الانتخابات في لبنان: استمرار الشلل السياسي
تاريخ المقال
المصدر
مركز القدس للشؤون العامة والسياسة
تأسس المعهد في سنة 1976، وهو متخصص في الدراسات السياسية والدبلوماسية والاستراتيجية. يترأس المعهد، حالياً، السفير الإسرائيلي السابق في الأمم المتحدة دوري غولد. ينشر المركز مقالات يومية يمكن الاطلاع عليها باللغتين العبرية والإنكليزية على موقعه الإلكتروني. كما تصدر عنه سلسلة من الكتب، ويمتاز بمواقفه التي تتماهى مع اليمين في إسرائيل.
- على افتراض أن شيئاً لن يعرقل إجراء الانتخابات البرلمانية في لبنان، سوف يتنافس 1046 مرشحاً على 128 مقعداً في البرلمان اللبناني الذي سيُنتخب لأربعة أعوام مقبلة.
- تجري الانتخابات على مرحلتين: من 6-7 أيار/مايو من أجل اقتراع 250 ألف لبناني مقيم في الخارج ومسجّلين للاقتراع (من مجموع قرابة 14 مليون لبناني في الشتات)، وفي 15 أيار/مايو ستجري الانتخابات العامة في لبنان.
- لهذه الانتخابات أهمية حاسمة لأنها، على ما يبدو، ستحدد هوية لبنان في الأعوام المقبلة. يدور الصراع بين كتلتين أساسيتين: الأولى هدفها تحويل لبنان إلى معقل آخر للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والكتلة الثانية تحارب من أجل هوية لبنان العربية، ومن أجل استقلاله.
- الحملات الانتخابية السابقة لم تشهد العنف الذي تشهده الحملة الحالية. بلطجية أرسلهم حزب الله وحركة أمل لمهاجمة مرشحين محتملين يشكلون تهديداً لهيمنتهم على الجنوب اللبناني وسهل البقاع. ففي الصرفند في الجنوب اللبناني، تدخّل الجيش اللبناني للدفاع عن مرشحين تعرضوا للضرب على يد حزب الله. في المقابل، مرشحون على قوائم المعارضة في البقاع قرروا سحب ترشحيهم، خوفاً على حياتهم.
- وكما في كل المعارك الانتخابية الماضية، وفي ضوء الوضع الاقتصادي الكارثي، يحاول لاعبون أساسيون شراء أصوات الناخبين، من خلال توزيع سلع ضرورية وغالية الثمن على 50% من اللبنانيين-في الأساس وقود ومواد غذائية وسلع أساسية يومية. بالنسبة إلى الناخبين، هذا مهم للغاية، ويمكن أن يؤثر في نتائج الاقتراع، بحيث لن تكون منطقية أو ديمقراطية بأي شكل من الأشكال، ويمكن أن تنحو نحو التطرف.
- وعلى الرغم من توجُّه كل الأنظار إلى كتلة أحزاب "الربيع اللبناني"، من حركة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، مثل حركة "خط أحمر"، أو "من حقي"، وما دامت مأساة "مهما تغيّر الحال فسيبقى على حاله"، فإن السياسيين اللبنانيين التقليديين ورؤساء الكتل السياسية وزعماء الطوائف، في أغلبيتهم، سيظلون ممثلين للسياسة الطائفية اللبنانية. فقط 88 مرشحاً من مجموع 1043 (8.4%) تتراوح أعمارهم بين 25-35، وهناك 157 امرأة فقط (15%)، حقيقة تثبت أن شيئاً لم يتغير في لبنان منذ تظاهرات تشرين الأول/أكتوبر التي أمل الناس بأن تؤدي إلى تغيير في المنظومة السياسية وإجراء إصلاحات ثورية في الاقتصاد والسياسة المحلية.
- سيركز المراقبون في الانتخابات على 3 موضوعات:
- بعد أن قرر رئيس الحكومة السابق السنّي سعد الحريري عدم مشاركة تيار "المستقبل" في الانتخابات، فإن السؤال المطروح هو أي نوع من تمثيل سنّي سيجري في النهاية؟ تشرذُم أصوات السّنة سيعقّد مهمة رئيس الحكومة المقبل في تأليف حكومة، ويدل هذا الواقع على أن الانتخابات ستؤدي إلى شلل المنظومة السياسية في لبنان.
- الموضوع الثاني هو المعسكر المسيحي. الانقسام في المعسكر المسيحي هو أمر تقليدي في السياسة اللبنانية، وفي الأساس ضمن الطائفة المارونية. ففي البرلمان الحالي كانت كتلة التيار الوطني الحر، برئاسة صهر رئيس الجمهورية جبران باسيل، حصلت على العدد الأكبر من أصوات المسيحيين، واستخدمت ذلك لإقامة ائتلاف من الأغلبية مع حليفها الاستراتيجي حزب الله. الآن تغيرت الصورة، وبسبب سلسلة فضائح وعمليات فساد، يبدو أن التيار الوطني الحر قد يخسر عدداً من مقاعده في البرلمان في مواجهة منافسه المباشر "القوات اللبنانية"، برئاسة سمير جعجع. علاوة على ذلك، إذا قرر الحزب الماروني من شمال لبنان "المردة"، بزعامة سليمان فرنجية، الانضمام إلى حزب الله، كما في الماضي، فإن فرص حصوله على أغلبية برلمانية ضئيلة جداً.
- الموضوع الثالث يتعلق بحزب الله وحركة أمل. سيحافظ الشيعة على تمثيلهم البرلماني، وسيزيدونه في مناطق معينة بواسطة شراء الأصوات وترهيب خصوم محتملين. مع ذلك، وبسبب الموضوعين السابقين، سيواجه حزب الله وحركة أمل صعوبات في تأليف حكومة جديدة، وفي فرض سياستهما على لبنان كله، على الرغم من محافظتهم على قدرتهم على منع أي قرار كبير في البرلمان وعرقلة تأليف حكومة.
مَن هو الرئيس الذي سينتخبه البرلمان؟
- يجب أن نتذكر أن البرلمان اللبناني هو الهيئة التي ستنتخب رئيس الجمهورية المقبل (الرئيس الحالي ميشال عون ستنتهي ولايته في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2022). ومن المعقول جداً أن تواجه المنظومة اللبنانية حائطاً مسدوداً، كما في الماضي، وعدم انتخاب رئيس الجمهورية المقبل.
- حتى الآن، هناك 4 مرشحين محتملين للرئاسة (كلهم موارنة، بحسب الدستور):
- جبران باسيل، صهر الرئيس عون ورئيس التيار الوطني الحر، والموجود على قائمة العقوبات الأميركية، ولذلك قد يكون غير مؤهل لهذا المنصب.
- سمير جعجع، رئيس القوات اللبنانية، الذي قد يكون غير مؤهل بسبب وصفه بأنه "عميل إسرائيلي".
- سليمان طوني فرنجية، زعيم تيار "المردة"، وهو حزب صغير معروف تارةً بتحالفه مع سورية، وتارةً مع الفريق الشيعي. فرنجية المقرّب من الرئيس السوري بشار الأسد، غير مؤهل في نظر خصومه في المعسكر المسيحي والسنّي على حد سواء.
- انتخاب مرشح تسوية. في هذه الحالة، فإن الاسم المطروح حالياً هو الجنرال جوزف عون قائد الجيش اللبناني الذي يُعتبر المرشح الموالي لأميركا. وهذا الاحتمال يبدو محتملاً، نظراً إلى انتخاب رئيسيْ جمهورية كانا في الماضي جنرالين في الجيش [المقصود الرئيس السابق ميشال سليمان وميشال عون] (هناك 3 رؤساء كانوا قادة للجيش: إميل لحود، وميشال سليمان، وميشال عون) وقائد الجيش الحالي لا يمت بصلة قرابة إلى الرئيس الحالي.
- التصويت على تأجيل انتخاب رئيس جمهورية جديد. وجرى هذا مرتين بسبب الطريق السياسي المسدود. وإذا أخذنا في الحسبان سِجلّ ميشال عون، فمعنى هذا استمرار الجمود في الحياة السياسية اللبنانية. مع ذلك، مع برلمان منقسم، يمكن أن يكون اختيار هذا البديل غير ممكن التحقيق.
- بقاء المنصب شاغراً. في مثل هذه الحالة، الرئيس الفعلي سيكون رئيس الحكومة السّني. وقد حدث في الماضي مثل هذه السابقة، وقد يكون هذا الخيار هو المفضل.
- في الختام، الانتخابات الحالية للبرلمان ستؤدي إلى شلل كامل في الجسم السياسي اللبناني، يضاف إليه الفوضى بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الخارج عن المألوف. ومثل هذا الجمود يشير إلى تفكُّك لبنان كدولة، وتحوُّله من دولة فاشلة، كما هو اليوم، إلى دولة موجودة نظرياً.