تأجيل زيارة بايدن خيبت أمل إسرائيل التي عليها التعود على الواقع الجديد
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

  • أثار إعلان الإدارة الأميركية تأجيل زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل شعوراً بخيبة الأمل والإحباط والردود القوية. سيحضر، لن يحضر؟ هل أُلغيت الزيارة عموماً بسبب وضع الائتلاف الكئيب؟ وكان في إسرائيل من قال إن التأجيل ناجم عن وضع العلاقات السيئة بين الرئيس الأميركي وهؤلاء الذين يخشون إمكان عودة نتنياهو قريباً إلى كرسي رئاسة الحكومة واستقباله له.
  • يبدو أن الجميع كان على خطأ. فإن البيان الرسمي الصادر عن البيت الأبيض يكشف الورطة المعقدة التي تواجهها الإدارة الأميركية ليس فقط في المسائل التي ذُكرت أعلاه: ضم الشرق الأوسط إلى رحلة الرئيس الأميركي إلى أوروبا التي تشمل قمة الـG7 لزعماء الدول الصناعية في جبال الألب الألمانية وقمة الناتو في إسبانيا، سيثقل كاهل الرئيس الذي ليس في أوج سنوات عطائه.
  • بالإضافة إلى ذلك فإن هاتين القمتين تتطلبان إعداداً دقيقاً وتجديداً للسياسة الأميركية ليس فقط إزاء الدول المشاركة، بل أيضاً إزاء الموضوعات المطروحة على جدول المحادثات الجانبية مع كل من الزعماء المشاركين في القمة.
  • الشرق الأوسط هو مشكلة منفصلة تتطلب إعداداً منفصلاً. إسرائيل التي تعودت أن تكون في مركز الاهتمام يجب أن تتعود على أنه نتيجة الوضع الناشئ، فإنها باتت بصعوبة تشكل محطة على الطريق إلى عاصمة السعودية الرياض. قد تكون محطة مريحة بالنسبة إلى بايدن الذي هو في الأساس صديق حقيقي، لكن إسرائيل اليوم لا تشكل ثقلاً في جدول الأعمال الأميركي. فالأعين موجهه إلى احتياطات النفط السعودية، التي من دونها ستضطر أوروبا إلى الاستمرار في استيراد الوقود الروسي وبهذه الطريقة ستموّل بصورة غير مباشرة استمرار الحرب ضد أوكرانيا.
  • في مقال نشرته مؤخراً مجلة "أتلانتيك" أشار السفير دنيس روس الذي كان رئيساً لشعبة التخطيط في الإدارة الأميركية ومستشاراً لخمسة رؤساء أميركيين، إلى أربعة دروس يجب تعلّمها من استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا: عدم تراجع أهمية القوة العسكرية والاستعداد لاستخدامها؛ الحدود المتفق عليها ليست مقدسة وقابلة للتغيير حتى في القرن الحادي والعشرين؛ المساعي الرامية إلى محو الأمم لم تختفِ من هذا العالم؛ النزاعات والمنافسات بين الدول الكبرى ستستمر في الظهور في الملعب الدولي.
  • يجب أن نضيف إلى ذلك حكمتين: الأولى، لم تؤدِ العولمة إلى إلغاء المشاعر القومية لشعوب تجد صعوبة في المحافظة على طابعها الخاص. والثانية، على الرغم من الإرادة الأميركية في إظهار تفوقها في مجال القيم، فإن خريطة المصالح يمكن أن تفرض تنازلات أخلاقية لم تكن مقبولة قبل تطور التهديد الروسي.
  • يمكن الافتراض أيضاً أنه في إطار إعداد أوساط بايدن لزيارته إلى الشرق الأوسط جرى البحث في الوضع السياسي المعقد في إسرائيل. والتوجه الطبيعي هو تأييد الائتلاف القائم على افتراض أنه سيكون أكثر ملاءمة للإدارة الأميركية. لكن الحكماء في الإدارة ذكّروا هؤلاء الذين يريدون التدخل لمصلحة المعسكر المعادي لبيبي بإخفاقات الماضي في تحويل الرأي العام في إسرائيل.
  • بعد اغتيال رئيس الحكومة يتسحاق رابين تجندت الإدارة الأميركية لمصلحة فوز شمعون بيرس في انتخابات 1996. وما الذي لم تفعله هذه الإدارة من أجل تعزيز قوته؟ فقد تعهدت بتزويد إسرائيل بمنظومة مضادة لصواريخ الكاتيوشا التي كانت تُطلق من الأراضي اللبنانية وجعلت حياة سكان المستوطنات الشمالية كابوساً، وقبلت طلب أوساط بيرس إرسال رائد إسرائيلي إلى الفضاء (الذي اختير لهذه المهمة كان إيلان رامون الذي توفي جرّاء تحطم المكوك الفضائي كولومبيا في سنة 2003)، وعلى الرغم من ذلك فإن وضع بيرس في استطلاعات الرأي لم يتألق. ومن يتحمل المسؤولية هو ياسر عرفات الذي صعّد من الهجمات "الإرهابية" ضد الإسرائيليين خلال المعركة الانتخابية.
  • ... خسر بيرس الانتخابات. ولاقت الإدارة الأميركية صعوبة في استيعاب النتائج. لم يصدقوا أن نتنياهو انتصر. فور ظهور النتائج تلقيت اتصالاً من شخصية رفيعة المستوى في الإدارة كان يبحث يائساً عن معلومات عن الشخص الذي كان مجهولاً في تلك المرحلة من الإدارة الأميركية فقال لي: "الرئيس يريد مني الاستعداد والذهاب إلى الاجتماع مع بيبي. هل لديك أي اقتراحات؟" اقترحت عليه كجزء من التحضيرات قراءة الكتاب الذي كتبه رئيس الحكومة الشاب بعنوان "رسائل تموز/يونيو" [مجموعة الرسائل التي كتبها يوني نتنياهو إلى عائلته وأصدقائه وجمعها بنيامين نتنياهو في كتاب]...
  • بايدن ليس بحاجة إلى التعرف على شخصية نتنياهو. فالاثنان قضيا سنوات شبابهما في واشنطن وكانا من أكثر الشباب الواعدين في العاصمة الأميركية. عندما عُيّن نتنياهو نائباً للسفير موشيه أرينز كان بايدن سيناتوراً شاباً ومن مؤيدي المشروع الصهيوني. والاثنان يعرفان بعضهما الآخر وتبادلا الكثير من الأحاديث. لكن من المشكوك فيه أن هذا سيساعد نتنياهو، كما أنه من المشكوك فيه أن عدم إعجاب بايدن بنفتالي بينت يمكن أن يؤذيه. الذي يحدد قبل كل شيء هو المصلحة الأميركية والتعاطف الأساسي مع إسرائيل ومع إنجازاتها.
  • لقد أعلن بايدن رغبته في زيارة إسرائيل قبل أن تبرز الحاجة إلى زيارة الرياض. وكان من الممكن أن تكون زيارة ودية لحكومة صديقة. والتوقيت كان ملائماً لأنه جاء مع جمود المفاوضات في فيينا على اتفاق نووي جديد مع إيران. من المحتمل جداً أنه في ضوء وضع الائتلاف الصعب، والمحاولات الأميركية في الماضي للتدخل في السياسة الإسرائيلية، تخلى اليوم عن هذه المتعة.
  • لكن الحياة لعبة معقدة. الولايات المتحدة بحاجة إلى زيادة إنتاج آبار النفط السعودية من أجل خفض الاعتماد الغربي على الوقود الروسي. والسعوديون يطالبون بثمن: هم يطالبون بشرعية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي تعاملت معه الإدارة الأميركية الديمقراطية ببرودة بعد اغتيال الصحافي السعودي جمال الخاشقجي في تركيا. وهذا ليس ثمناً بسيطاً بالنسبة إلى الإدارة التي تتبنى سياسة الدفع قدماً بحقوق الإنسان. لكن الصراع ضد روسيا يمكن أن يجبرها على التنازل والموازنة بين الأخلاق والمصالح.
  • لا يرغب بايدن بزيارة الرياض من دون أن يتوقف في محطة مرحلية في إسرائيل. فقد تعلّم من تجربة أوباما أن زيارة الرياض وتخطي إسرائيل كلفه خسارة الثقة ليس في إسرائيل فقط، بل أيضاَ وسط اليهود في أميركا. ومع خسارته لهذه الثقة تآكلت أيضاً قدرة أوباما على التأثير، وهذا الأمر لن يسمح بايدن بتكراره في هذا الوقت الذي اتضح أن أميركا غير قادرة حالياً على التخلي عن الشرق الأوسط.
  • حتى استكمال الانتقال إلى طاقة جديدة يمكن أن يمر عقدان على الأقل، الأمر الذي يعزز المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. لذلك إذا توصل المسؤولون في الإدارة الأميركية إلى تفاهمات مع الرياض بشأن ولي العهد السعودي يمكن الافتراض أن زيارة إسرائيل لن تلغى لكن أهميتها تظل غير مؤكدة.