رجّح التحقيق في الهجوم الذي شنّته حركة "حماس" في منطقة "غلاف غزة" يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، والذي نشره جهاز الأمن الإسرائيلي العام ["الشاباك"]، أمس (الثلاثاء)، أنه كان في المستطاع منع أعمال القتل التي ارتُكبت في ذلك اليوم، لو أن الجهاز تصرّف بشكل مغاير، مهنياً وادارياً، عشية الهجوم، وفي الأعوام التي سبقته.
وأشار التحقيق إلى أن هناك عدة عوامل رئيسية أدت إلى إخفاق جهاز "الشاباك" في الإنذار بشأن الهجوم، وأهمها تعامُل غير كافٍ مع معلومات عن خطة الاقتحام الواسع لـ"حماس"، والتي اطّلع عليها "الشاباك" في الفترة 2018 -2023.
وأشار رئيس جهاز "الشاباك" رونين بار، الذي نشر نتائج التحقيق الشامل في أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إلى أن سلسلة من الأسباب المهنية والإدارية أدت إلى هذا الفشل الذريع.
وأقرّ التحقيق بعجز "الشاباك" عن منع هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، على الرغم من امتلاكه تحذيرات مسبقة من خطة الهجوم التي سُميت "جدار أريحا". وكشف عن فشل في تشغيل العملاء، وتحليل المعلومات، والتنسيق مع الجيش الإسرائيلي، أمور كلها أدت إلى غياب الاستجابة العملياتية في اللحظات الحاسمة.
وخلص التحقيق إلى أن "الشاباك" فشل في مهمته الأساسية، بشأن منع الهجوم، لكنه في الوقت عينه، حمّل القيادة السياسية جزءاً من المسؤولية، مشيراً إلى أن السياسات الحكومية ساهمت في تصاعُد الخطر من دون اتخاذ إجراءات وقائية.
وأقرّ رونين بار بأن "الشاباك" لم ينجح في منع الهجوم، قائلاً: "لم نمنع عمليات القتل، وسأحمل هذا العبء على كتفي طوال حياتي".
كذلك، شدد التحقيق على أنه لو تصرّف جهاز "الشاباك" بشكل مختلف، لكان في الإمكان منع الهجوم، مضيفاً أن التحقيق يتطلب مراجعة شاملة للوصول إلى الحقيقة وتصحيح الأخطاء.
ولم يقتصر التحقيق على انتقاد الأداء الداخلي للجهاز، بل ألقى باللوم أيضاً على القيادة السياسية، مشيراً إلى أن سياسة التهدئة التي انتهجتها الحكومة الإسرائيلية سمحت لحركة "حماس" ببناء قوتها العسكرية بشكل غير مسبوق.
وجاء في التحقيق أن إسرائيل سمحت بتدفّق الأموال القطرية إلى قطاع غزة بشكل مستمر، الأمر الذي أدى إلى تعزيز قدرة الحركة على التخطيط والتسليح. وأشار إلى أن "الشاباك" قدّم تحذيرات متكررة للحكومة بشأن تآكل الردع الإسرائيلي وتصاعُد التهديدات، لكنه لم ينجح في إقناع القيادة باتخاذ إجراءات استباقية. واعتبر أن هذا أدى إلى تعاظُم الخطر حتى وقوع الهجوم. وأشار أيضاً إلى أن سياسة احتواء التهديد التي تبنّتها الحكومة، بدلاً من تنفيذ ضربات استباقية، كانت أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى تدهور الوضع الأمني.
ووفقاً للتحقيق، تبنّت إسرائيل سياسة احتواء تجاه غزة في الفترة تموز/يوليو 2018 - أيار/مايو 2021، تضمنت نقل الأموال القطرية، وتزويد القطاع بالوقود، وتوسيع منطقة الصيد، والسماح بدخول التجار والعمال، وإطلاق مشاريع مدنية، في مقابل فرض "حماس" بعض القيود على التصعيد.
وأشيرَ في التحقيق إلى أنه بعد العملية العسكرية التي شنّتها إسرائيل على غزة في أيار/مايو 2021، ساد حركة "حماس" اعتقاد أنها خرجت من هذه العملية بانتصار واضح.
وأشار التحقيق إلى وثيقة كتبها رئيس "الشاباك" رونين بار عند تولّيه مهمات منصبه في تشرين الأول/أكتوبر 2021. وجاء في هذه الوثيقة أنه لا يمكن قبول وجود كيان مسلح تابع للإخوان المسلمين على الحدود في قطاع غزة، يمتلك قدرات عسكرية، ويرتبط بالمحور الشيعي. ويجب التعامل معه عبر ضربة عسكرية، وتقليص عمليات التهريب، وإنشاء آلية مصرية لإعادة الإعمار تمنع تعاظُم قوته العسكرية.
كما أظهر التحقيق أن الشاباك نقل معلومات إلى أعلى المستويات السياسية، تفيد بأن "حماس" تبني جيشاً منظماً يضم 5 كتائب، وقوات خاصة، ومنظومة استخبارات، وقدرات جوية وبحرية وبرية، بتمويل إيراني وقطري.
وفي سنة 2023، وجّه "الشاباك" عدة تحذيرات إلى القيادة السياسية بشأن ازدياد رغبة خصوم إسرائيل في تنفيذ هجمات، مشيراً إلى أن الاستقطاب الداخلي، والتوتر في المسجد الأقصى، والتعامل مع الأسرى الأمنيين الفلسطينيين، عوامل كلها ساهمت في زيادة الدافع لدى "حماس" إلى شن هجوم.
وأشار التحقيق إلى أنه مع اقتراب الأعياد اليهودية في أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر 2023، حذّر "الشاباك" من أن إسرائيل تدخل في فترة غير مستقرة، وعقد اجتماعاً خاصاً لمناقشة مستوى الجاهزية لاحتمال اندلاع مواجهة عسكرية مع غزة.
وشدد "الشاباك" على أنه بدأ بتنفيذ سلسلة من الإصلاحات لمنع تكرار مثل هذه الإخفاقات مستقبلاً، من بينها إنشاء وحدة مراقبة داخلية لتعزيز الرقابة على أداء الجهاز، وتحسين عملية جمع المعلومات في غزة، وتعزيز التعاون الاستخباراتي مع الجيش الإسرائيلي. وأشار أيضاً إلى أن "الشاباك" سيعمل على تطوير نماذج تحذيرية جديدة، بالتعاون مع الجيش، لضمان الاستجابة الفورية لأيّ إشارات تدل على تهديدات وشيكة.