حزب الله يقاتل دفاعاً عن مكانته في لبنان، حتى لو كان الثمن تعثُّر عملية إعادة الإعمار
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- كانت تجارة التهريب من لبنان إلى سورية، ولا تزال أحد أهم فروع الاقتصاد في سهل البقاع اللبناني. لقد أدت العقوبات الكبيرة التي فرضها المجتمع الدولي على سورية في الحرب الأهلية إلى الحدّ من حركة التجارة على المعابر الحدودية الستة القانونية بين سورية ولبنان، ونشوء أكثر من 100 معبر غير شرعي آخر. مخدرات وسيارات مسروقة وأدوات كهربائية، وخضار وفاكهة، وكثير من الوقود، بما يوازي ملايين الدولارات، كانت تمر بسهولة عبر الحدود في البقاع إلى "المستوردين" السوريين.
- عندما سقط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر، بدا أن ماكينة المال ستتوقف، لكن خلال زمن قصير، اتضح أن كل ما هو مطلوب "تعديل تجاري" يلائم التجار الجدد في الجانب السوري. جميع المهربين اللبنانيين في البقاع هم من أبناء الطائفة الشيعية، وفي السنوات التي سبقت الحرب الأهلية في سورية، كانت هذه التجارة مزدهرة لكلا الطرفين على الحدود. بعد نشوب الحرب الأهلية في سنة 2011، شهد القطاع تغييراً هيكلياً. وانتقل الجانب السوري من الحدود من أيدي أبناء القرى إلى الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، الشقيق الأصغر لبشار. وفي الجانب اللبناني، انتقلت "الحقوق" إلى أيدي العائلات الكبيرة الموالية لحزب الله. عندما سقط نظام الأسد، سقط معه المهربون الموالون له، وفوراً حلّ محلهم خصومهم من أبناء الطائفة السنية الذين يسكنون على طول الحدود.
....
- وفي الوقت الذي يحاول المهربون الشيعة في سهل البقاع شقّ قنوات جديدة والتكيف مع الوضع الجيو - سياسي الجديد... فإن وضع سكان القرى الشيعية في الجنوب، وفي ضاحية بيروت الجنوبية، صعب للغاية. إذ إنهم، في أغلبيتهم، ما زالوا غير قادرين على العودة إلى منازلهم، بسبب استمرار عمليات الجيش الإسرائيلي في المنطقة، والذين عادوا، لم يجدوا مَن يساعدهم على إعادة إعمار منازلهم وبساتينهم المدمرة. اللجان التي شكّلها الحزب، وتلك التي شكّلتها الحكومة من أجل تقدير حجم التعويضات التي يجب أن تُدفع للسكان، تعمل ببطء بسبب نقص في القوة البشرية المتخصصة، والأموال التي أعطاها الحزب للذين فقدوا منازلهم أقل من أن تغطي، أو تموّل إيجار منزل، وحتى إزالة الركام تواجه صعوبات هائلة.
- المناقصة التي صدرت عن وزارة العمل بشأن إزالة الدمار لم يتقدم لها مقاول واحد بسبب الثمن الضئيل المعروض، حوالي 3.5 دولارات لقاء المتر المكعب من الدمار، وهذا المبلغ لا يغطي النفقات الكبيرة، في رأي المقاولين. يوجد نحو خمسة ملايين من الأمتار المكعبة من الدمار في الضاحية، وفي صور، وفي النبطية، وفي عشرات القرى في الجنوب اللبناني، والتي تنتظر مَن يقوم بإزالتها، بينما خزينة الدولة فارغة، وليس واضحاً من أين ستصل الأموال التي وعد بها حزب الله محازبيه، وكذلك، ليس هناك من موعد محدد لتأليف الحكومة الجديدة التي ربما تستطيع إدارة مشروع التعويض وإعادة الإعمار الهائل.
- إن فرضية العمل هي عندما ستؤلّف حكومة جديدة قادرة على تحقيق إصلاحات اقتصادية، فإنها ستحظى بمساعدة دولية وعربية كثيفة. وهذه المساعدة ستسمح لها بالإعداد لمخطط التعويض وإعادة الإعمار وبدء الخروج من الأزمة الاقتصادية العميقة المستمرة منذ سنة 2019. لكن منذ انتخاب جوزيف عون رئيساً للجمهورية وتكليف القاضي والرئيس السابق لمحكمة العدل الدولية نواف سلام رئاسة الحكومة، يبدو أن تأليف الحكومة رحلة شاقة مليئة بالعقبات والمطبات.
......
- حالياً، وبعد طرد إيران من سورية، وبعد أن أصبحت قدرتها على مساعدة حزب الله محدودة، تسعى السعودية للحلول محلها في دمشق، وفي بيروت، وتعمل على إبعاد حزب الله عن الساحة السياسية. ومن جديد، ستطالب بإبعاد الحزب عن الحكومة، كشرط لتقديم مساعدتها على إعادة إعمار لبنان. وتستطيع السعودية الاعتماد على موقف الرئيس دونالد ترامب الذي عيَّن والد صهره رجل الأعمال الأميركي من أصل لبناني مسعد بولس مستشاراً خاصاً لشؤون الشرق الأوسط، ومورغان أورتاغوس نائبة لموفده الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
- لقد سبق أن عملت أورتاغوس أعواماً عديدة في الشرق الأوسط، وكانت الناطقة بلسان وزارة الخارجية خلال ولاية مايك بومبيو (وزير خارجية ترامب خلال ولايته الأولى، والذي اختلف معه لاحقاً)، واعتنقت اليهودية في سنة 2007. وهي من كبار المؤيدين لإسرائيل، ومن المتوقع أن تهتم بالملف اللبناني، بدلاً من عاموس هوكشتاين. ويمكن التقدير أنها ستصل إلى لبنان، وهي تحمل أدوات ضغط، أكبر كثيراً من تلك التي استخدمتها إدارة بايدن حيال لبنان.
- يعي حزب الله الضغوط المتوقع أن يمارسها الائتلاف الدولي والعربي ضده الآن، ويردّ عليها بطريقته المعتادة. في يوم الأحد، انطلقت عشرات الدراجات النارية في مسيرات مؤيدة للحزب في شتى أنحاء بيروت. وكان الهدف من هذا الاستعراض للقوة توجيه رسالة واضحة إلى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بعدم التجرؤ على المسّ بالمكانة السياسية للحزب.
- ... إن نزع سلاح حزب الله في كل أنحاء لبنان هو جزء لا يتجزأ من القرار 1701، وهو أيضاً المطلب الدائم لأغلبية الحركات السياسية المسيحية والسنّية. لقد انضم إليها هذا الأسبوع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط. الذي قال في مقابلة أجرتها معه صحيفة "عكاظ": "على جميع القادة السياسيين والعسكريين في حزب الله أن يعترفوا بأن الزمن تغيّر، وأن عليهم الانتقال إلى العمل السياسي والتخلي عن العمل العسكري".
- من المعروف عن جنبلاط تغيير مواقفه، بحسب الفصول، إلّا إن هذه الصفة بالذات تعكس قدرته على معرفة تغيُّر اتجاهات الرياح في لبنان. وعلى الرغم من هذه الروحية الجديدة، يبدو أنه سيمرّ وقت طويل قبل أن يتمكن الجيش اللبناني من مواجهة مسألة نزع سلاح حزب الله، الذي يعتمد عليه المستقبل السياسي للحزب حالياً.
- وبعيداً عن المنافسة السياسية الدائرة حالياً على تأليف الحكومة في لبنان، فإن التهديد المثير للقلق هو تمديد ثلاثة أسابيع لإسرائيل لكي تستكمل انسحابها من لبنان، إن قتل 21 شخصاً لدى محاولتهم العودة إلى منازلهم، بتشجيع من حزب الله، يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الاحتكاكات والاشتباكات. ومن شأن ذلك تهديد متانة وقف إطلاق النار، وتقديم ذريعة لحزب الله من أجل استخدام سلاحه ضد إسرائيل، لكن هذه المرة، لكي يربح نقاطاً في المعركة السياسية الداخلية اللبنانية.