فجأة، بات قتل الصحافية الفلسطينية صادماً
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • الصدمة النسبية في أعقاب قتل شيرين أبو عاقلة صادقة ومطلوبة. هي أيضاً متأخرة ومنافقة. الآن تشعرون بالصدمة؟ دم صحافية مشهورة، شجاعة وخبيرة، وهي كذلك، ليس أهم من دم طالبة مدرسة مجهولة، كانت في طريقها إلى منزلها قبل شهر تقريباً، في سيارة أجرة عمومية في جنين ذاتها، وقتلها جنود الجيش الإسرائيلي. هكذا قتلوا حنان خضور. حينها أيضاً حاول الناطق الرسمي بلسان الجيش التشكيك في هوية مُطلق النار، وقال: "الموضوع في قيد الفحص". مرّ شهر، ولم ينجم عن "الفحص" أي شيء، ولن ينجم عنه أي شيء أيضاً، لكن بذور الشك زُرعت ونبتت في حقول الإنكار الإسرائيلية، هناك، حيث لا يؤثر مصير فلسطينية عمرها 19 عاماً في أحد، والضمير مات مرة أُخرى. هل ستعترف المؤسسة الأمنية واليمين بأي جريمة قام بها الجيش، ويتحملان مسؤوليتها؟ جريمة واحدة؟ واحدة فقط؟
  • مقتل أبو عاقلة حدث مختلف، هي صحافية دولية. يوم الأحد، تم الاعتداء على صحافي محلي هو باسل العدرة، على يد جنود الجيش الإسرائيلي جنوبي الخليل، ولم يكترث أحد. وأول أمس، حُكم إسرائيليان بالسجن 22 شهراً، بتهمة الاعتداء على صحافيين خلال "حارس الأسوار". وأيّ عقاب سينزل على جنود قَتَلة، إن قتلوا شيرين أبو عاقلة؟ وأيّ عقاب سينزل على مَن قرر ونفّذ القصف الإجرامي على مكاتب وكالة الأخبار "AP" خلال "حارس الأسوار" في قطاع غزة؟ هل دفع أحدهم ثمن هذا الإجرام؟ وماذا عن الـ 13 صحافياً الذين قُتلوا خلال عملية "الرصاص المصبوب"؟ والطواقم الطبية التي قُتلت خلال التظاهرات على الشريط الحدودي في قطاع غزة، ومن ضمنهم الممرضة رزان نجار، ابنة الـ 21 عاماً، والتي أطلق الجنود النار عليها وهي ترتدي ملابسها البيضاء؟ لم يعاقَب أحد. سيغطون كل هذا بغيمة التبرير الأعمى والحصانة التلقائية للجيش الإسرائيلي، والسجود والتهليل للجنود.
  • حتى لو وُجدت الرصاصة الإسرائيلية التي قتلت أبو عاقلة، وحتى لو برز الفيديو المصور الذي أظهر وجه القاتل، سيتم اعتباره "بطل إسرائيل"، فوق كل شبهة. هناك رغبة في الإشارة إلى أنه حتى لو كُتب على الفلسطيني البريء أن يُقتل بيد الجيش، فمن الأفضل أن يكون معروفاً كأبو عاقلة، ومن المحبَّذ أن يحمل جواز السفر الأميركي. حينها، ستتحرك قليلاً وزارة الخارجية الأميركية، ليس أكثر من اللزوم، بسبب قتل أحد مواطنيها ظلماً على يد جنود الدولة الحليفة.
  • في الوقت الذي تُكتب فيه هذه السطور، لم يتضح بعد نهائياً مَن قتل أبو عاقلة. هذا إنجاز الدعاية الإسرائيلية-زرع الشكوك التي يتمسك فيها الإسرائيليون كحقائق، ولا يصدقهم العالم، بحق في أغلب الأحيان. أيضاً بعد قتل الطفل محمد الدرة من غزة، حاولت الدعاية الإسرائيلية زرع الشكوك في هوية القاتل، ولم تنجح يوماً في إثبات ذلك، ولم يصدقها أحد. خبرة الماضي تثبت أن الجنود الذين قتلوا حنان، من الممكن أن يقتلوا شيرين أيضاً. هي ذات الروح المسموح لهم فيها بإطلاق النار كما يريدون. مَن لم يعاقَب على قتل حنان، قتل شيرين.
  • لكن الجريمة حدثت قبل وقت طويل من إطلاق النار. الجريمة حدثت مع اقتحام كل بلدة ومخيم لاجئين وقرية، وكل غرفة نوم في الضفة كل ليلة، عندما يكون هناك حاجة، ومن دون حاجة بالأساس. دائماً سيدّعي المراسلون العسكريون أن ما حدث جاء في سياق "اعتقال مطلوبين"، أيّ مطلوبين، وعلامَ؟ مقاومة هذا الاقتحام ستكون دائماً "إخلالاً بالنظام العام"، النظام العام الذي يسمح للجيش بكل شيء، ولا شيء للفلسطينيين، من المؤكد أنه لا يسمح بالمعارضة.
  • سقطت أبو عاقلة كبطلة خلال القيام بعملها. كانت صحافية شجاعة أكثر من جميع الصحافيين الإسرائيليين سوياً. كانت في جنين وفي كل مكان آخر تحت الاحتلال، وهم لم يكونوا هناك ولا مرة واحدة حتى، عليهم الآن أن ينحنوا احتراماً وتقديراً وحزناً. للأسف، كان عليهم التوقف عن إعادة تدوير الشكوك الدعائية التي ينشرها الجيش والحكومة بشأن هوية القَتَلة. وحتى يثبت العكس، وفوق كل الشكوك، الوضع الطبيعي يجب أن يكون: الجيش اغتال شيرين أبو عاقلة.
 

المزيد ضمن العدد 3788