طهران تعزز الضغط بهدف لجم خطوات لبلورة منظومة دفاع إقليمي
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال، العدد 1621
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- تسارع الحديث في الأسابيع الأخيرة عن ترتيبات إقليمية دفاعية مقابل الصواريخ والمسيّرات التابعة لإيران وأذرعها، وبصورة خاصة في أعقاب زيارة الرئيس الأميركي بايدن إلى إسرائيل والسعودية. الموضوع الذي يناقَش منذ أشهر طويلة في لقاءات سرية، بدأ يخرج إلى العلن شيئاً فشيئاً. في هذا الإطار، تم الكشف عن لقاء فريد عُقد في مصر في آذار/مارس الأخير، بين رؤساء هيئات أركان دول عربية (بينهم السعودية) وإسرائيل، وأكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جوهان كيربي، قبل زيارة بايدن، أن الإدارة الأميركية تدير حواراً مع جهات في الإقليم بشأن تعاوُن وطيد أكثر في مجال الدفاع الجوي، مقابل التهديدات القادمة من طرف إيران. وحتى أن وزير الدفاع بني غانتس قال إنه أجرى حوارات كثيرة مع البنتاغون والإدارة الأميركية، بهدف تقوية التعاون بين إسرائيل ودول المنطقة، وأقرّ بأن هذه الخطط بدأت بالعمل. ومثالاً لذلك، ذكر وزير الدفاع حدثاً وقع في بداية العام - إسقاط مسيّرتين إيرانيتين فوق الأراضي العراقية على يد قوات أميركية، كانتا في طريقهما إلى إسرائيل.
- قضية الدفاع في مواجهة الضربات الجوية من إيران برزت بقوة في أعقاب عشرات الهجمات، بالصواريخ والمسيّرات، والتي نُفّذت ضد أهداف عسكرية وبنى استراتيجية حيوية في المنطقة، بيد إيران وأذرعها خلال الأعوام الأخيرة. الهجمة الأبرز حدثت في أيلول/سبتمبر 2019، والتي استهدفت منشآت تابعة لشركة النفط "أرامكو" في السعودية. وتم القيام بهجوم إضافي هذا العام بواسطة مسيّرة، على مواقع نفطية سعودية، بيد الحوثيين في اليمن. هذا، إلى جانب هجوم إضافي من اليمن ضد مطار أبو ظبي، وعشرات الهجمات على مواقع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق.
- وفي ضوء هذه التطورات والحوارات بشأن الموضوع، ازداد التهديد الإيراني من جانب جهات عسكرية وجهات مقربة من المرشد الأعلى خامنئي. فمستشاره السياسي علي أكبر ولايتي، الذي كان وزيراً للخارجية أعواماً طويلة، وضع معادلة واضحة من خلال قوله إنه "كلما تقربت دول الخليج أكثر من إسرائيل، كلما ابتعدت عن إيران." أما المتحدث باسم الجيش الإيراني، فحذّر الولايات المتحدة وإسرائيل، موضحاً أنهما تعرفان ثمن استعمال كلمة "قوة" ضد إيران؛ ومن خلال تطرُّقه إلى زيارة بايدن، أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أنه ما دام هدف واشنطن الأساسي هو تقوية أمن وتفوق الـ"الدولة المزيفة" المسماة إسرائيل، فإن شعوب ودول المنطقة لن تنعم بالاستقرار.
- في العام الأخير أيضاً، برزت قضية تهريب السلاح في البحر وحرية الملاحة. فأعلنت واشنطن في الآونة الأخيرة إقامة قوة العمليات المتعددة 153، التي ستركز على مضيق باب المندب في البحر الأحمر وخليج عُمان وشمال بحر العرب. وفي تصريح مشترك في ختام زيارة بايدن، اعترفت واشنطن بأن التعاون ما بين الأسطول السعودي وقوة العمليات 153 سيتم من خلال مركز التعاون الإقليمي في قيادة الأسطول الخامس المتمركز في البحرين.
- وفي هذا السياق، حذّر قائد سلاح البحرية التابع للحرس الثوري الإيراني دول الخليج من إقامة علاقات مع إسرائيل، وأوضح أن هذه الخطوة ستضرّ بالأمن في المنطقة كلها. وفي المقابل، أعلن الجيش الإيراني في الأيام الأخيرة إقامة وحدة مسيّرات جديدة في المحيط الهندي. ولم يتم إعلان تفاصيل تتعلق بعدد السفن في هذه القوة، باستثناء الإعلان أن كل سفينة ستحمل 50 مسيّرة، جزء منها لجمع المعلومات الاستخباراتية، وآخر للهجوم.
- جزء من الردود الإيرانية شدد على أن تعزيز التفوق العسكري الإسرائيلي من الممكن أن يكون موجهاً ضد جهات عربية وإسلامية، ليست إيرانية. بذلك، تحرج إيران أنظمة في المنطقة من خلال التوجه إلى الجمهور في دولهم واستغلال حقيقة أن أجزاء واسعة من هذا الجمهور لا ترى التقرب من إسرائيل بالطريقة ذاتها التي تنظر الأنظمة إليها.
- انضمام إسرائيل إلى القيادة المركزية الأميركية – سنتكوم - في أيلول/ سبتمبر، شكل نقطة تحوُّل مهمة في دمج إسرائيل في المنطقة، بوساطة أميركية. ومنذ هذا الإعلان، تم إجراء بعض التدريبات البحرية المشتركة الواسعة التي شاركت فيها إسرائيل، كما التقى وزير الدفاع غانتس قائد الأسطول الخامس خلال زيارته إلى البحرين. هذه الخطوات المهمة، تفسح المجال للاستمرار في التعاون الإقليمي. ومن المهم التذكير بأن مسؤولية سنتكوم هي الدفاع عن جنوده في الأساس، وأيضاً محاربة الإرهاب. ومكونات الدفاع هذه التابعة لسنتكوم تعمل منذ الآن، والحديث المبالغ فيه بشأن التعاون مع إسرائيل من شأنه أن يضر بحُرية عمل هذه القوة.
- هذا بالإضافة إلى أنه يجب الشك في نية وقدرة جميع الأطراف، في هذه المرحلة على الأقل، بإقامة منظومة دفاع مشترك تربط بين الأطراف التي تقوم بالاعتراض وتنقل المعلومات الاستخباراتية من الرادارات والأقمار الصناعية في الوقت الحقيقي. ولهذا، يُضاف الاختلاف في المنظومات ذاتها: إسرائيل تستعمل منظومات دفاع - قبة حديدية، والعصا السحرية وأموراً أُخرى- من انتاج محلي. هذا مقابل دول المنطقة التي تفعّل منظومات متعددة، منها منظومات أميركية وروسية وصينية. هذا بالإضافة إلى أن دول الخليج تعيش تهديداً مباشراً إيرانياً؛ فبناها التحتية النفطية مكشوفة أمام التهديد الإيراني، ومسارات الملاحة تسيطر عليها إيران، ومن الواضح أنها لن تخاطر بعلاقات علنية مع إسرائيل.
- لذلك، وبعد موجة الحديث العلني المبالَغ فيها عن منظومة دفاع إقليمي مشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة ودول المنطقة، جاء الرد خلال زيارة بايدن في الخليج: المستشار السياسي لرئيس الإمارات أنور قرقاش أعلن أن دولته لا تدعم أي حلف إقليمي موجّه ضد دولة في الإقليم، وبالتأكيد ليس ضد إيران التي تعمل على بناء جسور معها، وحتى تعيين سفير إماراتي في طهران. كما صرّح وزير الخارجية السعودي بأنه خلال القمة المشتركة مع الرئيس الأميركي، لم تُطرح أي إمكانية لتعاون عسكري أو تقني مع إسرائيل.
- هذه التطورات والتصريحات تعكس جيداً الوضع المعقد حيال إيران في المنطقة: فمن جهة، هناك شعور بالتهديد من إيران وأذرعها. إذ إن جاهزية إيران لتفعيل الصواريخ والمسيّرات أثبتت نجاعتها وقدرتها على الردع، كما أن تحذيرات المسؤولين الإيرانيين الموجهة إلى الدول الخليجية كانت واضحة وصارخة. ومن جهة أُخرى، حتى عندما تعرضت هذه الدول إلى الهجوم امتنعت من الرد واكتفت بالاحتجاجات، التي دلت بالأساس على الإحباط والغضب من عدم رد واشنطن. لذلك، جاء قرار إيران منح الأولوية لترميم العلاقات مع جيرانها على أرض خصبة. فجرت سلسلة لقاءات على مستويات رفيعة المستوى بين مسؤولين إيرانيين وإماراتيين، كما جرت 5 جولات من الحوار بين إيران والسعودية. ومن الواضح لجميع الأطراف أن المصالح متضاربة، ولن تتغير، لكن إيران ودول الخليج سوياً تفضل الوصول إلى تفاهمات على استمرار المواجهات والتصعيد.
- الرسالة المركزية التي مرّرتها إيران إلى جاراتها في الخليج كانت واضحة وحادة، وتضمنت تهديداً واضحاً بالرد إذا تبين أن التعاون العسكري مع إسرائيل يتقدم. الضغط العسكري الإيراني، المباشر وغير المباشر، يستند بالأساس إلى منظومة الصواريخ الباليستية الدقيقة التي قامت إيران ببنائها في الأعوام العشرة الأخيرة، بالإضافة إلى منظومات المسيّرات. الإمكانات المطروحة للرد على إيران من خلال خطوات إقليمية مشتركة للتعامل مع تفوق إيران على جيرانها وأمام المنظومة الأميركية في المنطقة، دفعت إيران إلى الرد بتهديدات عدوانية. لذلك، يجب الأخذ بعين الاعتبار، أن يكون هناك تحضيرات إيرانية خفية لخطوات ملموسة توضح جدية نياتها.
- وفي نهاية زيارة الرئيس بايدن في المنطقة: هل تم تعزيز الردع الإسرائيلي ضد إيران أم إضعافه؟ وهل موجة الحديث عن منظومة إقليمية، كان هناك شكوك أصلاً في احتمالات إقامتها اليوم، ساعدت على الدفع قدماً بالفكرة، أم أبعدتها؟ يبدو أنه من الأفضل العودة إلى طرق العمل القديمة التي تركزت على تطوير المصالح الأمنية المشتركة ما بين إسرائيل ودول المنطقة، تحت الرادار.
- وعلى الهامش - فإن الحديث في إسرائيل، الذي يتم من خلاله طرح القضية الفلسطينية على أنها لم تعد مهمة لدول المنطقة، ولم تعد بالتالي تؤجل التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، يقوي من "سردية الخيانة" التي تنشرها السلطة الفلسطينية وتنتقد بها دول "اتفاقيات أبراهام". هذه السردية تنتشر بين الجماهير في دول المنطقة، ومن المؤكد أنها لا تساهم في خلق الأجواء التي تسمح بنقل العلاقات مع إسرائيل إلى المستوى العلني.
الكلمات المفتاحية