لبيد لا يرى الفلسطينيين على الإطلاق
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- من هو الأكثر إسرائيلية في نظري؟ إنه يائير لبيد [وزير الخارجية ورئيس الحكومة البديل الذي يوشك أن يتولى منصب رئيس الحكومة الانتقالية]. ما هو الأكثر إسرائيلية في لبيد؟ أنه ليس لديه أي فكرة كيف يبدو الاحتلال الإسرائيلي. وهو لا يعرف الاحتلال، ولا يعرف شيئاً عن وقائعه، ولا يهمه شيئاً منه. هل كان بنيامين نتنياهو أكثر اهتماماً بالاحتلال؟ بالتأكيد لا. لكن نتنياهو لا يؤمن بإمكان التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، في حين أن لبيد يدعي أنه يؤمن بتسوية كهذه.
- إن لبيد هو زبدة الإسرائيلية، لأنه زبدة الرضى الإسرائيلي عن الذات، زبدة الإقصاء، والإنكار، ورفض المعرفة، والأكاذيب الذاتية، والاكتفاء الذاتي بكم نحن أخيار. هو أيضاً زبدة الوقاحة والظهور بمظهر الضحية، وبأن كل شيء مُباح لنا ولنا فقط بسبب ما مررنا به ولم يمر به غيرنا. لبيد العلماني أيضاً يؤمن بحق اليهود في البلد، والذي يستند في نهاية المطاف إلى وعد إلهي. لذا لبيد إسرائيلي تماماً.
- إن لبيد هو إسرائيلي تماماً لأنه ربما لم يلتق بأكثر من نصف دزينة من الفلسطينيين، بمن في ذلك من يغسلون الأواني في "حانة بلفور" و"مقهى نوغا" [في تل أبيب] اللذين اعتاد على قضاء الوقت فيهما في فترة صباه. وقد يكون سمع في شبابه انطباعات عن الاحتلال من ليهي مان، التي أصبحت زوجته وكانت مصورة في "هآرتس" وقامت في إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى [اندلعت في كانون الأول/ديسمبر 1987] بجولات لتغطية الأحداث في المناطق المحتلة بما في ذلك في مدينة نابلس. وثمة شك فيما إذا كان زوجها زار في حياته قطاع غزة، وأكيد أنه لم يدخل إلى مخيم للاجئين الفلسطينيين، كما أنه لم يرَ مخيماً كهذا بالمنظار.
- كيف يمكن أن يكون لبيد رئيس حكومة إسرائيلية وجهته كما يبدو نحو السلام، ويعتبر رئيس معسكر معتدل، ونوراً هادياً للإسرائيليين، من دون أن تكون لديه أي فكرة عن الفلسطينيين، وعن أعمال التنكيل التي قمنا ولا نزال نقوم بها بحقهم، وعن حياتهم وعن موتهم، وطموحاتهم وأحلامهم؟
- نذكر أن رئيس جنوب أفريقيا العنصري فريدريك وليام دي كلارك التقى في قصره السجين رقم 466/64 نلسون مانديلا، الذي أحضر إليه من سجن فرستر. وبطبيعة الحال لن يخطر على بال رئيس الحكومة لبيد أن يلتقي السجين مروان البرغوثي ولا نريد التحدث عن إطلاق سراحه، والذي ربما يكون الخطوة الثورية الوحيدة التي يمكن أن تنطوي على بشرى التغيير.
- كيف يمكن أن يكون لبيد رئيس حكومة إسرائيلياً يتفاخر بالتبشير بالتغيير بدون معرفة شيء عن الواقع القائم تحت سيطرة حكومته على بعد أقل من ساعة سفر من بيته؟ إن ما يتبين أن مثل هذا الأمر ممكن. وتقريباً كل رؤساء الحكومات السابقين لم يعرفوا حول ماذا يدور الحديث، واكتفوا ببيانات تصدرها أجهزة الاستخبارات، وبنظرات عبر فوهات البنادق.
- إن لبيد إسرائيلي تماماً لأنه لا يرى الفلسطينيين على الإطلاق. قد يكونون في نظره مجرد أعداء مثلما هم في نظر اليمين. ومع ذلك فهو سيحرص على مناقشة مصيرهم، ويمكن التخمين بأنه لن يكون له أي لقاء سياسي من دون طرح مسألة الاحتلال حتى لو كضريبة كلامية، لكن ليس لديه أي فكرة عما يريد أن يكون هنا في الأعوام الـ20 المقبلة، وماذا سيكون بشأن الفلسطينيين، وما الذي يستحقونه باستثناء ألاّ يكون منزعجاً منهم.
- إن ما يمكن تقديره الآن أن لبيد سيعيد إلى إسرائيل تعابير الوجه الإنسانية والليبرالية ومحبة السلام، مع وجود عدد غير قليل من العواصم التي تتطلع إلى تعيينه. ومرة أُخرى سيعود الحديث عن تحريك أي عملية سلمية، وربما مكالمة مع محمود عباس، أو لقاء معه في أفضل الحالات. ومرة أُخرى سيعود الحديث عن حل دولتين، وهكذا سيكسب عالماً لم يكن بإمكانه تحمل رافض السلام نتنياهو. والآن فإن هذا العالم الذي لم يعد هو أيضاً يهتم بمصير الفلسطينيين، يمكنه أن ينام بهدوء مع لبيد.