تأتي على حساب "الأونروا". التشريع العلني أكثر صعوبةً، وخصوصاً أن هناك جهات في الأمم المتحدة قالت إنها تعمل على منع تطبيق القوانين، وبعد التشريع، سيكون من الصعب أن تقبل جهات دولية أُخرى استبدال "الأونروا" سراً. لذلك، فإن هذه الخطوة يمكن أن تقوّي "حماس" وسيطرتها على المساعدات. أمّا في الضفة الغربية، فنشكّ في أن تقبل السلطة الفلسطينية، الضعيفة أساساً، وتعاني جرّاء مشاكل في الميزانية بسبب تقليص إسرائيل تحويل الأموال، أن تستبدل "الأونروا".
- يمكن أن يسقط العبء على إسرائيل. يقلل عمل "الأونروا" من مسؤولية إسرائيل عن حاجات السكان الفلسطينيين. ومن دون بديل من الوكالة، ولأن إسرائيل هي مَن فرض القيود، فسيكون عليها أن تقترح حلولاً، ويمكن أن يكون عليها العمل بدلاً منها، لوجستياً وأمنياً واقتصادياً. معنى ذلك أن الجيش يمكن أن يكون مطالباً بالعمل بشكل غير مباشر على توزيع المساعدات للسكان في قطاع غزة، وهو ما يمكن أن يضع حياة الجنود في خطر، ويصعّب عليه تنفيذ المهمات العسكرية.
- في الضفة الغربية أيضاً، ستتحمل إسرائيل المسؤولية وقتاً طويلاً. وبعكس غزة، تقريباً، لا يوجد هناك أيّ خلاف بشأن مكانة إسرائيل كقوة احتلال، لذلك، فإن كل فراغ سيحدث بسبب وقف عمل الوكالة، ولا تستطيع السلطة الفلسطينية أن تملأه، أو ترفض ذلك، فستتحمل إسرائيل المسؤولية، مع كل الإسقاطات الاقتصادية والعملياتية المنوطة بذلك. هذه الإسقاطات صالحة أيضاً ومضاعفة في حالة القدس الشرقية، حيث يُفرض أيضاً القانون الإسرائيلي، وسيصبح عبء أحياء خارج الجدار، لا تحصل اليوم على خدمات بلدية من بلدية القدس، على إسرائيل برمته.
- وفي هذا السياق، من المهم الإشارة إلى أن هذا العبء منوط أيضاً بإسقاطات اقتصادية ستنعكس على الميزانية بسبب الزيادة التي ستلحق بقطاع الأمن من ميزانية الأمن المرتفعة أصلاً.
سلاح إضافي في المعركة القضائية الدولية
- وبالإضافة إلى الإسقاطات المباشرة لقوانين "الأونروا" على إسرائيل، فإن الخطوة برمتها تشكل سلاحاً آخر في المعركة القضائية التي تدور ضد إسرائيل في الساحة الدولية.
- أولاً، هناك ادّعاء، مفاده أن التشريع خرق اتفاقية الأمم المتحدة التي وقّعتها إسرائيل، وترغمها على التعاون مع الأمم المتحدة والوكالات التابعة لها. هذا الادعاء ترافق مع مطالبات غير جديدة بإخراج إسرائيل من الأمم المتحدة. إن خطوة كهذه تتطلب قرار مجلس الأمن الذي من المرجح أن يُستعمل ضده فيتو أميركي. وعلى الرغم من ذلك، فإن إسرائيل لا تزال تواجه خطر الإخراج من الهيئة العامة للأمم المتحدة، مثلما حدث مع جنوب أفريقيا في سنة 1974. ومن أجل خطوة كهذه، يكفي قرار الهيئة العامة الذي لا يمكن وقفه باستعمال الفيتو. وأكثر من ذلك، فإن التشريعات ضد "الأونروا" تُستعمل في الاتهامات ضد إسرائيل بشأن ارتكاب جرائم خطِرة، مثل العقوبات الجماعية ومنع المساعدات الإنسانية والتجويع والإبادة الجماعية، وهي أمور تُبحث في المحاكم الدولية ضد إسرائيل في لاهاي.
- استُخدمت هذه التشريعات بعد مرور أسبوع فقط على تشريعها، في تحذير أُطلق في 8 تشرين الثاني/نوفمبر بشأن المجاعة المتوقعة في القطاع. وطالب التقرير بخطوات فورية لمنع الكارثة في القطاع، وحذّر من أن التشريعات ضد "الأونروا"، وفي حال تطبيقها، سيكون لها إسقاطات كارثية على الوضع الإنساني في القطاع الذي ينهار أصلاً.
- يمكن التقدير أن تشريعات "الأونروا" لم تغِب عن عيون قضاة المحكمة الدولية الذين قرروا إصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت. وعلى الرغم من أن القرار لا يزال سرياً، فإنه يمكن الافتراض أن قوانين "الأونروا" كانت من ضمن الأحداث التي أثّرت في قرار المحكمة بشأن إصدار الأوامر بعد نصف عام على طلب النائب العام إصدارها.
- ولذلك، فإن الخطوة يمكن أيضاً أن تؤثر في المسار القضائي بشأن الإبادة الجماعية. وبالتالي يمكن أن يتم التعامل مع هذه القوانين وتطبيقها على أنها خرق إسرائيلي للقرارات التي أصدرتها المحكمة، ويؤدي ذلك إلى صدور قرار قبل القرار النهائي، ويمكن أن يؤثر في القرار النهائي أيضاً. وكردّ مباشر على القوانين، تبنّت الهيئة العامة للأمم المتحدة، يوم 19 كانون الأول/ديسمبر، قراراً بالتوجه إلى محكمة الجنايات، بمبادرة من النرويج، لإصدار رأي استشاري بشأن التزام إسرائيل واجباتها بالسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق الفلسطينية، ويتطرق إلى عمل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الأُخرى. يمكن الافتراض أن إسرائيل ستواجه رأياً استشارياً نقدياً من المحكمة، يكون استمرارية للرأي السابق الذي صدر وأقرّ أن الاحتلال الإسرائيلي المستمر غير قانوني، وطالب الدول بالامتناع من التصالح معه.
- وبالإضافة إلى هذا كله، يمكن الافتراض أن انهيار الوضع أكثر في قطاع غزة والضفة الغربية سيقود إلى إدانات وقرارات إضافية ضد إسرائيل في الأمم المتحدة. صحيح أن قرارات الهيئة العامة غير مُلزمة، لكنها تخلق ضغوطاً على الدول والجهات، كالمؤسسات الأكاديمية والعلاقات المهنية التجارية، وتقود إلى خطوات فعلية إضافية وقطع علاقات تجارية وأكاديمية، وحتى دبلوماسية، وغيرها.
خلاصة وتوصيات
- إن قطع العلاقات بين إسرائيل و"الأونروا" هو حدث معقد يجب إدارته بشكل عقلاني. ومن دون بديل حقيقي من "الأونروا" يزود بالخدمات المطلوبة مكانها، يمكن أن يجد المجتمع الفلسطيني نفسه من دون خدمات أساسية وضرورية. وستتعمق الأزمة الإنسانية، الخطِرة أصلاً، في قطاع غزة، وفي الضفة الغربية، يمكن أن يكون إبعاد "الأونروا" عاملاً إضافياً يقود إلى عدم الاستقرار والانفجار العنيف. وأكثر من ذلك، ستكون المسؤولية، في نظر العالم، على إسرائيل التي سيتوجب عليها أن تستبدل "الأونروا". وهو ما سيحدث أيضاً في قطاع غزة، حيث الوجود العسكري الإسرائيلي، مثل الضفة الغربية، حيث تُعتبر قوة احتلال مسؤولة عن السكان، بالإضافة إلى القدس، حيث تقع المسؤولية كلها على إسرائيل.
- كان يجب على إسرائيل استغلال الإنجاز الذي حققته بإلحاق الضرر بشرعية الوكالة في إطار البحث في "اليوم التالي" في غزة. كان يتوجب عليها عرض الحاجة إلى إنهاء عمل الوكالة كشرط لكل ترتيبات، وأن تجد البديل منها، ويحصل على الدعم الدولي، بحيث يكون البديل أفضل من السلطة الفلسطينية، أو الإدارة التكنوقراطية من جهتها، أو من جهة أُخرى تكون مسؤولة عن إعادة إعمار غزة، ومسؤولة عن السكان أيضاً. لكن إسرائيل رفضت نقاش "اليوم التالي"، ولم تستغل إنجازاتها العسكرية والضرر الذي لحِق بشرعية الوكالة إلى مستوى دبلوماسي.
- وبدلاً من ذلك، اختارت إسرائيل "المسار السريع" من التشريعات الأحادية الجانب في توقيت حساس، إذ تعيش غزة حالة أزمة إنسانية. وقامت بذلك من دون ضمان، أو حتى طرح بديل لائق، ومن دون تجنيد الدعم الدولي لهذه الخطوة. وبسبب التوقيت وطريقة العمل، عززت إسرائيل مكانة "الأونروا"؛ وقادت جهات كثيرة في المجتمع الدولي، ومن ضمنها الإدارة الحالية في الولايات المتحدة، إلى الإجماع على انتقاد التشريعات والتشديد على أهمية الوكالة، وأنه لا يمكن استبدالها في الوقت القريب. عملياً، كان يمكن لإسرائيل أن تستمر في سياسة إبعاد هادئة للوكالة، وهو ما قامت به منذ بداية الحرب، وفي الوقت نفسه، تدفع بخطوات تعرقل عملها، وتقوية جهات مساعدات إغاثية أُخرى في القطاع من دون خطوة علنية تشريعية. لو قامت بذلك، لأثبتت أنه يمكن استبدال "الأونروا"، وتدفع فعلاً بتطبيق قرار إلغاء هذه الوكالة "المضرة".
- لذلك، على الرغم من أن الخطوة ضد الوكالة بحد ذاتها جيدة، فإنها لا تخدم المصالح الإسرائيلية الفورية. ويتوجب على إسرائيل:
- أن تنسق في جميع الأحوال، وقبل دخول القوانين حيز التنفيذ، مع إدارة ترامب التي ما زالت "القبة الحديدية الدبلوماسية" الوحيدة لإسرائيل.
- العمل بشكل فوري على بلورة خطة واضحة تطرح بدائل مفصلة لمنظومات عمل الوكالة والخدمات التي تزود بها. على إسرائيل أن تجند المجتمع الدولي إلى أكثر حد ممكن إلى جانب جهات إنسانية.
- البحث في إمكان تفعيل القانون الأول فقط في نهاية شهر كانون الثاني/ يناير، والذي يمنع عمل الوكالة في إسرائيل، وفي الوقت نفسه، إيجاد حل لحالة شرقي القدس، واقتراح تأجيل تطبيق القانون الثاني الذي يمنع التعامل مع الوكالة بشكل عام، أو تجميده، بشأن عمل الوكالة حالياً في الضفة الغربية. واشتراط بدء تطبيق القوانين بإيجاد بديل.
- يمكن أن تستعمل إسرائيل تجميد دخول القانون إلى حيز التنفيذ من أجل تجنيد الدعم الدولي، وكتسوية في مقابل الجهات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة، حيث تتم مقايضة ذلك بدخول هذه المؤسسات للعمل مكان "الأونروا". كما أن التجميد يسمح لإسرائيل بالتركيز على بدائل من دون التراجع كلياً عن خطتها بشأن وقف عمل الوكالة، إنما يؤجلها فقط.
- في المدى البعيد، يمكن تطبيق القوانين وأهدافها، وهذا ممكن فقط بعد اختيار البديل القابل للتطبيق وتجنيد لاعبين آخرين يساعدون على تطبيق ذلك. يجب أن نطمح إلى أن تتحمل السلطة الفلسطينية المسؤولية في نهاية المسار عن تزويد السكان بالخدمات. ولذلك، يجب إيجاد حل لأداء السلطة المتردي، على الرغم من التحديات المركبة في الساحة السياسية الإسرائيلية في هذا السياق.