المطلوب في جنين "علاج جذري" بمسار جديد
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • لا يعود تركيز أجهزة الأمن على جنين إلى حقيقة أن جزءاً من العمليات خرجت منها فحسب، بل أيضاً بسبب تحول منطقة جنين إلى جيوب عنيفة ملأى بالسلاح والأدوات القتالية، في الوقت الذي فقدت السلطة الفلسطينية سيطرتها عليها. فاليوم، جنين ومحيطها، وضمنه مخيم اللاجئين والقرى المجاورة، يشكلون دفيئة للخارجين عن القانون، من "إرهابيين" و"مجرمين" من مختلف التنظيمات والأنواع.
  • لقد تحولت منطقة جنين إلى جيب كهذا؛ فالسلطة الفلسطينية انسحبت منها بعد عدة محاولات فاشلة قامت بها أجهزة الأمن الفلسطينية بهدف بسط القانون والنظام. كان على الجيش والشاباك، قبل موجة "الإرهاب" هذه، أن يعملا بشكل منظم وقوي لأسابيع عديدة في هذه المنطقة لمنع ما حدث فعلاً.
  • ومن المهم التشديد على ما يلي: موجة "الإرهاب" التي نتعامل معها ليست نتاجاً حصرياً لجيب جنين، لكن ولأن في منطقة جنين، وتحديداً في مخيم اللاجئين والقرى المجاورة، نمت بنى ملأى بالسلاح تابعة للجهاد الإسلامي و"حماس"، فإن هذا الجيب هو المسؤول عن المبادرات والعملية المخططة التي نعاني جراءها في الأيام الأخيرة. هذا، بالإضافة إلى عمليات "المحاكاة"، التي نعاني جراءها أيضاً خلال الموجة الحالية.

مساران لمعالجة جذرية

  • إن جيب جنين هو الأخطر، ذلك بأن عملية "إرهابية" يبادر إليها الجهاد الإسلامي الفلسطيني وتشارك فيها مجموعات مدربة ومسلحة جيداً، ليس بالسلاح فحسب، بل بالعبوات الناسفة أيضاً، أخطر بكثير من العمليات الفردية.
  • في الأيام الأخيرة، تم تفكيك 12 خلية منظمة، وفي جزء منها، كان هناك شكوك في مشاركة انتحاريين. معظم هذه الخلايا هي نتاج من "حماس" والجهاد الإسلامي جاءت من منطقة جنين ولقد جرى إحباطها كلها. في كل الأحوال من الواضح للمؤسسة الأمنية أنه يجب ليس فقط معالجة خط التماس وجمع معلومات استخبارية بأساليب مختلفة، بل أيضاً مسألة مخيم جنين، الذي تحول إلى مولّد مبادرات "إرهابية".
  • فالمطلوب في جنين ومحيطها "علاج جذري"، ولهذا يوجد مساران: المسار الأول، هو سيطرة قوات كبيرة من الوحدات البرية التابعة للجيش عن طريق اجتياح جنين، المخيم والقرى المجاورة، وخلال ذلك تتم السيطرة على مناطق وتُقام معسكرات، على أن تبقى هذه القوات هناك لفترة يتم خلالها الاشتباك بشكل مباشرة ومستمر مع القوى "الإرهابية" المحلية الموجودة هناك، فيتم اعتقال مطلوبين، ومصادرة أسلحة وأدوات قتالية، وجمع معلومات استخباراتية، ثم تخرج من هناك بالتدريج من دون خوف من اشتعال المنطقة من جديد بعد خروجها بوقت قصير. وقد حدث مسار شبيه بهذا خلال عمليات "السور الواقي" سنة 2002.
  • إن لهذا المسار عدة إيجابيات واضحة هي: أولاً، يرغم "الإرهابيين" على الاختفاء والهروب، الأمر الذي يشغلهم عن تنفيذ العمليات. وثانياً، مجرد وجود الجيش والشاباك في جنين المدينة والمخيم سيقود إلى اشتباك مباشر يستفز "المخربين" للخروج والاشتباك مع الجنود، وفي هذا النوع من الاشتباك، جندي في مقابل جندي وسلاح في مقابل سلاح، هناك تفوق واضح للجيش والشاباك. فتقريباً في جميع الاشتباكات على هذا الشكل، إن لم تتفاجأ القوة العسكرية، ستكون النتيجة إصابات في صفوف "الإرهابيين" من دون إصابات تُذكر في صفوف الجيش الذي يملك أدوات حماية أفضل، وتدريباً أفضل من "المخربين". هذا بالإضافة إلى أن وجود الجيش في المنطقة "الإرهابية"، يخلق معلومات استخباراتية كثيرة يمكن استعمالها لاستخراج معلومات تتطور مع الوقت وتغدو أكثر نوعية، ويمكن استعمالها لإحباط وتفكيك خلايا على المدى البعيد.
  • أمّا سلبيات هذه العملية، على نمط "السور الواقي"، فتتمثل في وقوع عدد كبير من المصابين لدى الطرفين، بينهم مدنيون يُقتلون بالخطأ ومصابون خلال العملية. وينجم عن كثرة المصابين في الجانب الفلسطيني شعور بالغضب والانتقام، والذي يمكن أن يؤدي، بالإضافة إلى العمليات الفردية، إلى احتجاجات شعبية جماعية على نمط الانتفاضة الثانية. هذا إلى جانب الإصابات في صفوف قوات الأمن الإسرائيلية، والتي، وإن كانت قليلة نسبة إلى كم الإصابات في الجانب الفلسطيني، ستؤدي إلى ضغوط سياسية على الحكومة بهدف إيقاف أو تقليص النشاط.

ضغط ثلاثي

  • عندما يتم أخذ حسنات وسيئات عملية على نمط "السور الواقي" بعين الاعتبار، يجب الانتباه أيضاً إلى أننا في شهر رمضان، الذي يكون فيه الإيمان الديني المسلم في أقصاه، وإلى أن عيد الفصح اليهودي بعد أيام، والذي يُعدُّ أيضاً مناسبة للاستفزازات. وفي هذا الوقت، لا يجب الذهاب إلى عملية واسعة قد تؤدي إلى احتجاجات شعبية واسعة، لذا نختار مساراً آخر لقمع "الإرهاب" في منطقة جنين وشمال الضفة.

المسار الثاني الذي تقوم به أجهزة الأمن يتم على ثلاثة مستويات:

  • أولاً، على المستوى الأمني: تدخل قوات خاصة مدربة تعتقل مطلوبين استناداً إلى معلومات استخباراتية جمعها الجيش والشاباك ثم تخرج. على أن يحدث الدخول بشكل مفاجئ، ويتركز في أهداف عينية، وتبقى القوة العسكرية لساعات محدودة، وأحياناً يتم الدخول خلال ساعات النهار، لأسباب عملياتية تتمثل فيما يلي: تفكيك الرواية التي يبثها المخربون، والتي تقول إن الجيش يخاف الدخول إلى مخيم اللاجئين في جنين - وهي رواية منحتهم شعوراً بالأمان المزيف؛ لكن للدخول في ساعات النهار أهدافاً أُخرى، وهي دفع المطلوبين إلى الخروج للاشتباك من مسافات قصيرة مع الجيش وقوات "حرس الحدود"، الأمر الذي يرفع من احتمال إصابتهم واغتيالهم.
  • على المستوى المدني، فرض قيود على دخول العرب الإسرائيليين إلى منطقة جنين، فهم يدخلون إليها بهدف الشراء والعلاج الطبي. في المقابل، تم عرقلة دخول رجال أعمال فلسطينيين من جنين إلى داخل إسرائيل. وهذا المنع والقيود الجديدة من شأنها ضرب الاقتصاد وسبل عيش أغلبية سكان جنين. وتقدِّر أجهزة الأمن أن هذا الضغط سيترجم في نهاية المطاف ضغوطاً عائلية، وضغوطاً من جانب أصحاب نفوذ في جنين، على "المخربين" الذين سيُطلب منهم التوقف عن القتال لمنع انهيار الوضع الاقتصادي ورفاهية السكان.
  • أمّا المستوى الثالث فهو "الجزرة"، إذ تستمر إسرائيل في منح تصاريح عمل للعمال من منطقة جنين وشمال الضفة للعمل في إسرائيل، بهدف تقليص الضرر على نمط حياة مئات آلاف العائلات من ذوي الدخل المحدود، لأنهم من المرشحين للانضمام إلى صفوف "المخربين"، والمشاركة في احتجاجات شعبية واسعة - في حال اندلعت.
  • حسنات هذا المسار القائم على عمليات عينية واضحة: هذا المسار يفرض حالة من عدم اليقين في صفوف المخربين، ويمنح القوات الإسرائيلية عامل المفاجأة، مرة تلو أُخرى، وليلة تلو أُخرى، ونهاراً تلو آخر. والنتيجة أن الإصابات في صفوف قواتنا قليلة نسبياً، لكن نوعية المعلومات الاستخباراتية التي يجمعونها، وكميتها، لا تقل، بل على العكس - كل مطلوب يتم اعتقاله يؤخذ إلى التحقيق، ومن هناك يتم إعادة تدوير المعلومات التي يمكن الحصول عليها منه. وهذا يسمح برفع جودة المواد الاستخباراتية، من دون المخاطرة بالقوات العسكرية.
  • بالإضافة إلى كل ما سبق، فإن هذه العمليات تشكل ضغوطاً أيضاً على المجتمع الحاضن للـ"مخربين"، والأهم أنها لا تسمح لهم بكشف التحضيرات الدفاعية التي يقوم بها الجيش في قلب مناطق سكنهم، ما يمنعهم من التحضير لمهاجمة القوات الموجودة في المنطقة بشكل دائم. ناهيك بحقيقة أن الدخول والخروج بوتيرة عالية يستنزف هؤلاء، إذ لا يملكون خلال المطاردة الوقت أو الهدوء للمبادرة والتخطيط.
  • يبدو في الوقت الحالي أن مسار الدخول السريع لتنفيذ عمليات عينية، والخروج السريع بعدها، هو الأفضل والأدق. ومن المهم بذل الجهد الكافي للامتناع من إصابة مدنيين، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى انتفاضة شعبية. هذا خيط رفيع يجب السير عليه، ويبدو أن الجيش والشاباك وحرس الحدود يعرفون كيف يسيرون عليه. وفي حال نجاح هذا المسار بالوصول إلى النتائج المطلوبة، من الممكن ألاّ نحتاج إلى عملية "السور الواقي" 2.