المؤسسة الأمنية تعيش حالة من النشوة بدلاً من التحضير للحرب المقبلة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • بدأت أيام "حارس الأسوار" بتبادُل إطلاق النار ما بين إسرائيل و"حماس"، وأُطلق نحو 400 صاروخ يومياً - نحو 4360 صاروخ وقذيفة في المجمل. وفي المقابل، قام سلاح الجو بإسقاط قنابل ذكية على البنى التحتية والأنفاق والمنازل وغيرها. إسرائيل دفعت لقاء العملية ثمناً كبيراً جراء الضرر الذي لحق بالنسيج الاجتماعي وأمن السكان في "غلاف غزة"، كما كلّفت العملية دافعي الضرائب في إسرائيل 16 مليار شيكل، بسبب الشلل الاقتصادي في منطقة الجنوب، وتسليح سلاح الجو ومنظومة "القبة الحديدية".
  • وخلال العملية، جلس في الاستوديوهات محللون تغمرهم السعادة، تحدثوا عن الضربة المؤلمة التي تلقتها "حماس"، وأعلنوا أنها لن ترفع رأسها لعشرة أعوام مقبلة. كذلك الأمر بالنسبة إلى القيادة العليا التي شاركت أيضاً في الاحتفالات بتصريحات متعالية وفخورة على كل منبر إعلامي، فقالوا إن العدو تلقى ضربة قاسية، وأنه سيبقى "يلملم جروحه" لأعوام كثيرة. الهدف كان منح الجمهور شعوراً يفيد بأن الجيش انتصر بقوة، النشوة سيطرت، وتصريحات قيادات الجيش ووزارة الدفاع كانت إشارة إلى الانفصال عن الواقع.
  • عندما انتهت العملية، دُعيت إلى حوار بشأن إنجازات الجيش في عملية "حارس الأسوار". بدوري، قلت إن الجيش لم ينتصر، إنما قام بتقوية وعي الانتصار لدى "حماس" - التي لاحظت الضعف الكبير في الجانب الإسرائيلي - وهو ما قوّى "التنظيمات الإرهابية" ودفعها إلى الاستمرار في طريقها. قلت إنه حين يتم فحص نتائج العملية، يبدو أن سلاح الجو النوعي لم يستطع خلال أيام المعركة العشرة أن يوقف وتيرة إطلاق صواريخ "حماس".
  • الجيش تخوف أيضاً من تنفيذ خطة الخديعة التي خطط لها أعواماً، ومن خلالها يتم نقل قوات برية إلى خلف الحدود، من السياج الحدودي باتجاه غزة، بهدف استدراج مقاتلي "حماس" إلى داخل الأنفاق، ثم قصف الأنفاق من الطائرات وقتل مئات المقاتلين. عملياً، قامت طائراتنا بقصف أنفاق فارغة بقنابل غالية يصل ثمنها إلى مليارات الشواكل، ونجحت في إصابة عدد قليل من مقاتلي "حماس". وأضفت، بعكس كافة المحللين العسكريين، أن نشوب جولة إضافية ليس إلاّ مسألة وقت. أقوالي لم تعجب المستمعين، وخلال حديثي، قال مدير الحوار إن الوقت ضيق، واعتذر لأنه يجب عليه قطع حديثي.
  • وها نحن، بعد مضي عام وشهرين منذ "حارس الأسوار"، ندخل إلى جولة إضافية في مواجهة تنظيم "مخربين" من غزة. الفترة بين الجولات تبدو أقصر (بين "الرصاص المصبوب" و"حارس الأسوار" هناك 7 أعوام). هم يصبحون أكثر قوة، ونحن نضعف في مواجهة الجبهات التي تحيط بنا - تصريحات المستوى السياسي هي الشيء الوحيد الذي لا يتغير.
  • سيناريو عملية "مطلع الفجر" تكرر بالضبط كما نعرفه: الإعلام ينقل أخبار قصف ورشات تصنيع الصواريخ (بيان يتم إصداره في كل العمليات)، لكن السؤال المهم هو: هل ورشات تصنيع الصواريخ التي تملكها "حماس" و"الجهاد الإسلامي" فوق الأرض، مكشوفة للقصف؟ الإجابة أنهم فهموا منذ وقت بعيد أن تصنيع الصواريخ يجب أن يكون تحت الأرض عميقاً، تحت مناطق ذات كثافة سكانية عالية - حيث لا يستطيع سلاح الجو قصف هذه الأماكن.
  • بعد كل هجوم كهذا، يدخل الجهاد الإسلامي تحت الأرض، وتقريباً لا تجد في غزة، لا مقاتلين ولا أسلحة يمكن إصابتها، باستثناء مَن يقوم بإطلاق القذائف القليلة وصواريخ دُمرت - كمية قليلة نسبة إلى الكمية التي يملكونها. هذا بالإضافة إلى أن سلاح الجو أصاب بنى تحتية مدنية، لا تهم الجهاد بتاتاً. الجيش بالأساس يقصف أهدافاً قام بقصفها سابقاً. وكلما طال الوقت أكثر، كلما خرجنا بخسارة أكبر.
  • وإنجازنا الرئيسي - اغتيال قائد منطقة الشمال وقائد منطقة الجنوب في التنظيم - لن يأتي لنا بالتغيير المنشود. والدليل: بعد اغتيال القيادات، استمر الجهاد في إطلاق الصواريخ كالسابق، ووسّع نطاق القصف إلى وسط البلاد. ونحن نستمر في الانحدار إلى الهاوية، بكل ما يخص جاهزية الجيش لحرب متعددة الجبهات.
  • المحللون والمراسلون يتحدثون من دون توقف، ليلاً ونهاراً، لكنهم لا يقولون أي شيء. يقومون بإعادة تدوير أقوال المتحدث بلسان الجيش، ولا يتعاملون مع جوهر الوضع الاستراتيجي في إسرائيل، على الرغم من أن المعركة مع الجهاد ليست إلاّ طرف الخيط. عندما تسمع المراسلين والمحللين، تسمع المعزوفة ذاتها التي سمعتها في تغطية "حارس الأسوار"، لم يتم تعلُّم الدرس، ويتكرر السيناريو ذاته. وفي كل مرة من جديد، تصيبني الصدمة خلال النقاش بشأن مدى ضيق النظرة وافتقارها إلى الأفق الاستراتيجي. ففي المعادلة الإقليمية الشاملة، وضعنا يغدو أسوأ في كل مرة.
  • في الحرب المقبلة، سيتم إطلاق نحو 3000 صاروخ بعيد وقصير المدى، بالإضافة إلى مئات المسيّرات التي سيتم توجيهها يومياً إلى أهداف استراتيجية ومناطق سكنية. وهذا معناه، تقريباً 150 موقع دمار في اليوم. في الأعوام الأخيرة، انشغل الجيش بتقليص سلاح البر، وهذا جزء من فقدان قدرة القتال المتعددة الأذرع، والتي يتم فيها الدمج ما بين الذراعين البرية والجوية. فبمساعدة سلاح الجو وحده لا يمكن الانتصار في الحروب. الجيش فقد قدرته على الانتصار، لأن الاعتبار الأساسي لدى المستوى السياسي والأمني هو عدم خدش أي جندي - ولذلك، هم لا يفعّلون سلاح البر. لو تصرّف المستوى السياسي بهذه الطريقة في الحروب السابقة - لما استطعنا النجاة هنا. وإن استمروا في التصرف على هذا النحو - لن نستطيع الحياة في دولتنا.
  • القيادة العليا، وخلال انشغالها في الأعوام الماضية بالجولات مقابل غزة وقصف أهداف في سورية، تركت كلياً تجهيز الجيش والجبهة الداخلية للحرب الكبيرة المقبلة المتعددة الجبهات - على صعيد التحضير للتهديد الجديد الذي تشكله الصواريخ الثقيلة والدقيقة، والصواريخ القصيرة والمسيّرات، وعلى صعيد جاهزية سلاح البر والجبهة الداخلية. ما حدث الآن في غزة لن يوازي شيئاً مقابل ما سيحدث في المراكز السكنية والأهداف الاستراتيجية على طول إسرائيل في الحرب القادمة المتعددة الجبهات. إن لم نقُم بتغيير الأسطوانة وطريقة تفكيرنا، وإذا استمر الجيش في الانشغال بقضايا الساعة فقط، فسنُضرَب في الحرب القادمة ضربة حرجة. عدم تحضير الجيش والجبهة الداخلية لحرب متعددة الجبهات هو خيانة من جانب المستوى السياسي والأمني لثقة الجمهور.

 

 

المزيد ضمن العدد 3847