بعد مرور 40 عاماً: ثلاثة دروس من حرب لبنان
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

  • في مثل هذا الأسبوع قبل 40 عاماً بدأت حرب لبنان الأولى، ومن المفيد استعادة ثلاثة دروس أساسية من تلك الحرب، باعتبار أن الساحة لا تزال مهمة حتى اليوم، لكن هذا ليس السبب الوحيد لتلك الاستعادة. الدرس الأول له علاقة بمسألة السردية، فقد تبنت القيادة السياسية - الأمنية الرواية التالية: في لبنان ثمة أشرار وأخيار، والأشرار هم الفلسطينيون بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الذين يدمرون لبنان ويقومون بتهديدنا بالصواريخ وبأعمال "إرهابية"، والأخيار هم الكتائب، أي حزب النخبة المسيحية ذو التوجهات الغربية، لذا دعونا نحارب الأشرار من خلال تقوية الأخيار الذين سيتحولون إلى حكام لبنان، الأمر الذي سيكون جيداً للدولة اللبنانية ولنا.
  • مع الأسف الشديد لم تعكس هذه الرواية الساذجة الواقع، إذ تبين أن معظم "الأشرار" الفلسطينيين كانوا (وما زالوا) يعيشون في مخيمات اللاجئين، وهم من المساكين الذين لا يحملون جنسية، واتضح أن "الأخيار" الذين في مقابلهم، أي الكتائب، هم تنظيم فاشي وعنصري ووحشي وجبان وخائن.
  • علاوة على ذلك، فإن الرواية التي جرى تبنيها، والتي وضعت الفلسطينيين في مقابل الكتائب، تجاهلت أن ثمة نحو 80٪ من سكان لبنان، من الشيعة والسنة والدروز والمسيحيين، لا ينتمون إلى حزب الكتائب، كما تجاهلت السوريين الذين سيطروا على نصف الدولة. هذه الـ80٪ لم تكن موجودة في الرواية، لكنها كانت موجودة على أرض الواقع، وكلما كانت الفجوة بين الرواية والواقع كبيرة كان من السهل الانجرار إلى ارتكاب أخطاء على الأرض. ومن المفيد الاعتراف بهذه المسألة أيضاً عندما نتبنى سرديات في مناطق أُخرى، مثل غزة والقدس وغيرها.
  • أمّا الدرس الثاني فينبثق عن الأول وفحواه أن الهدف الحقيقي للحرب كان على ما يبدو التوصل إلى تغيير الحكم في لبنان، لكن كان هناك تخوف من أن هذا الهدف لن يحظى بتأييد واسع لدى الجمهور وبالتأكيد في العالم. لذا جرى وضع هدف وهمي، هو عبارة عن هدف عسكري متواضع يتمثل في إبعاد "المخربين" إلى مسافة 40 كيلومتراً عن الحدود، وهو مدى صواريخ الكاتيوشا في ذلك الوقت. ففي كل جيوش العالم البند الأكثر أهمية بالنسبة إلى قيادة أي عملية عسكرية هو بند "الهدف"، والهدف هو الجواب عن السؤال التالي: ما الذي نريد تحقيقه؟ أو من أجل ماذا نخوض العملية أو الحرب؟
  • والبند التالي المنبثق مباشرة من البند الأول هو تحديد "المهمة"، والمهمة هي الجواب عن السؤال التالي: ماذا يجب أن نفعل (من أجل تحقيق الهدف)؟ والمبدأ الرقم واحد في الحرب هو "التقيد بالمهمة في ضوء الهدف". أمّا عندما يكون الهدف غير واضح أو سري، كما في حالة حرب لبنان، عندها تصبح المهمة التي علينا التقيد بها غير واضحة. وهذا ما جرى في قطاعين من ثلاثة قطاعات: القطاعان الأوسط والشرقي حيث تقدم الجيش ببطء ووصل خلال خمسة أيام إلى حدود 40 كيلومتراً. وفي اليوم الأخير عندما فهم أن الضغط الدولي علينا سيؤدي إلى التوصل إلى وقف إطلاق نار خلال يوم واحد، أُعطي أمر سريع بالتحرك شمالاً والسيطرة على طريق بيروت - دمشق. إذ كانت السيطرة على هذه الطريق ضرورية في ضوء الهدف الحقيقي، أي السيطرة على الدولة اللبنانية، لكن قادة الفرق العسكرية لم يعرفوا ذلك وكانت النتيجة على النحو التالي: في القطاع الشرقي علقت فرقتان عسكريتان في اللامكان، وفي القطاع الأوسط اضطررنا إلى خرق وقف النار (وإلى أن نكذب على أنفسنا والعالم) والتقدم على الطريق المطلوبة وخسارة العديد من المقاتلين.
  • وبالنسبة إلى الدرس الثالث فيتعلق باعتراف رئيس الحكومة آنذاك مناحم بيغن بأن حرب لبنان كانت "حرب اختيار"، أي أنها لم تُفرض علينا، وإنما بادرنا إليها طواعية ورغبة في تحسين وضعنا الاستراتيجي. طبعاً هذه من امتيازات الدول الكبرى (حتى لو كان النجاح فيها غير مضمون، انظروا إلى الحرب في أوكرانيا)، لكنّ ثمة شكاً في أنها كانت ملائمة لنا.