حرب الخداع الثانية
تاريخ المقال
المصدر
- منذ نحو أسبوع، يحاول الفلسطينيون فهم الهدف من خطة "قوة وسيف"، وهل المقصود عملية محدودة، هدفها دفع "حماس" إلى إبداء مرونة في مواقفها من أجل السماح بتحرير المخطوفين، أم أنها بداية خطة واسعة النطاق، هدفها السيطرة الكاملة على قطاع غزة. ومن المؤكد أن الجمهور الإسرائيلي يجب أن يكون واعياً بهذه المعضلة، ولا بد من أن يطرح أسئلة بشأن مسألة التحول الدراماتيكي الذي يمكن أن يؤثر في حياتنا أعواماً كثيرة مقبلة.
- إن المواجهات والغموض من جهة صنّاع القرار، إلى جانب التلميحات التي يوزعها وزير الدفاع، يثيران القلق. أولاً، إن إعلان نية إسرائيل إعادة السيطرة على مزيد من المناطق الفلسطينية وضمّها إلى إسرائيل، هو تعبير عن مقولة مستهلَكة، كنظريات ماضية ترسخت في الحديث الإسرائيلي، على شاكلة "إن العربي لا يفهم إلّا عندما نأخذ منه أرضاً". لم ينفع هذا في حرب الأيام الستة [حرب حزيران/يونيو 1967] (التي اندلعت بعدها حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973]، وثمة شك في أن يكون وراء هذا القول فكرة عميقة، أو ذاكرة تاريخية. ويزداد الشك في أن ما يجري هو مجرد تمويه لتحقيق الهدف الأيديولوجي للضم الذي يتحدث عنه، علناً، كبار المسؤولين في الحكومة، تحت ستار "عقيدة استراتيجية رصينة".
- يُضاف إلى ذلك الارتياح لأن الجيش الإسرائيلي، هذه المرة، لا يعارض فكرة توزيع المساعدات الإنسانية مباشرةً على الفلسطينيين، والمعنى الفعلي لذلك إقامة حُكم عسكري مسؤول عن السكان المدنيين. وما دام الجيش الإسرائيلي لم يدخل إلى المناطق الحضرية، فإن هذه المهمة ليست مطلوبة منه، لكن عندما تتحقق المناورة البرية، سيكون من الضروري تنفيذ هذه المهمة فوراً. في تلك الفترة، سيتطور احتكاك عسكريّ قاسٍ مع "حماس" التي ستتحصن في عُمق المنطقة الحضرية، وتنتظر وصول القوات الإسرائيلية.
- الإشارة الثانية تتعلق بإنشاء "إدارة للهجرة الطوعية" في وزارة الدفاع. في ضوء هذا الوضع، يتعزز الانطباع أن قوة الخيال تتغلب في إسرائيل، حالياً، على السياسة الرصينة، وعلى مرّ التاريخ، كان هذا الأمر ينتهي بكوارث مخيفة. ترفض الدول العربية الفكرة (وفي طليعتها السعودية التي توضح أن لا مجال للتطبيع مع خطة من هذا النوع)، وكل التقارير التي تحدثت عن دول وافقت على استقبال الفلسطينيين على أراضيها، تبيّن أنها أخبار مفبركة (ألبانيا، ومصر والسودان وغيرها)، بينما تحدث ويتكوف في مقابلة أُجريت معه في نهاية الأسبوع عن إعادة إعمار غزة، لا عن التوطين، أو عن ريفييرا الشرق الأوسط.
- في الخلفية، تستمر "المحاولة" الجارية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، التي تعتمد على افتراض أن مزيداً من الضغط العسكري سيؤدي إلى المرونة في مواقف "حماس"، وسيجبرها على تحرير الرهائن، وربما مغادرة غزة لاحقاً، أو تسليم سلاحها. إن التمسك بهذه النظرية ممكن في ضوء "ذاكرة السمكة الذهبية" لدى الإسرائيليين الذين نسوا أن هذه التجربة فشلت مرات لا تحصى. ويدلّ هذا الأمر بصورة أساسية على عدم فهم القيادة الإسرائيلية العميق والمستمر لطبيعة "حماس": بالنسبة إلى هذا التنظيم، يمكن التضحية بكل سكان غزة وتدمير المنطقة، وعدم تقديم تنازلات في مسائل جوهرية.
- العاصفة التي أثيرت بشأن إقالة رئيس الشاباك والمستشارة القانونية تسيطر على الحديث العام في إسرائيل، وتجعل من الصعب فتح نقاش معمّق بشأن التداعيات الاستراتيجية للمعركة في غزة، ومن غير الواضح ما إذا كان هذا النقاش موجوداً وسط متّخذي القرارات. وكدرس من انهيار النظرية في 7 أكتوبر، يتعين على الجمهور الإسرائيلي طرح اسئلة دقيقة، وأن يكون له موقف نقدي، وفي الوضع الحالي، يجب عليه أن يتخيل كيف سيبدو احتلال غزة بأكملها. من المحتمل أن يُلحق مثل هذه الخطوة ضرراً شديداً بـ"حماس"، لكنها تنطوي أيضاً على التخلي عن المخطوفين الذين سيكون إمكان تحريرهم في سيناريو حرب شاملة معدوماً.
- هذا كله من دون الحديث عن الأثمان البعيدة المدى لمثل هذه الخطوة: تخصيص قوات كبيرة، قسم كبير منها من الاحتياطيين، للسيطرة على غزة والبقاء فيها، في ظلّ وضع من المتوقع أن يكون مليئاً بالعنف، مثلما كانت عليه حال الأميركيين في العراق؛ التكلفة الاقتصادية الباهظة التي يحتاج إليها حُكم عسكري سيكون مسؤولاً عن مليونَي فلسطيني؛ وطبعاً، هناك خسارة التطبيع مع السعودية. يحدث هذا كله بينما المجتمع الإسرائيلي مليء بالتصدعات التي من المتوقع أن تتعمق إذا ترافقت السيطرة على غزة مع مساعٍ لإقامة مستوطنات في المنطقة.
- في المدى البعيد، يجب ألّا يكون هناك أدنى شك في أنه من أجل القضاء على "حماس"، يتعين على إسرائيل السيطرة على القطاع بأكمله والبقاء فيه فترة زمنية غير واضحة، إلى أن يظهر بديل محليّ مستقر. وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق الآن، بينما الهدف المركزي المطلوب هو تحرير الرهائن حتى لو كان الثمن باهظاً، وهو إنهاء الحرب.
- من أجل تفكيك "حماس"، المطلوب وجود قيادة لديها خطة منتظمة (لم تكن موجودة حتى 7 أكتوبر، ومن غير الواضح لنا، نحن الجمهور، ما إذا كانت موجودة الآن)، تحظى بتأييد واسع النطاق، داخلياً وخارجياً، وأن تكون خالية من بقايا النظرية.