تبادل الضربات بين إسرائيل وإيران مستمر ليس فقط في المجال السيبراني
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- يكشف خفض درجة تحذير الإسرائيليين من السفر إلى اسطنبول هدوءاً موقتاً لتوترات طويلة مع إيران. فبعد أن اعتقلت الأجهزة الأمنية التركية عدة خلايا كانت تخطط لخطف إسرائيليين، أو قتلهم، أصبح في الإمكان خفض درجة التأهب قليلاً. لكن تبادل الضربات بين الطرفين استمر هذا الأسبوع أيضاً، ولا سيما في المجال السيبراني. لقد أدى فشل الهجمات المخطط لها وغضب الأتراك إلى إحراج النظام في طهران الذي اضطر على ما يبدو إلى التراجع خطوة إلى الوراء، لكن في المجال السيبراني ليس هناك هدنة حتى الآن.
- لقد أصبح مجال الإنكار الإيراني أكبر بكثير. ويمكن دائماً الادعاء أن إسرائيل تكذب، وأن طهران ليست المسؤولة عن هجمات تشنها مجموعات من القراصنة المستقلين يقلقها استمرار الاحتلال الإسرائيلي.
- عملياً، ازداد حجم الهجمات الإيرانية السيبرانية بصورة كبيرة، ويبدو أنها سجلت مؤخراً نجاحاً. وربما هذا هو سبب زيادة الهجمات ضد البنى التحتية الرقمية في إيران، والتي تنسبها الصحف الدولية إلى إسرائيل. فهذا الأسبوع توقفت مجموعة معامل ضخمة للحديد الصلب في إيران عن العمل نتيجة هجمات سيبرانية، وعلى ما يبدو سيستغرق ترميم هذه الأضرار عدة أسابيع.
- تطرق رئيس الحكومة المنتهية ولايته نفتالي بينت ووزير الدفاع بني غانتس، بصورة غير مباشرة، إلى هذه الأحداث في خطابيهما في مؤتمر السايبر في جامعة تل أبيب. فقارن بينت الردع السيبراني بالردع النووي وأعلن أنه: "إذا شن أحد هجوماً سيبرانياً علينا سنرد عليه"، إذ يمكن تفسير هذه الكلمات بأنها تحمل للمسؤولية. أمّا غانتس فقال: "نحن نعلم من هم الإرهابيون الذين يستخدمون المفاتيح، ونحن نضربهم ونضرب من أرسلهم، وهم الآن أمام أنظارنا، وليس على المستوى السيبراني فقط."
- تدل هذه النبرة الحادة على أن ليس المقصود إطلاق التهديدات على خلفية الانتخابات الجديدة فحسب، بل ثمة انطباع أن إسرائيل تلقت مؤخراً ضربة وردت عليها بشكل مناسب. فقد زعزعت الحوادث المتكاثرة بمختلف أنواعها ثقة النظام في طهران بنفسه. وأول أمس ذكر تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" أن القيادة الإيرانية تخشى أن تكون إسرائيل اخترقت الأجهزة الاستخباراتية، وتعمل داخل إيران من دون عوائق، الأمر الذي كان سبباً، إلى جانب الفشل في تركيا، في سلسلة الإقالات والتبديلات في المناصب في قيادة الحرس الثوري. ووفقاً للصحيفة جرى مؤخراً اعتقال جنرال بتهمة التجسس لمصلحة إسرائيل. وتدعي مصادر إسرائيلية رفيعة المستوى في حديث مع "هآرتس" أن الأزمة الداخلية في الحرس الثوري خطرة خصوصاً في قيادته.
- قبل وقت قليل من تسليم بينت رئاسة الحكومة إلى يائير لبيد، قام يوم الثلاثاء بجولة وداعية على قيادات الموساد والشاباك. فبينت لا يوافق على الادعاء الذي سمعه هناك أن سياسته الأمنية لا تختلف كثيراً عن سياسة بنيامين نتنياهو، وأن الفارق بينهما هو، بصورة أساسية، أسلوبه الرسمي والمتحفظ. فبالنسبة إلى بينت هو مَنْ أرسى مبادىء استراتيجية جديدة، سواء في مواجهة إيران أم في مواجهة الفلسطينيين؛ ففي مواجهة إيران انتهج خطاً أكثر عدائية شمل، وفق تقارير أجنبية، استخدام السلاح ضد أهداف لا علاقة لها بالبرنامج النووي وموجودة على الأراضي الإيرانية، مثل تدمير قاعدة ومصنع لإنتاج المسيرات في شباط/فبراير الماضي، واغتيال مسؤولين رفيعي المستوى في الحرس الثوري في أيار/مايو، يضاف إلى ذلك الهجمات السيبرانية العديدة. ويبدو أن الهدف تأسيس قدرة سريعة على الرد، وجعل إيران تدفع ثمناً فورياً عن كل هجوم.
- وجد بينت في الأجهزة الاستخباراتية الصغيرة قدراً أكبر من المرونة الذهنية والاستعداد للقيام بتغير سريع، مقارنة بالجيش الإسرائيلي. فالجيش هو عبارة عن سفينة أكثر ثقلاً ومن الصعب تحريكها، ناهيك بأن رئيس الأركان أفيف كوخافي بدأ اليوم نصف السنة الأخيرة من ولايته.
مناورة "حماس"
- لم تحقق المناورة التي قامت بها "حماس" هذا الأسبوع حتى الآن نجاحاً، فقد عرضت الحركة شريطاً قصيراً يظهر فيه هشام السيد، المواطن الإسرائيلي الذي تحتفظ به "حماس" في قطاع غزة منذ 2015، راقداً على الفراش وقناع الأوكسيجين على وجهه. وكان هذا أول دليل على وجود هشام على قيد الحياة منذ سبع سنوات، وتدعي "حماس" أن الوضع الصحي لهشام. تدهور.
- اتهم بينت وغانتس "حماس" بالتلاعب بالمرضى النفسيين (السيد والإسرائيلي الثاني منغيستو اللذان تحتفظ بهما حماس" يعانيان مشكلات نفسية)، ولم يُظهرا أي استعداد لتقديم تنازلات في المفاوضات بشأن صفقة تبادل للأسرى. ومن المحتمل أن يحيى السنوار، زعيم "حماس" في القطاع، لا يجيد قراءة الوضع في إسرائيل بصورة صحيحة، على الرغم من لغته العبرية الجيدة والأعوام الـ22 التي أمضاها في السجن في إسرائيل.
- فبخلاف صفقة شاليط لا توجد اليوم حركة شعبية واسعة النطاق تطالب الحكومة بتقديم تنازلات كبيرة لقاء إطلاق سراح المواطنَين الإسرائيليَّين واسترجاع جثمانَي الجنديَّين هدار غولدين وأورون شاوول. وثمة شك في أنه ومع بداية المعركة الانتخابية في إسرائيل سيكون لدى "حماس" فرص أكبر مما كان لديها مع حكومة تصريف الأعمال فيما يتعلق بصفقة تبادل أسرى. إذ لا تزال الفجوات كبيرة بين الطرفين بسبب إصرار "حماس" على إطلاق سراح مئات الأسرى، بينهم محكومون بالسجن المؤبد.
- فالحركة بحاجة إلى صفقة بسبب المكانة المهمة للأسرى الأمنيين وسط الجمهور الفلسطيني، وأيضاً بسبب وعد السنوار الذي لم يستطع الوفاء به: فعندما أُطلق سراح السنوار من السجن الإسرائيلي في صفقة شاليط سنة 2011 وعد رفاقه الذين بقوا في السجن بأنه سيسعى إلى إنقاذهم. ومع ذلك من المثير للاهتمام أن تستخدم "حماس" مناورة من هذا النوع من أجل الدفع قدماً بالمفاوضات، من دون أن تلجأ إلى تسخين الساحة العسكرية، الأمر الذي يمكن ربطه بالتغير الاقتصادي الذي ساهمت فيه التسهيلات التي انتهجتها إسرائيل في القطاع؛ فدخول 14 ألف عامل غزّي للعمل في إسرائيل، وهو عدد يمكن أن يرتفع قريباً إلى 20 ألفاً، أدى إلى تحسن في مستوى حياة السكان في القطاع. إذ يكسب كل عامل 8000 شيكل في الشهر، ومَنْ ينجح في العمل بدوامين وقضاء الليل في إسرائيل يصل راتبه إلى 12 ألف شيكل، وهذه مبالغ ضخمة بالنسبة إلى القطاع. ويبدو أن "حماس" تخشى أن تعرض للخطر نجاح الخطوة الإسرائيلية التي تنسبها الحركة لنفسها.