الردُّ العربي على ترامب: خطة لإعادة إعمار غزة من دون ترحيل، ومن دون "حماس"
تاريخ المقال
المصدر
- تعكف الدول العربية على بلورة موقف موحد في مواجهة خطة الترحيل التي يقترحها ترامب. ويبدو أن الاتجاه يسير نحو خطة لإعادة إعمار غزة، من دون إجلاء السكان، ومن دون وجود "حماس" في الحكم.
- إن فكرة الترحيل التي طرحها دونالد ترامب أصابت العالم العربي بالذهول، وخصوصاً مصر والأردن، اللتين تُعتبران، من وجهة نظره، المرشحتَين الرئيسيتَين لاستقبال الفلسطينيين الذين سيتم ترحيلهم من غزة. وبالإضافة إلى التصريحات العربية التي رفضت تصريحات الرئيس الأميركي بشكل قاطع، وأعربت عن معارضة مطلقة لنقل الفلسطينيين من القطاع، بدأت تحركات دبلوماسية عربية مكثفة تهدف إلى بلورة موقف عربي موحد، كبديل لا يشمل الترحيل. ومؤخراً، عُقدت قمة عربية مصغرة في الرياض، أعقبها تحديد موعد لعقد قمة عربية طارئة في الرابع من آذار/ مارس الحالي في القاهرة.
- تسود الدولتَين الرئيسيتَين، اللتين ذُكرتا بصراحة في واشنطن، مشاعر من الضغط الشديد، فالرئيس السيسي أجّل زيارته المخطط لها لواشنطن (ومن المحتمل أنه يفضل الوصول إلى البيت الأبيض بموقف عربي موحد)، بينما رفعت وسائل الإعلام المصرية مستوى انتقاداتها لترامب، وإن كان ذلك بنبرة محسوبة. أمّا فيما يتعلق برئيس الوزراء نتنياهو، فكانت الانتقادات في مصر أشدّ وأكثر حدةً. في القاهرة، بدا كأن هناك مفاجأة من تصريحات السفير يحيئيل لايتر [سفير إسرائيل في الولايات المتحدة]، التي زعم فيها أن مصر ترتكب "انتهاكات خطِرة" لاتفاقية السلام، فضلاً عن التقارير المشابهة التي ظهرت في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
- الأمر المثير للاهتمام، وغير المعتاد، هو التوضيحات التي نشرتها المنظومة الأمنية في إسرائيل، والتي أفادت بأن التقارير التي انتشرت في الأسابيع الأخيرة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وادّعت أن الجيش المصري يعزز قواته في سيناء بطريقة تنتهك اتفاقية السلام، غير صحيحة. كما أن التقارير التي تشير إلى احتمال استخدام واشنطن المساعدات الاقتصادية للضغط على مصر تُعتبر أمراً قد يهدد استقرار البلد وحُكم السيسي، الأمر الذي قد يصبّ في مصلحة جماعة الإخوان المسلمين.
- في الأردن، المشاعر لا تقلّ حدةً، وبصورة خاصة بعد زيارة الملك لواشنطن وتكرار ترامب أفكار "الريفييرا الأميركية" في غزة علناً. شعرت عمّان بالإهانة، ولا سيما أن الملك حافظ في واشنطن على نبرة دبلوماسية متحفظة بقدر الإمكان. ومن منظور المملكة الهاشمية، يشكل مثل هذه الأفكار تهديداً وجودياً للدولة. لقد عبّر وزير الخارجية الأردني الأسبق، مروان المعشر، عن ذلك بوضوح في مقال بعنوان "على ترامب أن يدرك أن التهديدات الوجودية لا تؤدي إلى صفقة".
- إن تصريحات ترامب لقناة "فوكس نيوز"، والتي قال فيها إنه يعتقد أن "هذه الخطة جيدة"، لكنه أضاف: "لن أفرضها. ببساطة، سأنتظر وأوصي بها"، قد تبعث برسالة مُطمئِنة ظاهرياً، لكن من المؤكد أنها لم تهدئ المخاوف في كلتا الدولتين.
- مثلما ذكرنا، لا تزال كيفية صوغ الرد العربي غير واضحة، لكن من خلال مجموعة من التقارير والتقديرات، يبدو كأن الرد سيقدم خطة شاملة لإعادة إعمار غزة، من دون الحاجة إلى إجلاء السكان مسبقاً، مع إيجاد صيغة لا تشمل بقاء "حماس" في الحكم. تشكل هذه النقطة تحدياً كبيراً، نظراً إلى أن الحركة لا تزال موجودة ميدانياً، وتحتفظ بالسيطرة، وإن كان نطاقها غير واضح تماماً، إلّا إنها قائمة من دون شك، الأمر الذي يجعل موافقتها على الخطة أمراً ضرورياً. ومن ناحية أُخرى، لا تزال إسرائيل تعارض إدراج السلطة الفلسطينية في الحكم في غزة.
- الدولة المفتاح في عملية بلورة الموقف العربي هي السعودية. والسؤال المطروح هو: كيف ستتمكن الرياض من المناورة بين معارضتها الترحيل والتزامها التضامن العربي والفلسطيني، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالمصالح الحيوية لدولتَين عربيتَين رئيسيتَين، مصر والأردن، وبين علاقتها بإدارة ترامب؟
- تحظى الرياض بمكانة مركزية في واشنطن، وهو ما تجلى بوضوح في اختيارها لاستضافة المحادثات الأميركية - الروسية بشأن الحرب في أوكرانيا. في الإعلام العربي، قارن البعض هذا الاجتماع بمؤتمر يالطا الذي عُقد في نهاية الحرب العالمية الثانية.
- قوبلت أفكار الترحيل، التي طرحها ترامب، بحماسة من طرف الحكومة الإسرائيلية، وبتأييد من معظم أطراف المعارضة، وبغض النظر عن الفشل الأخلاقي الواضح لهذه الأفكار، يجب على إسرائيل أن تأخذ في الحسبان التداعيات الخطِرة على مصر والأردن، فالإجراءات التي تُعتبر تهديداً للمصالح الحيوية الأساسية لهاتين الدولتين قد تؤدي في النهاية إلى تآكل الثقة وتقويض القيمة الاستراتيجية لمعاهدات السلام مع إسرائيل.